خاص || أثر سبورت
يعتبر التعليق الرياضي من أهم وسائل الإعلام الحديث وأصعبها على الإطلاق لما يجب أن يتميز به المعلق من صفات وميزات تكون عوناً له لنقل الصورة الحقيقية للحدث الذي يقوم بالتعليق عليه في أي رياضة كانت.
وليكون المعلق ناجحاً يجب أن يكون من محبي هذه المهنة، وأن يتمتع بقوة الصوت وجماله وقدرته على التأثير ودخول قلوب المتابعين وإقناع عقولهم لأنهم ينتمون إلى شرائح مختلفة ويجب أن يمتلك الثقافة الرياضية فقد يحتاج لمعلومة ما خلال التعليق ينقلها بسرعة للمشاهد أو المستمع على حد سواء، كما أنه يجب أن يكون ملمّاً أشد الإلمام باللغة الأم التي يتكلم بها، وأن يتخذ لنفسه أسلوباً معيناً يتميز به عن غيره، وأن يتمتع بالحيادية ويتصف بالحماس وسرعة البديهة، وأن يقوم بالتحضير الجيد وجمع المعلومات عن الحدث الذي سيقوم بالتعليق عليه لأنه سيقوم بتحليل أدوار كل من يسهم في صناعة الحدث من جمهور ولاعبين وإداريين وحكام وإعلام وأيضاً المنشأة التي يقام عليها هذا الحدث، ولذلك قيل عن التعليق الرياضي أنه علم ومهنة.
وكانت مصر السّبّاقة وصاحبة الريادة في الوطن العربي في مجال الإعلام الرياضي من خلال الإذاعة المصرية عام 1934حيث قدمت بعض البرامج الرياضية، ثم افتتحت قسم تعليق خاص بالمباريات منذ عام 1937 عندما قدّم الإعلامي محمود بدر الدين وصفاً تفصيلياً للمباريات مباشرة عبر الأثير، وكانت الإذاعات الأوروبية والأمريكية قد سبقتها بذلك منذ عشرينيات القرن الماضي.
التعليق في سوريا بين الرفض والقبول.
قد نختلف عن كل دول العالم في هذا المجال إذ أنه من الظلم أن نقارن التعليق في وقتنا هذا عن التعليق في الماضي بسبب التطور التكنولوجي الكبير فدخل المذيعون القلوب وأصبحوا جزءاً من الأسرة الرياضية وحديث الشارع الرياضي في بلدانهم إلا في سوريا للأسف لأننا ما زلنا نترحم على الماضي ونقارن بما كنا وإلى أين وصلنا في هذا المجال، ويبدو أن التكنولوجيا فعلت فعلاً عكسياً، فكثر المعلقون وأصبحت مهنة التعليق مهنة من لاعمل له.
وما زال السوريون على وجه الخصوص والعرب بشكل عام يترحمون على التعليق السوري ورائده عدنان بوظو كلما ذكر التعليق، فقد كان يغرد في السرب لوحده ورغم أنه حاول إنشاء مدرسة خاصة بالتعليق نجح فيها البعض من تلاميذه ونال رضا الجمهور كياسر علي ديب وأيمن جادة وربما غيرهم ممن كان يشارك المرحوم بوظو بالتعليق على بعض المباريات، إلا أن من أتى بعدهم لم يكن بنفس السوية لغياب المقومات التي ذكرناها سابقاً وأصبحت الواسطة وغيرها في غياب المدارس هي المقوم الأساسي للقبول ومن يسمع معظم معلقي هذه الأيام من الشبان أو حتى من نقول عنهم أصحاب الخبرة يتساءل ما هو دور وزارة الإعلام، وكيف سمحت لهؤلاء باقتحام المنازل ليكونوا كالقدر المفروض على المتابع ليسمعهم، كونه لا يوجد في الميدان غيرهم.
وحتى لا نُتهم بأننا نظلم أحداً فإن ما أوردناه لا ينطبق على الجميع بالتأكيد، فلدينا بعض الخامات والأصوات الجميلة وإن لم تصل لمستوى معلقي المغرب العربي ومصر وبعض دول الخليج وبالتأكيد هذا ليس ذنبهم وكان يجب تطويرهم ومنحهم فرص الاستفادة من مدارس عريقة في هذا المجال.
التعليق السوري يتناسب طرداً مع حال رياضتنا
ويذهب البعض إلى القول بأن التعليق الرياضي في سوريا يتناسب طرداً مع واقع الرياضة السورية، فعندما تتطور يتطور معها التعليق ويظهر المعلق بأفضل حال وطالما نحن في مكاننا نراوح فقد أصبح التعليق بذات الأمر، وربما أصبح المذيع يعرف عن ظهر قلب ماذا سيعلق في الحدث الرياضي لأن كل شيء أصبح مكشوفاً تماماً كما نكتب وصف لمباراة في الدوري المحلي حيث نلاحظ نفس الأسلوب ونفس الكلمات عند كتابة كل تقرير مباراة ولا يتغير سوى الأسماء فيها ودقائق الأهداف إن وجدت.
