خاص || أثر برس باستخدام معدات بسيطة، قد لا تتعدى أحياناً كاميرا هاتف محمول، يجوب عدد من الناشطين السوريين البراري، ويمولون أنفسهم ذاتياً لالتقاط صور مميزة توثق حيوانات نادرة أو نباتات مهددة بالانقراض، ويُظهرون التنوع الحيوي الثري في سوريا، الذي يتعرض لتهديدات مستمرة من الصيد الجائر وتوسع المدن على حساب الحياة البرية.
هؤلاء الناشطون، ورغم غياب الدعم المادي والمعنوي، يقدمون جهودهم في توثيق البيئة السورية ونشر صور رائعة على نطاق واسع بهدف نشر الوعي البيئي دون أي مقابل، في هذا المقال، نلقي الضوء على تجاربهم، والصعوبات التي تواجههم، وما حققوه من توثيقات مميزة قد يتطلب التقاطها ساعات وأيام من الانتظار، وربما حياة المصور.
علي إبراهيم: من صياد إلى موثق للحياة البرية
من ريف طرطوس، بدأ الناشط البيئي والمصور علي إبراهيم، رحلته في توثيق الطبيعة، فهو ينحدر من قرية القمصية، ومنذ نشأته اعتاد على الطبيعة من حوله والحياة البرية، وأدرك أنه يحبها، ولكن حبه في البداية كان مغلوطاً على حد قوله، إذ اتجه للصيد بحكم الثقافة العامة في محيطه، وبعد سنوات اكتشف أن حبه للحياة البرية يعني استمرارها وبقاء كائناتها في أماكنها الحقيقة لذا بتوثيق الحياة البرية، مستخدماً كاميرا هاتفه في البداية، قبل أن يشتري كاميرات أفضل بتمويل شخصي.
ويقول علي لـ”أثر” إنه يعتمدأثناء توثيقيه للحيوانات على دراجته النارية، التي تسهّل عليه الوصول إلى أماكن قريبة رغم صعوبتها للوصول إلى مناطق أبعد، مثل دير الزور وتدمر، حيث يرغب بالوصول إلى وتوثيق ما يوجد فيهما.
ومن هذه النقطة سألناه عن الصعوبات التي تواجه عمله، فذكر التنقل بالإضافة لضيق الوقت، فلا يوجد وقت يفرغه للتصوير بحكم تكاليف الحياة والعمل، وتضاف لذلك صعوبات مادية تتمثل بتوفير المعدات، ويقول: “رغم امتلاكي للكاميرا والعدسة لكن ينقصني الكثير لأصبح محترفاً”.
وينفي علي وجود صعوبات خلال التنفيذ، فهو لم يتعرض لخطر من الكائنات ولا يعتبر أي كائن حي خطر على الإنسان، وهنا يستذكر مواجهة قريبة له مع الجقل (ابن آوى) خلال تصويره، مضيفاً أنه يبحث باستمرار عن الضبع ليصوره، رغم مخاوف الكثيرين منه.
وبرأي علي، الصعوبة الأهم في هذا المجال هي فقر سوريا بالحيوانات، فأحياناً ينتظر بالساعات أو يكرر الزيارة لمكان ما ليتمكن من توثيق حيوان معين.
يأسف علي لعدم وجود أي دعم للناشطين والهواة لهذا المجال، ويحلم بتأسيس جمعية خاصة بمصوري الحياة البرية، وأن تملك موقعاً إلكترونياً يكون بمثابة أرشيف يحفظ الصور في حال تعرض أي من هؤلاء الناشطين لعطل فني يفقده أرشيفه، كما يأمل أن توفر هذه الجمعية الدعم لإقامة معسكرات بيئية.
وبالنسبة لعلي ينشر صوره عبر صفحته الخاصة على الفيسبوك، وفي مجموعة “رواد الطبيعة”، فضلاً عن موقع عالمي اسمه (Inaturalist.org)، ومن أبرز توثيقاته القضاعة الأوراسية (كلب الماء)، وأحد أنواع العقاب المهددة بالانقراض، بالإضافة للحنكليس الأوروبي، وأحد أنواع الأسماك الجديدة، والتي لم يصدر لها تسمية محلية بعد.
