خاص|| أثر برس لم تعد تصريحات المسؤولين الأتراك وعلى رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مفاجئة ومهمّة بشأن سوريا مهما امتدت وتيرتها بين التصعيد والهدوء، وهذا يفسّر صمت دمشق في التعاطي معها، لطالما حدد الموقف السوري الرسمي المسار الذي ينبغي على أنقرة أن تتبعه للتقارب مع دمشق.
منذ نحو أسبوع ونحن نرصد المواقف التركية بين وسائل الإعلام ووكالات الأنباء المختلفة للتصريحات التركية الرسمية رغبةً منا في الحصول على تغيّر واحد في سلوك أنقرة اتجاه دمشق، والنتيجة الوحيدة التي يمكن للمواطن السوري أو التركي سماعها هي رغبة أردوغان بلقاء الرئيس بشار الأسد، من دون تقديم أي عهود بانسحاب القوات التركية من المناطق التي تحتلها شمال سوريا وفق جدول زمني، وهو أحد الشروط الأساسية للرئيس الأسد الذي كرر مراراً عدم التنازل عنها.
وفي أثناء ذلك، جدد الرئيس التركي نيته شن عمليات عسكرية شمالي سوريا، تزامناً مع تصريحات أطلقها وزير الدفاع التركي يشار غولر وُصفت بالعدائية والمتحولة، إذ زعم غولر أن “الجيش الوطني” التابع لتركيا أنّه سيشكل نواة الجيش السوري، وأكد إلزام دمشق بالتقارب بشروط أنقرة، فهل تعد هذه التصريحات متناقضة وغير متماسكة أم متفق عليها في الإدارة التركية، وماذا يريد أردوغان أن يحققه بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية؟
عملية مرتقبة شمالي سوريا؟
لابد أن الجدلية التركية بشأن سوريا مهمّة مع توقيت عودة ترامب إلى تولي الرئاسة الأمريكية، وخصوصاً أنّ عمليات أردوغان العسكرية التي احتل فيها أجزاءاً من شمال سوريا كانت تقريباً في عهد ترامب الأول نهاية عام 2016، عندما سيطرت تركيا إثر عملية “درع الفرات” على مدن جرابلس والباب وأعزاز، وعام 2018 سيطرت على مدينة عفرين بريف حلب الشمالي في عملية “غصن الزيتون”، وعام 2019 شنت أنقرة عملية “نبع السلام” وسيطرت إثرها على مدينتي “تل أبيض، ورأس العين” شمال شرقي سوريا، وذلك بعد إعلان أردوغان بشهرين عن مشروع “المنطقة الآمنة” على طول الحدود بين سوريا وتركيا، وبعمق 30 كم.
وعن إمكانية قيام عملية عسكرية تركية مرتقبة، يرى المحلل السياسي المتخصص بالشأن التركي أحمد الإبراهيم في حديث إلى “أثر”، أنّه “من الممكن أن تشن تركيا عملية برية محدودة بحسب قدرات الجيش التركي شمالي سوريا تزامناً مع عودة ترامب”.
ويشرح الإبراهيم الخبير في السياسة التركية، أنّه “لا يمكن الحديث عن ضوء أخضر أمريكي؛ لأن أمريكا وتركيا كيان واحد بذراعين، ففي عام 1947 تم إجراء اتفاقين بين أنقرة وواشنطن، وضعت تركيا تحت الاحتلال العسكري المدني والمباشر الأمريكي”، لافتاً إلى أنّ “عدد القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في تركيا يفوق عدد مخافر الدرك التركي، كما يوجد 450 موظفاً أمريكياً موزعين في مقرّات الإدارة التركية من وزارة الدفاع إلى الرئاسة التركية وهم أصحاب قرار”.
ويضيف الإبراهيم لـ “أثر”، أنّ “انخفاض التهديدات التركية في عهد بايدن الحالي كانت نتيجة لاختلاف في السياسة الأمريكية فقط، بينما يشكّل ترامب اللاشعور الجمعي لأمريكا مع غياب قناعها، أي أن ترامب الجمهوري يمثّل الدموية الأمريكية ولا يوجد مشكلة لديه في الحروب”.
الحديث عن العملية العسكرية المرتقبة رافقه معارضة روسية جديّة جاءت بلسان مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف الذي أكد أن ذلك غير مقبول، وسيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في منطقة تشهد أزمات نزوح من لبنان إلى سوريا، كما أشار المسؤول الروسي إلى إمكانية استفادة مسلحي “هيئة تحرير الشام” منها.
