خاص|| أثر برس ما تزال قيادة فصيل ما يسمى بـ “الجيش الوطني” تحاول بين الحين والآخر، إظهار الفصيل على أنه جيش حقيقي يضع تحت مظلته كل التشكيلات المسلحة الموالية لتركيا، ويتمتع باستقلالية في الرأي والقيادة، وبأن علاقته مع تركيا تتمثل في كونها علاقة تعاون وصداقة في ظل الدعم الكبير الذي تقدمه إليه بهدف إنجاح “منطلقاته الثورية” المزعومة.
ورغم العلاقات والتصريحات “المعسولة” التي كان يتبادلها فصيل “الجيش الوطني” وداعمه التركي في السنوات الماضية، إلا أنه وكما يبدو من خلال مجريات الأحداث الأخيرة، أن “سنوات العسل” بين الطرفين بدأت تأخذ منحىً مغايراً عن الوضع السابق، وخاصة لناحية الصفعات المتتالية التي أصبحت تركيا توجهها لـ “استقلالية الجيش الوطني” بين الحين والآخر.
ولعل أن يشاهد المرء السلاح المستخدم ضده في المعارك، يمر أمام ناظريه دون أن يستطيع أي حراك، يعد من أقسى وأشد المشاهد التي يمكن أن يراها في حياته، وهو الأمر الذي بات يحدث ويتكرر بشكل كبير مؤخراً بالنسبة لمسلحي “الجيش الوطني” المنتشرين في مناطق ريف حلب الشمالي.
وحول توضيح ذلك المشهد، كشف “فادي إسماعيل” مستشار مركز المصالحة السوري – الروسي، عن معلومات خاصة لـ “أثر”، حول عمليات التبادل التي تتم بشكل مستمر بين “قسد” ألدّ أعداء “الجيش الوطني” من جهة، و”هيئة تحرير الشام” ذات المنهج المتطرف والتي يطمح مسلحوها بشكل مستمر للتغلغل في مناطق سيطرة “الوطني” من جهة ثانية، والحديث هنا عن التبادلات التي تجري بين الحين والآخر لناحية إرسال النفط السوري المسروق من قبل “قسد” إلى “تحرير الشام”، والتي ترسل الذخيرة والعتاد والسلاح في مقابل ذلك النفط.
اللافت، بحسب إسماعيل، أن الخط الرئيسي لتبادل السلاح والنفط المسروق بين “تحرير الشام” و”قسد”، يمر حصراً بمناطق سيطرة وانتشار مسلحي “الجيش الوطني”، فمن “عين العرب، ومنبج” مروراً بـ “الباب، وأعزاز، وعفرين” ووصولاً إلى إدلب، تمر قوافل النفط المسروق لتصل إلى “تحرير الشام”، وتمر بالعكس قوافل السلاح التي تقدمها “الهيئة” لـ “قسد” كثمنٍ لذلك النفط.
وتمر قوافل الأسلحة التي تستخدمها “قسد” في معاركها وهجماتها ضد “الجيش الوطني” أمام أنظار مسلحيه، دون أن يتمكنوا من فعل أي تحرك يذكر، رغم علمهم بأن ذلك السلاح سيُستخدم لقتلهم، والسبب، بحسب إسماعيل، يتمثل في تعليمات تركية صارمة لمسلحي “الوطني” بعدم التعامل مع تلك القوافل، فيما ترمي فُتاتاً من الأموال التي تحفظ ماء وجه قياديي الفصيل أمام مسلحيهم، وتوزعها على أولئك القياديين الذين يدّعون بأن تلك الصفقات مجرد عمليات تهريب، وبأنهم يسعون لوقفها بشكل مستمر.
الأيام القليلة الماضية، شهدت صفعة أخرى من قبل الاستخبارات التركية، كانت الأكثر تجلياً ونجاحاً في كسر وتشويه صور “الاستقلالية” المزعومة لـ “الجيش الوطني” وتشكيلاته، وخاصة منها “غرفة عمليات عزم” التي عملت بأقصى إمكانياتها ودخلت في صراعات ومناحرات بالجملة، لحين الوصول إلى هدفها المتمثل في عزل “محمد الجاسم” (أبو عمشة) قائد فصيل “السلطان سليمان شاه” الملقّب بفصيل “العمشات” نسبة إلى قائده.