ابن آوى – توثيق علي إبراهيم
عدي سلوم: الهوس بالفطور والنباتات
عدي سلوم، مهندس زراعي من قرية اللقبة بريف مصياف، يعشق توثيق الفطور، بدأ بتوثيق أنواع دقيقة ونادرة من الفطور باستخدام كاميرا هاتف وعدسة ابتكرها بنفسه، وتمكن من توثيق أنواع نادرة خاصة أنه يملك خبرة زراعية من خلال عمله في أرضه، فبدأ يجوب الأراضي والبراري بحثاً عن الفطور وأشباهها، وتمكن من تقديم صور لتفاصيل دقيقة ربما لا يلاحظها الكثيرون.
يقول عدي لـ”أثر برس” إنه يجد صعوبة في متابعة عمله بسبب نقص المعدات اللازمة، خصوصاً أن توثيق بعض الأنواع يتطلب الفحص المجهري، أو تحتاج تنمية على أطباق خاصة، كما أن الوصول إلى الفطور وتوثقيها يحتاج للتنقل وهو أمر مكلف فضلاً عن التكلفة العالية لأدوات التصوير الاحترافية ما يمنعه من تطوير عمله أكثر بالوقت الحالي.
نجح عدي في توثيق أحد أنواع الأكاروسات الخطيرة على محصول القمح (أكاروس الحبوب الشتوي)، وكان تصنيفه هذا هو الأول بسوريا، كما وثق الأعفان المخاطية من خلال مهمة وصفها بأنها صعبة نظراً لقلة المراجع وتبدل الألوان وصغر الحجم، والعديد من الفطور الممرضة للنبات بعضها سُجل لأول مرة في مجلة وقاية النبات العربية، ويجهر المزيد للنشر.
يؤكد عدي أنه لم يحصل على أي دعم مادي أو معنوي، باستثناء احتضان وفره له ولغيره من الهواة والباحثين، الدكتور محمد فواز العظمة الذي أسس قاعدة بيانات للتنوع الحيوي، التابعة للهيئة العامة للتقانة الحيوية، إذ تضم القاعدة عدد من الباحثين والخبراء والناشطين.
مضر سليمة: عاشق الفراشات
أحب مضر سليمة، الذي درس الجيولوجيا، توثيق الفراشات بشكل خاص، فأسس مدونة باسم “فراشات سوريا” ينشر فيها الأنواع التي يوثقها والتي باتت بالمئات، إضافة لتوثيقه أنواع من الفطر.
يقول سليمة لـ”أثر” أنه لأجل هذه الفراشات لم يعمل بدراسته الأساسية “الجيولوجيا”، وترك الرسم الذي امتهنه فترة من الزمن، وقرر افتتاح متجر في اللاذقية يمنحه دخلاً وفرصة لمتابعة شغفه في توثيق الفراشات والنباتات النادرة.
ويتذكر سليمة حادثة وحيدة تعرض لها خلال ممارسته هوايته، وهي حالة تسمم بسبب تجريبه نوع من الفطر اكتشف أنه سام.
وبالإضافة لمدونة الفراشات، ينشر مضر أعماله في موقع (Inaturalist.org)، حيث وثق أندر الأنواع في سوريا مثل نبتة السوسن النصيري، وسمكة وصلت لأول مرة إلى سوريا من أستراليا اسمها الطاووس البلني القفاز، كما وثق وصول فراشة (ذيل سنونو الحمضيات) إلى الساحل السوري، ومنه انتقلت إلى لبنان ثم قبرص، كما وثق فراشة بيضاء القبار، ووثق الضفدع القوقازي إضافة لتوثيق أنواع من الزعفرانيات و3 أنواع من النرجس أحدها نوع نادر جداً، وأنواع من السحالي نشرها موقع ألماني فيما نشر موقع عالمي بعض من صوره لشجر الأرز السوري.
