أثر برس

التخبطات الأمريكية قبل ساعة الصفر في إدلب

by Athr Press B

 خاص || أثر برس

لاشك أنه بعد إعلان المتحدث الرسمي لوزارة الدفاع الروسية الجنرال “إيغور كوناشنكوف” بالأمس عن استعداد “هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة وحلفاءها)” للقيام بعمليات استفزازيّة، واتّهام دمشق باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في إدلب، أنه سيناريو يتكرر في كلّ مرة تحشد فيها القوات السورية وحلفاءها لاستعادة السيطرة على المناطق التي سيطرت عليها مجموعات المعارضة المسلّحة، فأصبح هذا الأمر ذريعة تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية وشركاءها الغربييّن لتوجيه ضربات ضد سوريا، كان آخرها في 14 نيسان الفائت، عندما استهدفت مدمرتين أمريكيتين في البحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى 4 مقاتلات حربية بريطانية من طراز (تورنادو جي آر) مواقع سورية، ومواقع خاصة بتطوير القدرات العسكرية بـ 103 صاروخ اعترضت الدفاعات الجوية السورية 71 صاروخاً منها، وذلك رداً على مزاعم استخدام دمشق للسلاح الكيميائي في دوما، أثناء عمليات القوات السورية لاستعادة السيطرة على غوطة دمشق الشرقية، على الرغم من تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الذي أكد عدم العثور على أية دلائل تؤكد استخام غاز الكلور والسارين في مدينة دوما.

مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي “جون بولتون” توعّد بتوجيه ضربات جديدة أشد قوة في سوريا، إذا ما استخدم سلاحاً كيميائياً، وفق ما نقلته وكالة “بلومبرغ” الأمريكية، خلال اجتماع “بولتون” مع سكرتير مجلس الأمن الروسي “نيكولاي باتروشيف” في جنيف في الأمس الفائت، وبغض النظر عن تهديدات “بولتون”، فالمتحدث الرسمي لوزارة الدفاع الروسية الجنرال “إيغور كوناشنكوف” أكد وفق مصادر مستقلة حسب تعبيره أن الولايات المتحدة الأمريكية نقلت إلى قاعدة “العِديد” الجوية القطرية قاذفات (B- B1) الاستراتيجية، التي يمكن أن تشارك في الضربات الغربية الجديدة لأول مرة، محمّلة بـ 24 صاروخ كروز “جو -أرض”.

التهديد الأمريكي الغربي اليوم ضد سوريا يختلف عن سابقه لعوامل عدة سياسية وعسكرية، فمعركة إدلب التي يعدّها السوريون أم المعارك، سوف تكون نهاية الفصائل المعارضة المسلّحة و”الجهادية”، بعد أن خسروا كلّ مواقعهم على امتداد الجغرافيا السورية، رغم الدعم المالي والعسكري واللوجستي الذي تلقوه طيلة سنوات الحرب في سوريا.

من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد العودة وتدوير الحرب في سوريا إلى نقطة جديدة بتنفيذ ضربات عسكرية تغطي هجوم فصائل المعارضة المسلّحة و”الجهادية” على مواقع القوات السورية في حلب وحماة، وهذا ما أعلنته وزارة الدفاع الروسية، بعد وقت قصير على تصريح نائب وزير الخارجية الروسي “سيرغي ريابكوف” الذي قال إن روسيا مستعدة للتعامل مع المخططات الأمريكية وكشفها.

إن الولايات المتحدة الأمريكية لاتريد لدمشق  استعادة إدلب لأن هذا سوف يكون انتصار استراتيجي من شأنه قلب المعادلات الجيوسياسية في المنطقة برمّتها، و التفرّغ سياسياً لقضية الأكراد وتسوية المناطق الموجودين فيها، وعودتها للدولة السورية، وخاصة بعد الاجتماعات التي عقدت بين وفد “مجلس قوات سوريا الديمقراطية” وممثلين عن الدولة السورية، مما يجعل استمرار الوجود الأمريكي على الأراضي السورية مُربكاً، فلجأت أمريكا إلى تعزيز وجودها من خلال البدء بإنشاء قاعدة جديدة لقواتها في هجين جنوب الشدادي في الحسكة، وهو دليل على ذلك.

قد تريد الولايات المتحدة الأمريكية من خلال توجيه ضربات عسكرية في سوريا الضغط السياسي على دمشق وحلفائها، لإنهاء الوجود الإيراني في الأراضي السورية، فالأمريكيين يعدّون ذلك أولوية استراتيجية غير قابلة للنقاش، وهذا ما أكده الأمريكي “وليام روباك” المستشار الرئيسي لقوات التحالف الدولي ضد “داعش” في سوريا.