إذاً المعلق يحتاج لاحتكاك حتى يتطور تماماً كالألعاب الرياضية وهذا هو الفرق الأساسي بيننا وبين الآخرين، فالقنوات الفضائية العربية فتحت مجال واسعاً أمام معلقيها وزادتهم خبرة من خلال إلحاقهم بدورات خاصة ومن ثم زجهم في التعليق على المباريات الكبرى عربياً وعالمياً حتى أصبح المعلق العربي يحمل من الشهرة ما يحمله أفضل المعلقين العالميين كعصام الشوالي ورؤوف خليف وعلي محمد علي وغيرهم، وهؤلاء علقوا على مباريات كأس العالم والبطولات القارية والعربية وقدموا دروساً في التعليق.
آراء المعلقين السوريين
حتى نكون أكثر حيادية وعدلاً لا ننكر وجود أصوات مميزة يملك أصحابها من القدرة الكثير للتأثير على عقل المتابع ودخول قلبه وهؤلاء لهم معاناتهم مع التعليق ورأيهم فيه وملاحظاتهم عليه.
المحمد.. لدينا أسلوبنا وهذه معاناتنا
الإعلامي الرياضي في تلفزيون أوغاريت وإذاعة أمواج والمعلق على مباريات الدوري السوري للتلفزيون الرسمي أحمد محمد قال:
“لا يجوز أبداً المقارنة بيننا وبين الدول الأخرى، أعتقد أننا الوحيدين في العالم كمعلقين نجلس في المضمار حتى الآن، وهناك كمّ من الناس يقفون أمامك في ظل فوضى عارمة وأنت تعلق على المباراة، وعند متابعة المعلقين العرب وخاصة الذين يعملون في دوريات ذات مستوى عالٍ لا يمكن في حال من الأحوال توظيف بعض الجمل على دورينا وملاعبنا وحتى على لاعبينا، إضافة لذلك التلفزيون الوطني لا يملك الإمكانيات التي تخوله نقل مباراة بتقنيات جيدة تضاهي الدول المجاورة أقل ما يمكن وخاصة في ظل عدم وجود قناة رياضية مما يتيح للتخصص في المجال الرياضي على كل الصعد أن يأخذ مكانه الطبيعي، فعلى سبيل المثال يوجد لدينا كوادر في النقل التلفزيوني لا تتابع كرة القدم بالأساس وبالتالي لا يمكن أن تتابع التفاصيل في المباراة ليكون النقل ناجحاً، ومن جهة أخرى لا يجوز للمعلق السوري أن يقلد اللهجات في الدول العربية لأن اللهجة السورية أثبتت حضورها في الدراما السورية وفرضت أسلوباً أكدت من خلاله السيطرة على الدراما العربية، وبالتالي التعليق السوري يتجه لفرض لهجة محببة للجمهور العربي في حال كان المعلق على مستوى جيد من الثقافة ما يمكنه من إمتاع الجمهور بالأرشيف والأرقام ليظل المشاهد متابعاً له، والملاحظة القوية بأن لهجتنا لا يمكن أن تضاهي اللهجات الخليجية أو المغاربية والتي تصنع للمعلق كاريزما صوتية تخوله أن يكون في مقدمة المعلقين العرب إلا ماندر، أما من ناحية رفد المعلق السوري بالأرشيف والأرقام ليكون حاضراً من بين المعلقين العرب أعتقد هذا الجانب لم يأخذ الأرشيف السوري بالحسبان إضافة لتطور الاتصالات فيما يخص الإحصائيات والتي تغني المباراة والمشاهد والسبب القوانين والأنظمة القديمة التي تسير بها كرتنا، والكلام الأخير إذا لم يكن هناك موهبة بالأساس شيء طبيعي ألا ينجح الشخص في هذا العمل الصعب”.
زين العابدين.. بعض المذيعين ملّت شبكة العين من رؤيتهم
الإعلامي زياد زين العابدين معلق على مباريات الدوري لإذاعة صوت الشباب ومراسل صحافي الرياضية والاتحاد سابقاً قال: “إن التعليق السوري إذا ما قارناه بالتعليق العربي فإنه يأتي بالصفوف الأخيرة فلا لون له ولا نكهة ولا هوية خاصة بنا كسوريين، مع أننا نملك من الخامات الجيدة الكثير ولكنهم يعملون خارج سوريا أما من يعمل بالتعليق التلفزيوني داخل البلد فمعظمهم بعيد عن تسمية معلق ويصطلح أن نسميه “مقلد” وخاصة من الشبان الصاعدين الذين يلجؤون لتقليد بعض المذيعين العرب في كل شيء كرؤوف خليف فضاعوا وأضاعوا الهوية”.
وأضاف أن الموهبة يجب أن تقترن بالدراسة والتعب حتى يبقى المذيع على صلة بكرة القدم طالما أن الموضوع يتعلق أساساً بهذه اللعبة.