همام غانم: هدوء وساعات من الانتظار
الشاب همام غانم، المهندس الزراعي المقيم في قرية قسمين بريف اللاذقية، بدأ توثيق الحياة البرية باستخدام كاميرا هاتفه، وطور عمله بشراء كاميرا رقمية في عام 2016.
تحدث همام لـ”أثر برس”، عن عشقه للطبيعة والحياة البرية الذي بدأ منذ الطفولة، وازداد من خلال متابعة الأفلام الوثائقية المتخصصة بهذا النوع، ولأنه كان يدرس هندسة زراعية اهتم بداية بالفراشات والحشرات والنباتات، فوثق عدد كبير منها، بعضها نباتات نادرة.
وفي عام 2024، تمكن همام من شراء كاميرا حققت قفزة نوعية في مسيرته، ووثق خلال فترة قصيرة أعداد كبيرة من الحيوانات البرية والطيور المنتشرة في سوريا.
يدرك همام أن تصوير الحياة البرية يتطلب معرفة واسعة بسلوك الحيوانات، ومعرفة أماكن تواجدها وفترات نشاطها ليلي أو نهاري، وقدرة على الانتظار لفترات طويلة، حتى ينجح في التقاط لقطات فريدة مثل الثعلب الأحمر وابن آوى.
ويضيف همام: ” موضوع اختيار المكان المناسب للتصوير والجلوس مهم جداً، كما أن الملابس يجب أن تكون قريبة لألوان الطبيعة لتمويه الحيوانات كما يجب انتعال أحذية طويلة وسميكة لحماية الأرجل من لدغات الأفاعي السامة في حال داس أي منها عن طريق الخطأ، خلال الجولات الليلية”.
وبالنسبة للحيوانات التي صورها، صور همام الثعلب الأحمر وابن آوى (الجقل)، والنمس المصري، كما وثق مجموعة كبيرة الطيور بعضها من الأنواع نادرة المشاهدة مثل نقار الخشب.
إيهاب جبر: توثيق الطيور المهددة بالانقراض
في مدينة السلمية، برز إيهاب جبر، كموثق متخصص للطيور المهاجرة والمقيمة، بدأ اهتمامه في 2020 برصد الطيور، وبذل جهداً كبيراً في تعلم تصنيفها بمساعدة مختصين عبر الإنترنت، ليتمكن خلال 4 سنوات، من توثيق حوالي 150 نوعاً من الطيور، من ضمنها أنواع مهددة بالانقراض.
ويوضح إيهاب لـ”أثر برس”، أن علاقته مع الكاميرا تعود لصغره ورغم ذلك لا يعتبر نفسه مصوراً محترفاً، لأنه لا يملك أدوات التصوير باهظة الثمن، إنما يعتبر نفسه موثقاً.
وعن أبرز الأنواع التي وثقها، يقول: “وثقت أنواعاً قريبة الانقراض، مثل: القطقاط الشمالي، عقاب السهول، والرخمة المصرية المهددة بالانقراض، إضافة لتوثيقه طيور عدة منها العقبان والطيور المائية والعصافير، رصدها بعدة مناطق منها الساحلية والوسطى وريف حلب.
يتفق إيهاب مع غيره من الهواة بخصوص الصعوبات التي تواجه عملهم، وخاصة الناحية المادية التي تعوق توفير المعدات، كما أن تصوير الطيور يحتاج إلى مراجع ودليل كي يتمكن المصور من معرفة النوع الذي يشاهده، وهي أمور أخذت منه وقت طويل وجهد، حتى نجح في تقديم صوره الحالية التي ينشرها عبر السوشال ميديا، وحجز بعضها مكاناً له بمواقع أجنبية ولدى جمعيات مهتمة بحماية الطيور.
يأمل هؤلاء المصورون في الحصول على دعم يمكنهم من توثيق أكبر قدر من التنوع البيئي في سوريا، وإنشاء جمعية أو أرشيف يحفظ جهودهم ويوفر لهم إمكانيات أكبر لمتابعة شغفهم وحماية الطبيعة السورية.
مودّة بحاح