لجنة التحقيق الثلاثية التي شكّلتها “عزم”، والتي تكوّنت من ثلاثة “شيوخ”، تمكنت بعد مخاض عسير ومظاهر صراع بالجملة، من الاتفاق وإصدار قرار بعزل قائد فصيل سليمان شاه المدعو “أبو عمشة”، عن جميع مهامه الموكلة إليه وعدم تسليمه شيئاً من “مناصب الثورة” لاحقاً، وذلك لما ثبت عليه من الدعاوى، لتجنيب المنطقة من احتمالات الاقتتال والدماء والفتنة، وفق ما جاء في بيان اللجنة.
كما جاء في البيان أن اللجنة الثلاثية “قررت أيضاً عزل كل من (وليد حسين الجاسم، وأحمد محمد خوجة، وعامر عذاب المحمد، وحسان خالد الصطوف) لما ثبت عليهم من التهم”، ودعت إلى عدم الاحتكام للسلاح وحقن الدماء وحفظ الأنفس، وإعطاء صورة مشرفة تحقق أهداف الثورة التي خرج السوريون لأجلها وهذا الأمر مسؤولية أصحاب القرار والنفوذ على الأرض”.
ورغم كل الجهود والصعاب وثبوت كل الجرائم المتعلقة بالقتل والخطف والاغتصاب على “أبو عمشة” وقادة فصيله، إلا أن قرارات اللجنة لم تأخذ طريقها إلى التنفيذ، في ظل التعليمات المشددة التي وجهتها أنقرة لـ “الجيش الوطني” والتي تضمنت، وفق ما أوضحه مستشار مركز المصالحة السوري- الروسي لـ “أثر”، عدم تطبيق قرارات اللجنة، والإبقاء على “أبو عمشة” في مهامه السابقة دون أي تغيير، كونه من أكثر قياديي الفصائل المسلحة إخلاصاً للدولة التركية.
اجتماع سرّي في كلّس:
ونقل إسماعيل معلومات حول اجتماع سرّي عُقد قبل يومين في ولاية “كلّس” التركية، جمع قائدي فصيلي “السلطان مراد، والجبهة الشامية” المتزعمين لغرفة “عزم” مع عدد من كبار ضباط المخابرات التركية، حيث تمحور ذلك الاجتماع حول قضية عزل “أبو عمشة” ومناقشة قرارات اللجنة الثلاثية، ليُفاجأ متزعما “عزم” بأوامر نقلها الضباط الأتراك، تُشدد على ضرورة بقاء “أبو عمشة” في مكانه وعمله، وعدم تطبيق قرارات اللجنة.
نتائج اجتماع “كلّس” طفت على سطح المشهد العام ضمن مناطق سيطرة تركيا والفصائل الموالية لها شمال حلب، بشكل سريع، وذلك بعد أن تم تسريبها أيضاً عبر بعض صفحات التواصل الاجتماعي التابعة لـ “العمشات”، وتأكيد تلك التسريبات من خلال عدم تطبيق قرارات اللجنة رغم مرور أيام على صدورها، الأمر الذي وضع قيادة “الجيش الوطني” في موقف حرجٍ سواء أمام مسلحي الفصائل والتشكيلات المنضوية تحت لوائه، أو حتى أمام الأهالي القاطنين ضمن تلك المناطق، لناحية فقدان هيبته وقوته واستقلاليته المزعومة التي كان يحاول ادعاءها أمامهم، وفق ما تحدث به المستشار لـ “أثر”.
وفي ظل تلك الصفعات المتلاحقة من أنقرة لـ “الجيش الوطني”، بات التساؤل الأكثر طرحاً في الشمال السوري، يتمحور حول وجود نية تركية جادة أكثر من قبل لحلّ ذلك التشكيل عبر إضعافه والنيل من هيبته وكيانه بشكل أكبر، بهدف التمهيد لمنح مناطق سيطرته إلى “هيئة تحرير الشام” كونها الأقوى والأكثر قدرة على تلبية المطالب والأطماع التركية في شمال البلاد، وخاصة أن “الهيئة” ما تزال تسعى بشكل دؤوب مؤخراً لتنفيذ تلك الخطوة، عبر إرسال العديد من مسلحيها الذين ادّعوا انفصالهم عنها إلى مناطق سيطرة “الجيش الوطني” في ريف حلب بشكل عام، وإلى منطقة “عفرين” على وجه الخصوص.
زاهر طحان – حلب