خاص || أثر برس تجلس “أم محمود” ذات الخمسين عاماً بين الخضار، والتعب واضح على تقاسيم وجهها الحنطي وعلى يديها اللتين ملأتهما التجاعيد تحفر الكوسا راويةً لـ “أثر” أنها لم تكن تعمل بالسابق لكن ظروف الحرب دفعتها للعمل في تجهيز الخضار للمؤنة أو الطبخ مقابل مبلغ مالي يسد حاجتها.
تقول السيدة إن زوجها متوفى منذ 4 سنوات وهي مهجّرة من ريف حلب ولديها طالبان في جامعة دمشق، مبينة أن مصروف أولادها كبير بالإضافة لإيجار منزلها الكائن في “كشكول” البالغ 300 ألف سورية، فرأت من عملها في تجهيز المؤنة مورداً مناسباً في ظل تعذر العثور على عملٍ أفضل يلائم ضعف إمكانياتها الجسدية.
وتابعت أنها منذ أن انتقلت إلى دمشق وهي تعمل في المنزل بحفر الكوسا وفرم البقدونس ولف ورق العنب “اليالنجي واليبرق” وصنع المكدوس والبازلاء والفول، موضحة أنها تعمل لصالح محل تجاري، وفي بعض الأحيان يكون عملها خاصاً، فيكون بمنزلة عمل إضافي لها.
وبينت أم محمود أن الأجرة التي تتقاضاها إزاء هذا العمل رحمانية، فهي تشعر بالجميع ولهذا تحرص على أن يكون سعرها مقبولاً للمشتري وينصف تعبها، لافتة إلى أنها تأخذ على حفر الكيلو الواحد من الكوسا 1000 ليرة سورية، على حين تتقاضى على فرم نصف كيلو بقدونس المكون من 10 جرز 7000 ليرة سورية، أما أجرة كيلو مكدوس جاهز دون زيت 25 ألف ليرة سورية.
طبيعة العمل:
ينقسم العمل في المؤنة إلى قسمين، إذ تعمل نساء على تحضير المؤنة للمنازل تحضيراً خاصاً، على حين تعمل أخريات لصالح محلات تجارية، ومنهن في بيت المؤنة التابع للجمعيات الخيرية.
فالشابة “نسرين” ابنة الثلاثين ربيعاً تقول في حديثها لـ “أثر” إن زوجها استشهد وترك لها طفلين، وهي خريجة معهد تجاري وكانت تعمل في أحد المراكز الصحية، ولكن أطفالها يحتاجون إليها لتشرف عليهم وعلى دراستهم، فاضطرت أن تعمل في مهنة الطبخ وصنع المؤنة المنزلية؛ فحوّلت مطبخها لورشة عمل صغيرة تصنع فيها المؤنة كالمكدوس والزيتون والملوخية والمربيات بمختلف أنواعها.
ولفتت نسرين إلى أنها تسوّق لمنتجاتها على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، مشيرة إلى أنه في بادئ الأمر كانت الأمور صعبة والنساء اللواتي يشترين منها قلائل، ولكن اليوم أًصبح لها زبائنها ويطلبون منها كميات كبيرة.
وأضافت أنها لاقت رفضاً كبيراً من أهلها، مشيرة إلى أنهم طلبوا منها أن تتزوج فهي ما زالت في مقتبل العمر وبإمكانها العيش حياة كريمة من دون أن تجهد نفسها بهذا الشكل، ولكنها رفضت بسبب أطفالها الصغار.
سوق التنابل:
باتت ظاهرة بيع الخضروات الجاهزة للطبخ أو للاستهلاك المباشر ظاهرة طبيعية، فلم يعد مستغرباً أن ترى الكوسا والباذنجان المحفورة، والبقدونس والسبانخ والملوخية المفرومة، والثوم المقشر، والبامية المقمعة، والزيتون، اللحوم المُتبلة بكافة أشكالها.
يقول أحد أصحاب المحلات التي تبيع هذا النوع من الخضروات في سوق الشعلان بدمشق: “يظن كثيرون أننا نعرض هذه الخضروات لتباع لشاب يعيش وحده مُنفصلاً عن عائلته، أو للمرأة العاملة التي لن تملك الوقت الكافي لتحضير الطعام لعائلتها، لكن المُفاجئ في الأمر أن الطلب على هذه الخضار ليس له صنف محدد من الزبائن”.
ويضيف بحديثه مع “أثر”: “الناس أطلقوا اسم سوق التنابل على هذا السوق ظناً منهم أن النساء المدللات فقط من يشترين منه طمعاً بالراحة، لكن الحقيقة ليست كذلك، عدا عن أنه يؤمن فرص عمل لسيدات كثيرات يجهزن هذه الخضار بالتعاون ما بين أصحاب المحلات ومجموعات من النساء، وبذلك يكون هذا السوق قد أطعم الغني والفقير.
أما عن الأنواع والأسعار، فذكر أنها تختلف بحسب الموسم، موضحاً: نحن اليوم نجهز لموسم المكدوس فمثلاً يباع كيلو الباذنجان المسلوق بـ6500 ليرة، وكيلو الفليفلة المفرومة بـ 16 ألف.
الجدير ذكره أن العمل في المؤنة ليس بالسهولة التي يعتقدها البعض، إذ يحتاج إلى جهد كبير، فضلاً عن الأمراض التي ترافقه وذلك نظراً لساعات العمل الطويلة والجلوس الطويل الذي يسبب آلاماً حادة في الظهر والرقبة واليدين.
لمى دياب – دمشق