إن العملية العسكرية الأمريكية المرتقبة لاتستهدف دمشق فقط، فالولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة بعد فرض المرحلة الأولى من العقوبات على إيران، والتي استهدفت وقف التعاملات المالية معها، وحظراً لاستيراد المواد الأولية، والمشتريات في قطاع السيارات، والطيران التجاري في 8 آب الفائت، تريد إنهاء الحديث عن الملف الإيراني في سوريا قبل استكمال الحزمة الثانية من العقوبات الاقتصادية الأشد في 4 تشرين الثاني القادم، وهي وقف تصدير النفط والغاز الإيراني، وهذا ما قد يفسره وصول وزير الدفاع الإيراني العميد أمير حاتمي اليوم إلى سوريا، برفقة وفد عسكري يضم كبار ضباط القوات الإيرانية للقاء الرئيس السوري بشار الأسد.

الموقف الروسي الرسمي تعقيباً على التهديدات الأمريكية والبريطانية والفرنسية المشتركة، وإن جاء فقط على المستوى الرسمي الثاني بات واضحاً بأن روسيا لن تتدخل بشكل مباشر، وأن القوات السورية قادرة على التصدي للاعتداءات الأمريكية الغربية بما تملكه دفاعاتها الجوية من منظومات “سام3 “و”سام6 “و”س200 “ومنظومة “بوك” الدفاعية، فيما ستكون روسيا مستعدة لحماية قواعدها الجوية في حميميم وطرطوس ومواقع مستشاريها وقواتها في الأراضي السورية، ولابد أن زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم المرتقبة إلى موسكو في نهاية آب الجاري ستكون لبحث سبل الرد السياسي اللازم دولياً لمواجهة الفبركة الكيميائية الآيلة الحصول في إدلب.

الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” لم يصرّح أو يعلّق على التهديدات التي أطلقها شركاؤه في الإدارة الأمريكية ضد دمشق كما جرت العادة، فهو مشغول ويعاني من التخبط داخلياً في مواجهة قضايا تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية، واتهامات تتعلق بارتباطه مع المافيات، وفضائح جنسية، وعلاقات مشبوهة، وخاصة فيما يتعلّق بمحاميه الشخصي “مايكل كوهين” الذي مُنح الحصانة من قبل المحققين الفدراليين، بعد أن أقرّ بالتجاوزات التي قام بها، مما قد يجعل الرئيس الأمريكي معرّضاً للعزل.

تركيا التزمت الصمت على المستوى الرسمي بشأن التهديدات الغربية لسوريا، واكتفت وسائل الإعلام التركية بنقل أخبار تتحدث عن مرافقة زوارق حربية تركية لفرقاطتين روسيتيين عبرتا خليج البوسفور والدردنيل، اللذين يربطان البحر الأسود بالبحر الأبيض المتوسط، متوجهتين نحو ميناء طرطوس في سوريا.

إن التوترات والخلافات الأخيرة في العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، والتي زاد من شدتها احتجاز السلطات التركية للقس الأمريكي “أندرو برونسون” تبقى خلافات سياسية مرتبطة بحزب العمال الكردستاني وجماعة فتح الله غولن، وإنما المصالح الأمريكية والتركية مشتركة في سوريا، عززتها أخيراً خارطة الطريق في منبج وفق تفاهم مشترك.

إن “أردوغان” يسعى إلى تأسيس غرفة عمليات مشتركة تضم الفصائل المعارضة المسلّحة في “الجبهة الوطنية للتحرير” إضافة إلى ”هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة وحلفاءها)”، وذلك لصد هجوم القوات السورية وحلفاءها على إدلب، كما أن السلاح الكيميائي نقله عناصر الحزب التركستاني “الجهادي” من مدينة “أضنة” التركية مروراً بأريحا ووصولاً إلى جسر الشغور حيث من المتوقع حسب وزارة الدفاع الروسية تحضير ضربة على كفر زيتا في ريف حماه الشمالي، خلال اليومين المقبلين بأسلحة حرارية مسممة، بإشراف خبراء من شركة “أوليفا ” العسكرية البريطانية.

التصريحات الروسية السريعة والمفاجئة أرادت بها روسيا أن تكشف للرأي العالمي التخطيط المسبق للتهديدات الأمريكية الغربية، وأن المزاعم الكيميائية تنفذها مجموعات مرتبطة بالاستخبارات البريطانية. إذا أرادت الولايات المتحدة الأمريكية المُضي في تنفيذ مخططها فإن ذلك لن يمنع الدولة السورية وحلفاءها من التراجع عن عملية إستعادة محافظة إدلب، فمع اكتمال الحشود العسكرية في الشمال باتت ساعة الصفر مؤقتة، فما بعدها لن يكون كما قبلها.

علي أصفهاني

اقرأ أيضاً