تتسارع التطورات العسكرية والسياسية في الحرب اليمنية بصورة بدأت ترسم معالم تحالفات جديدة بعد انهيار التحالفات الأساسية أمام الإصرار اليمني على إكمال الحرب وعدم الرضوخ لقسوة المجازر التي أودت بحياة الآلاف.
فبعد انهيار التحالف السعودي-الإماراتي الذي يخوض حرباً على اليمن، وتفاقُم الخلافات بين ضلعيه على الرغم من كُل مُحاولات النّفي، خاصّةً بعد القرار الإماراتي بسحب القوّات والتّركيز على الحل السلمي، يأتي ما كشفت عنه صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أمس الأربعاء بأن الولايات المتحدة بصدد الإعداد لمحادثات مباشرة مع الحوثيين، بعد تكثيفهم للضربات الصاروخية والطائرات المسيرة ضد السعودية، في ظلّ تصاعد للتوتر في منطقة الخليج.
هذا التطور السياسي الكبير في الموقف الأمريكي الذي جاء بعد دُخول الحرب اليمنيّة عامها الخامس والمُتمثّل في عزم الولايات المتحدة رعاية مفاوضات مباشرة بين أطراف الأزمة، والاعتراف بحِلف “أنصار الله” كطرفٍ رئيسيٍّ، هو الذي يُفسّر الدعوة الرسميّة التي وجّهتها الإدارة الأمريكيّة إلى الأمير خالد بن سلمان، نجل العاهل السعودي ونائب وزير الدفاع، لزيارة واشنطن واللّقاء مع المسؤولين فيها، وعلى رأسهم مايك بومبيو، وزير الخارجيّة، والتي تمت يوم أمس.
قد تكون إدارة الرئيس ترامب غير مكترثة لما يجري في اليمن أمام مليارات الدولارات التي تأخذها من المملكة، إلا أن العديد من التقارير الغربية كانت قد أكدت بأن الكونغرس الأمريكي هو من يمارس الضّغوط الكبيرة على إدارة ترامب لوقف دعمها للسعودية في تلك الحرب، وإصدار قرار يُطالب هذه الإدارة بوقف مبيعات الأسلحة لها، لأن توجه أنظار العالم إلى ما يجري في اليمن من مجازر بات محرج للولايات المتحدة كما بدأ بالتأثير على الصورة الانسانية المزعومة للولايات المتحدة وشعاراتها التي تنادي بحقوق الإنسان، والتي تعتبر من أهم الخطوط الحمراء لدى الولايات المتحدة.
ما هو الموقف السعودي؟
مما لا شك فيه بأن السعودية لا تريد وضع حد للنزاع، وهو ما أكدته الصحافة الأمريكية في العديد من المقالات، فالسعودية لم تتمكن من تحقيق نتائج ميدانية حقيقة على الأرض اليمنية ناهيك عن أن انتهاء الحرب بعد الاستهدافات اليمنية الأخيرة للداخل السعودي سيجعل الحوثين بصورة المنتصرين في تلك الحرب وهو ما لا تريده السعودية، إلّا أن بدء انسحاب الإمارات التي كانت تساند السعودية بغاراتها الجوية على اليمن وتحمل معها تكاليف تلك الحرب، بالتوازي مع تغير الموقف الأمريكي الذي كان يشكل حماية دولية لتلك الحرب، جعل السعودية بموقف حرج ما دفعها للتفكير بخيارات جديدة.
في ظل خسارة السعودية لأهم مرتكزين في حربها على اليمن والمتمثلين بالإمارات التي بدأت مؤخراً بتقديم الدعم للقوات المنشقة عن الرئيس هادي وتغير وجهة الأهداف العسكرية السعودية، والموقف المترنح للولايات المتحدة الأمريكي، بات لا بد لها من إيجاد بديل يأخذ الدور الجوي الإماراتي ويعيد السلوك الأمريكي إلى ما كان عليه في السابق، حيث أشارت العديد من الصحف العربية والعبرية إلى البديل المنطقي لتلك التطورات، فقد نقلت صحيفة “الجريدة” الكويتية عن مصدر وصفته بالمطلع قوله إن هناك خططاً “إسرائيلية” لضرب منشآت ومواقع حساسة، قرب مضيق باب المندب الاستراتيجي الواصل بين البحر الأحمر وخليج عدن.
وكما هي الحجة الدائمة التي تستند إليها “إسرائيل” لتبرير موقفها، نقلت الصحيفة عن مصدر قال إن جهاز “الموساد” والاستخبارات العسكرية في “إسرائيل” رصدا في الآونة الأخيرة تحركات كثيرة ومحاولات نقل أسلحة وقطع صواريخ ومنصات وقوارب مسيرة، إلى جانب طائرات مسيّرة (درون)، و”جميعها من إيران”، مشيرةً إلى أنها شاركت تلك التفاصيل مع واشنطن ودول عربية.
وبالتوازي مع ذلك ذهبت صحيفة “معاريف” العبرية إلى ما هو أبعد من ذلك حيث كشف معلق إسرائيلي بارز، عن أنّ “إسرائيل” تتدخل في الحرب الدائرة في اليمن، بين الحوثيين والقوى اليمنية الأخرى، خدمة للمصالح السعودية، مضيفاً أن “تل أبيب تسوّغ تدخلها في الصراع الدائر في اليمن بحجة الدفاع عن مصالحها في البحر الأحمر ومضيق باب المندب”، مشدداً على أنّ “الحقيقة تتمثل في أنّ التدخل الإسرائيلي في الساحة اليمنية جاء بهدف مساعدة السعودية في تصفية الحوثيين”.
لماذا “إسرائيل” بديل للإمارات؟
قد لا يمكن إيجاد أي بديل عن “إسرائيل” بعد كل تلك التطورات، وذلك لسببين رئيسيين الأول هو أن سلاح الجو “الإسرائيلي” من أكثر اسلحة الجو تطوراً في المنطقة وبإمكانه سد الثغرة التي تركها سلاح الجو الإماراتي، إلا أن الفارق الوحيد هو زيادة المصاريف على السعودية، فـ”إسرائيل” غير مستعدة لدفع دولار واحد من أجل السعودية بل ستأخذ أجر تلك الطلعات الجوية مع مرابحها العسكرية، أما السبب الثاني وهو أنه بإمكان “إسرائيل” تغيير موقف الكونغرس الأمريكي بشأن الحرب على اليمن كونها “الطفل المدلل” للولايات المتحدة ولديها نفوذ بمراكز القرار في واشنطن، هذا بخصوص الأهداف والمصالح السعودية، أما الهدف “الإسرائيلي” من هذه المشاركة التي قد يعلن عنها في وقت لاحق هو تعزيز كذبة “العدو الواحد” بين الدول العربية و”إسرائيل” والمتمثل بـ”إيران” العدو اللدود لأمريكا والكيان الإسرائيلي، خصوصاً وأن تلك التطورات تأتي بعد تأجيل الإعلان عن “صفقة القرن” لأكثر من مرة، والتي قد تكون بانتظار إتمام تلك الخطوات لتعزيز “التعاون” العربي –الإسرائيلي على قتل المزيد من أطفال اليمن.
رضا توتنجي