وقسّم المذيعين لجيلين قديم وجديد، فالقديم لم يتطور وبقي مكانك راوح وللأسف ما زال مستمر بالظهور لدرجة أن “شبكية العين” والكلام له قد ملّت من وجوههم ومن تابع هؤلاء من ثلاثين عاماً وإلى الآن سيجدهم على حالهم إن لم يكونوا للوراء در، أما الجدد منهم فهم للأسف يحفظون بعض المصطلحات والكلمات الأجنبية ويستمرون في ترديدها متناسيين اللغة الأم وهي العربية الأقرب لعقل وقلب المشاهد ولذلك نراهم يخطئون في قواعد اللغة السهلة.
واستغرب زين العابدين وجود عدة أسماء تعمل في التعليق التلفزيوني منذ سنوات طويلة يتم تدويرها بين الملاعب ولم يتم زج أي اسم جديد عكس التعليق الإذاعي الذي فسح المجال للكثير من الشبان للعمل وطلب منهم أن يتعبوا على أنفسهم وخاصة في اللغة العربية حتى وإن كانت المحكية أو العامية منها فهي تبقى الأقرب للمشاهد من غيرها، كما استغرب من وجود معلقين صاعدين يطلقون على أنفسهم لقب الإعلامي وهم لم يبلغوا العشرين من العمر وتمنى من المذيعين “المخضرمين” أن يهتموا ويطوروا أنفسهم وألا يبقون على ذات الوتيرة، كما طلب من المسؤولين عن البرامج الرياضية أن يشاهدوا بالعينين وليس بواحدة فهناك من يستحق الظهور ولا يجوز لغيره أن يأخذ مكانه لمجرد وجود واسطة لديه.
وأكد على أن الموهبة لا تكفي بدون تعب ومتابعة كما أكد على ضرورة التخصص إذ لا يجوز أن نشاهد معلق الفروسية يعلق على الملاكمة ومعلق السلة على السباحة والقدم على الطائرة وهكذا.
السماك… التعليق سيئ والواسطة تصنع المعلق
الإعلامي أحمد السماك من جريدة الرياضية والفداء بحماه ومعلق على مباريات الدوري لإذاعة “شام أف أم” قال لـ “أثر“:
“التعليق السوري سيئ جداً على مستوى التلفزيون لأنه لا يكون وفق علم ودراسة ولو كان ذلك أولوية لكان أكثر المعلقين بعيدين عن الظهور على الشاشة، حتى الموهبة تأتي طفرات وتنتهي بسرعة لأنه لا يوجد تطوير للمواهب، ومع ذلك يستمر التعليق ويصبح الأمر عادياً، ناهيك عن المحسوبيات والمصالح بالعمل التي تتصدر الكثير من المشاهد ما جعل التعليق محط استهجان بالكثير من مواقع السوشيال من خلال أخطاء المعلقين ومع ذلك يستمر ظهورهم على الشاشات دون محاسبة، الفرص بعد التحضير تكون جيدة لخلق حالة جديدة لكنها لا تعطى والحجج بذلك جاهزة وأقول الحجج لأنهم عندما يريدون لشخص ما أن يظهر معلقاً يظهر بدون أي عوائق.
الابتعاد عن الاستفزاز
الكثير من المعلقين لم يلقوا القبول من الجمهور لأن أسلوبهم في التعليق مستفز، فيصورون المباراة كأنها معركة والفوز انتقام وثأر فيقولون على سبيل المثال “ثأر هذا الفريق من خسارته ورد الصاع صاعين ومزق شباك خصمه” أو “بدأت الآن المعركة والأقوى هو الذي سينتصر”، وغير ذلك فيظن المشاهد أنه أمام معركة حقيقية ستسيل فيها الدماء، ومتى كانت الرياضة أو المباراة ميدان معركة أو مكاناً للثأر ومتى كان المنافس الرياضي خصم سينال القصاص؟
وللحقيقة فإن اللغة العربية فيها من المرادفات الكثير ما يغني المعلق للابتعاد عن الاستفزاز ونقل الحدث بصورة حقيقية وهي تحتوي على جميع المصطلحات الرياضية السهلة والسلسة التي يتقبلها الجميع.
التعليق الوسيلة الأهم
إذاً كما ذكرت التعليق هو الركيزة الأساسية والأهم في الإعلام لدرجة أن القنوات الإعلامية الرياضية أصبحت تضع اسم المعلق على قائمة كل مباراة يتم نقلها لما له من دور في جذب المشاهد وإن كان أكثر من معلق يحظى بشعبية فإنها تقوم بنقل المباراة على أكثر من قناة ليتاح للجمهور متابعة المعلق المفضل لديه ومن هنا ندرك أهمية التعليق.
ولعل أفضل ما قاله الخبراء في فن التعليق الرياضي، يفترض في المعلق الجيد أن يحتفظ برأس باردة مع قلب دافئ، ويقدم أساليبه في توقيت مناسب، ويمنح مساحة للمتابع كي يرى المباريات بمتعة وأريحية، دون أن يغرقه بسيل من الكلام الذي لا يقول شيئاً.
إذاً المعلق هو المرآة الحقيقية للمتابعين في أرض الملعب أو الصالة وهو أذن وعين وعقل المشاهد، ولذلك يجب أن يكون متخصصاً في الرياضة التي ينقل حدثها بكل مصداقية وأمانة.
محسن عمران