خاص || أثر برس عادت قوات الاحتلال التركي لقطع المياه عن مدينة الحسكة و54 قرية تتبع لها، من خلال إيقاف “محطة آبار علوك”، عن العمل بعد طرد العمال السوريين القائمين على تشغيلها، في خطوة تعد الثانية من نوعها خلال أقل من شهر، وتقول مصادر محلية لـ “أثر برس”، إن المحطة الآن خاضعة لحراسة من قبل قوات الاحتلال بشكل مباشر لمنع المجموعات المسلحة من الاقتراب منها بقصد السرقة.
ورقة ابتزاز سياسي
تشير المعطيات إلى أن الاحتلال التركي وظف ملف مياه الشرب لمليون شخص يعيشون في مدينة الحسكة ضمن أوراق الضغط السياسي والإنساني التي مارستها قبل انعقاد القمة التي جمعت ما بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، فتاريخ الموافقة على تشغيل المحطة بعد 12 يوماً من التعطيل، كان في 5 من الشهر الحالي والذي كان تاريخ القمة، التي أفضت إلى “اتفاق موسكو”، الخاص بمحافظة إدلب، إلا أن عودة الأتراك لتعطيل العمل في المحطة خلال الوقت الحالي غير مفهوم لجهة انعدام وجود الحاجة لممارسة أي نوع من الابتزاز إلا إن كانت العاصمة التركية تبحث عن مهلة جديدة لتطبيق الاتفاق الذي تفشل في تطبيق تعهداتها به، بما يخص إدلب بشكل مستمر.
بحسب مصدر صحفي قريب من “قوات سوريا الديمقراطية”، فإن الأخيرة سارعت لطرق باب مركز المصالحة الروسي الموجود في مطار القامشلي لطلب الوساطة لإعادة تشغيل المحطة الواقعة إلى الشرق من مدينة “رأس العين” المحتلة، مشيراً إلى أن الروس أبلغوا وفد “قسد”، أن التواصل مع الأتراك فيما يخص المحطة بدأ قبل أن يصل وفد “قسد”، الذي يحاول أن يجعل من الحدث مناسبة ليروج لما يسمى بـ “الإدارة الذاتية”، على أنها الجهة التي تعمل على تأمين مياه الشرب للمحافظة، وتقول المعلومات إن الجانب الروسي يعمل من خلال التواصل المباشر مع الحكومة السورية فيما يخص الملفات الخدمية الأساسية وخاصة ملف “محطة علوك”، ولا حاجة للتواصل مع “قسد”، في هذا الملف نهائياً.
هل ثمة حلول..؟
تؤكد مصادر خاصة من مؤسسة مياه الشرب والصرف الصحي في محافظة الحسكة لـ”أثر برس” أن المؤسسة تعمل بكل طاقمها على تأمين حل مستدام سيكون في الخدمة خلال أيام، والتأخير الحاصل ناتج عن تأخر في تنفيذ العقود الموقعة مع منظمة “يونسيف” التابعة للأمم المتحدة، في حين تشير المصادر نفسها إلى أن مسألة الاعتماد على مياه “السد الجنوبي”، لتكون بديلاً لتأمين مياه الشرب غير ممكنة، لكون المياه تحتوي على نسبة مرتفعة من المعادن الثقيلة بسبب تسرب كميات من النفط الخام إلى مياه البحيرة، في حين أن كميات المياه المخزنة في السدين “الشرقي – الغربي”، غير كافية نتيجة لعدم تمكن مديرية الموارد المائية في المحافظة من تنفيذ عمليات الصيانة اللازمة لروافد السدين بسبب الظروف الأمنية التي تعيشها المحافظة منذ بدء الحرب على سورية.
الاعتماد على آبار منطقة “نفّاشة”، الواقعة إلى الشرق من مدينة الحسكة غير ممكن لكونها آبار سطحية ولا تؤمن الكميات اللازمة لتغطية الاحتياجات اليومية للمحافظة، والحال نفسه بالنسبة للآبار الموجودة في منطقة “الحمة”، الواقعة إلى الغرب من مدينة الحسكة، وفيما يخص مشروع استجرار مياه نهر الفرات من دير الزور إلى الحسكة، فالمشروع تعرض لأضرار كبيرة نتيجة للعمليات التخريبية المتعمدة التي طالته خلال سنوات الحرب، من خلال سرقة محركات الضخ والرفع الموجودة في منطقة “الصور”، الواقعة إلى الشمال من ريف دير الزور بحوالي 50 كم، وهو مشروع غير مكتمل التمديد أصلا.
حكاية علوك
أنشئت محطة آبار علوك لتكون مصدراً احتياطياً لمياه الشرب في مدينة الحسكة، إلا أنها ومنذ افتتاحها في العام 2013، تحولت إلى مصدر أساسي ووحيد للشرب لنحو مليون نسمة يعيشون في مدينة الحسكة و54 قرية تقع إلى الغرب منها وصولاً إلى بلدة “تل تمر”، وتسببت ظروف الحرب التي تعيشها سورية، بتحويل هذه المحطة إلى ورقة ابتزاز سياسي وإنساني من قبل الأطراف التي تعاقبت على منطقة رأس العين.
قبل الاعتماد على محطة آبار علوك، كانت “آبار رأس العين”، هي المصدر الأساس لمياه الشرب إلا أن دخول المجموعات المسلحة إلى المدينة الواقعة على الحدود مع تركيا في ريف الحسكة الشمالي الغربي، جعل من محتويات هذه الآبار من محركات ضخ وخطوط ومحطات تحويل لنقل الطاقة الكهربائية “غنائم حرب”، بيعت في السوق السوداء التركية، لتعتمد الحكومة فيما بعد على تغذية المدينة من بحيرة “السد الشرقي”، الواقع إلى الشمال من الحسكة إلى أن تم افتتاح “آبار علوك”، وهي ذات مصدر غزير من المياه الجوفية قد يصل إلى شمال تركيا، وتكفي لتغذية مدينة الحسكة والمناطق المحيطة بها لمدة تقديرية لا تقل عن 50 عاماً، ولا يمكن المقارنة بين “آبار علوك”، والآبار التي حفرت في محيط بحيرة السد الغربي لتكون إحدى مصادر تغذية المدينة الواقعة بأقصى الشمال الشرقي من سورية بمياه الشرب.
“آبار علوك”، كانت قد خرجت عن الخدمة في تشرين الأول من العام الماضي بسبب تعرضها للاستهداف المباشر من قبل القوات التركية ومن ثم تحولت لساحة معركة مع “قوات سوريا الديمقراطية”، لمدة أسبوع، وإن كانت منظمات أممية عدة قد دعت أطراف الصراع في الشمال الشرقي من سورية (تركيا و قسد)، لتحييد المحطة المؤلفة من 30 بئراً عن العمليات القتالية، فإن روسيا هي الطرف الوحيد الذي تمكن من الضغط على أنقرة حينذاك لمنع الفصائل الموالية له من سرقة محتويات المحطة من معدات، كما حدث في بقية محطات توليد الكهرباء وبقية مؤسسات الدولة التي تقع ضمن المناطق المحتلة من تركيا حالياً، فيما كانت المحطة قد خرجت للمرة الثانية عن الخدمة في الـ 23 من الشهر الماضي لتعود للعمل في 5 من الشهر الحالي بعد ضغوط روسية على الأتراك.
محمود عبد اللطيف – الحسكة