ينظر معظم المراقبين للتطورات الميدانية في الملف السوري سواءً من قادة الفصائل المعارضة أو من المراقبين العالميين، بنظرة استغراب للتطورات المتسارعة في ريف إدلب وحماة الشمالي، حيث كان يرسم الجميع صوراً لملحمة عسكرية بين القوات السورية و”جبهة النصرة وحلفائها” هناك، كون منطقة إدلب ومحيطها هي مركز الثقل المتبقي للفصائل الجهادية وفصائل المعارضة على حدٍ سواء.
حيث ترى “حركة أحرار الشام” بأن تقدمات القوات السورية الأخيرة كانت نتيجة سياسة “جبهة النصرة” في الأشهر الأخيرة في تلك المنطقة، من قيامها بشنّ هجمات على الفصائل المعارضة والسيطرة على عدد من مستودعات ذخيرة ومعظم الجبهات مع القوات السورية في المنطقة، أي فرض هيمنتها على بشكلٍ عام.
في حين يرى مراقبون سياسيون وعسكريون بأن السبب الحقيقي في ماحدث خلال الأيام الأخيرة ليس الشرخ الحاصل بين “حركة أحرار الشام” و”جبهة النصرة”، مستندين إلى المعارك التي خاضتها “النصرة” بشكل منفرد في الكثير من الجبهات السورية وتمكنها من السيطرة على الوضع العسكري خلالها.
حيث يرون بأن السبب الحقيقي لما حدث هو الانشقاق الحاصل في داخل الصف “القاعدي” والذي بدأ منذ أكثر من أشهرقام قائد “جبهة النصرة”، “أبو محمد الجولاني” بإعتقال عدداً من قيادات “النصرة” الذين نشطوا في صفوفها سابقاً، والمحسوبين على تنظيم “القاعدة” وكان من أبرزهم “إياد الطوباسي، المعروف باسم (أبو جليبيب الأردني)”، والأردني “سامي العريدي”، والقائد العسكري السابق في “جبهة النصرة”، “أبو همام السوري”، و”أبو القاسم الأردني”، الذي عمل سابقاً نائباً لـ”أبو مصعب الزرقاوي”، إلى جانب “أبو إسلام الديري” و”أبو عبد الكريم الخراساني”.
وكانت الأسماء التي طالتها الاعتقالات تعمل وفق ما نقلت تقارير عديدة، على تأسيس نواة لتنظيم «القاعدة»، مختلفة عن “النصرة” ظهر اليوم عندما أعلنت مؤسسة “السحاب” التابعة لـ “تنظيم القاعدة” تحت عنوان “وكان حقاً علينا نصر المؤمنين”، الذي وجّهت به “القاعدة” رسالة إلى عناصرها في سوريا عن تأسيس تشكيل عسكري جديد لم تصرح عن اسمه، أو أي تفاصيل أخرى عنه، وما إذا كان بقيادة “الجولاني”مع ترجيح أن تكون قيادته بيد “أبو همام السوري”، أو الأردنيين سامي العريدي، و”أبو جليبيب”، وفقاً لمصادر معارضة.
وجاءت تلك المحاولات بعد انتقادات وجهت لـ”لجولاني” من قبل عدد من “المهاجرين” على خلفية سماحه للقوت التركية بالدخول إلى ريف إدلب الغربي، بالتوازي مع مشاكل داخل “البيت القاعدي” والإرتباط “بالقاعدة”، لكن السؤال كيف سمح “الجولاني” للقوات التركية بالدخول إلى ريف إدلب الغربي دون إطلاق رصاصة واحدة، حيث أنه من المؤكد بأن السبب وراء ذلك ليس المستند الشرعي الذي تحدث عنه “الجولاني” بأن الحكومة التركية هي حكومة إسلامية ولا يجوز قتال المسلمين، فالسياسة التي تتبعها “النصرة” في أغلب مناطق انتشارها ليست كما يقول والدليل على ذلك كل المعارك التي تقوم بها “النصرة” ضد فصائل المعارضة في إدلب أو في الغوطة الشرقية بهدف الحفاظ على مصالحها والإبقاء على هيمنتها في مناطق تواجدها.
يرى مراقبون بأن التطورات المذكورة مؤخراً جاءت بعد تنسيق كامل ومتكامل بين الحكومة التركية و”الجولاني” بعد قراءة الأخيرة للمتغيرات السياسية والميدانية وإقتناعه بأن لا يمكن لتنظيمه أن يكون موجود إذا لم يدخل تحت جناح قوة إقليمية ويفك إرتباطه بـ”تنظيم القاعدة” كونه لم يعد يتمكن من مجابهة كل من يحيط به فاختار الطريق الأنسب وزاد من توطيد الثقة بين الطرفين ما جاء في تسريبات لصحف لبنانية حول قيام مصادر استخباريّة تركيّة بالتواصل مع “الجولاني” وإخباره بغارات روسية تنوي استهداف اجتماع يترأسه في مطار أبو الظهور حفاظاً على حياته (حسب ما جاء في العديد من الصحف).
بالنهاية يمكننا القول أن “الجولاني” قد تغير سلوكه السياسي وبدأ برسم خريطة نفوذ تتناسب مع المصالح التركية والدور التركي في الإتفاقات الدولية الأخيرة فيما يخص اتفاق مناطق خفض التصعيد.