وبشأن الحديث عن انسحاب أمريكي محنمل في عهد ترامب الجديد، نقل موقع “bbc tutkce“ عن مصادر دبلوماسية تركيّة قولها، إنّ “أنقرة تلقت رسالة من أمريكا مفادها أنه يجب حل مشكلة انسحاب القوات الأمريكية من سوريا على أساس التعاون”، وفي هذا السياق يرجّح الابراهيم في الحديث إلى “أثر”، أنّه في حال الانسحاب الأمريكي سيُجرى اتفاق أمريكي- تركي، وإن دخلت القوات التركية المنطقة لملء الفراغ سيكون الوضع الأمني خطير”، لافتاً إلى أنه من الممكن أن تقوم تركيا بعمليات عسكرية في العراق لتفريغ المنطقة من جيوب (حزب العمال الكردستاني).
تقارب وفق شروط أردوغان
إنّ تصريحات وزير الخارجية التركية هاكان فيدان الأخيرة التي وّصفت بالسلبية اتجاه ملف التقارب مع سوريا، أرخت بظلالها على اجتماع “أستانا” الأخير، وكأنما عاد هذا المسار إلى الصفر من دون إعلان رسمي، على رغم دعوات أردوغان الحثيثة لإنجاز المسار مع سوريا، غير أنه يريد ذلك وفق شروطه.
وفي هذا الصدد، يرى الإبراهيم، أنّ “أردوغان يريد التقارب مع سوريا، في عملية مشابهة للسلام الذي يدعو إليه ترامب مع الفلسطينيين”، ويتابع: “يريد أردوغان احتلال الأراضي السورية، والسعي إلى البقاء في السلطة عبر كسب الإسلاميين والقوميين في تركيا، بتطبيق (الميثاق الملّي)، عبر إقامة حزام أمني يعده أردوغان بأنه أراضٍ تركيّة”.
ويتابع: أنّ “دخول الجيش التركي استيطاني، فالاستعمار يقول إنه منتدب في دولة ليست له، بينما أردوغان يقول إنه لم يقاتل شبر واحد خارج الأراضي التركية مع وجود 25 في المئة من الشعب التركي مؤمن بأن حلب وإدلب والجزيرة السورية مدن تركيّة”.
بلا شك أنه ثمّة مصلحة سوريّة في استعادة السيطرة على أوتوستراد “M4” الاستراتيجي الذي يربط حلب بالساحل السوري، بالإضافة إلى إلى فتح معبر باب الهوى وتأمين الطريق لفتح ممر تجاري آمن مع تركيا، ولا سيما في ظل التقارب السوري- السعودي، الذي سيؤمن خط الترانزيت بين الرياض وتركيا عبر سوريا، في وقتٍ تسعى فيه السعودية إلى تحقيق استثمارات في تركيا بقيمة 3.3 تريليون دولار وفق تصريحات وزير الاستثمار السعودي.
كذلك، إنّ أردوغان يحتاج إلى فتح الطريق البري أمام الصناعات التركيّة وتصدير الزراعة من خلال سوريا، لأن هذا مغلق أمام ما يزيد عن 500 شركة تركية، فهو يريد كسب الطبقة العاملة والبرجوازية التركية على السواء، وفق الإبراهيم.
غير أنّ الرئيس التركي ما يزال يتذرع بحماية الأمن القومي، وفي هذا السياق يقول الخبير في الشؤون التركية أحمد الإبراهيم لـ “أثر“، إنّ “الصحافة التركية خير دليل بالرد على أردوغان عند حديثه عن الأمن القومي، فأردوغان منذ عام 1984 لم يستطع حماية الامن الداخلي التركي من مسلحي (حزب العمال الكردستاني) الموجودين في مرسين واسطنبول وجنوب شرقي الأناضول، حتى إنهم دخلوا إلى البرلمان”.
ويضيف الإبراهيم، أنّه “إذا كان الجيش السوري غير قادر على تأمين الحدود وفق أردوغان، فإن الجيش التركي أيضاً غير قادرعلى ذلك كما تقول الصحافة التركية”، لافتاً إلى أنّ الحل هو تنسيق العمليات بين الجيشين لحماية حدودهما وأمنهما المشترك، بتفعيل اتفاقات متبادلة كجيشين حليفين أمام خطر واضح، وخصوصاً في ظل وجود حدود مشتركة بطول 900 كم”.
لم يعلن أردوغان في حديثه الأخير بشأن العملية المقبلة عن المواقع المستهدفة، غير أنه في 6 كانون الأول 2023، قال: “قريباً سننظف منطقة تل رفعت وغيرها من المناطق في الشمال السوري من المنظمات الإرهابية (الوحدات الكردية)”.
كما أشار إلى منطقة عين العرب في وقت سابق، قائلاً: إنها ” تخضع لاتفاق في سوتشي مع الروس عام 2019، إذ كانت لديهم مسؤولية تطهير المنطقة من الإرهابيين، لكنهم لم يتمكنوا من فعل ذلك بأنفسهم بأي شكل من الأشكال”.
علي أصفهاني