خاص|| أثر برس اتخذ الأردن مؤخراً خطوات تجاه سوريا بدت أنها خجولة، ويبدو أنها كانت نتيجة لجملة من الضغوط الداخلية التي تدعو إلى ضرورة عودة العلاقات مع سوريا لا سيما على الصعيد الاقتصادي، ففي حزيران 2021 أكد الملك الأردني عبد الله الثاني أن اقتصاد بلاده هو ثاني أكثر اقتصاد تضرراً بعد سوريا من هذه العقوبات.
المبادرات الأردنية تجاه سوريا تبقى دوماً رهن التصريحات الإعلامية دون أن يكون لها أي تطبيق على أرض الواقع، وآخر هذه المبادرات كانت تلك التي أعلن عنها وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي، حيث قال في أيلول الفائت: إن بلاده تحشد من أجل دعم دولي وإقليمي لعملية سياسية يقودها العرب لإنهاء الحرب المستمرة منذ 11 عاماً في سوريا، موضحاً أن “العملية ستشمل السعودية ودولاً عربية أخرى”، وتعقيباً على هذه المبادرة نقل موقع “العربي الجديد” عن مسؤول في الخارجية الأمريكية -رفض الكشف عن هويته- تأكيده على أن “الإدارة الأمريكية، لن تسعى لتحسين العلاقات مع الدولة السوريّة، ولا تدعم أي تقارب أو تطبيع إقليمي أو دولي معها”، ليؤكد وزير الإعلام الأردني سمير المعايطة أن إعادة سوريا إلى محيطها العربي والدولي ليس بالأمر السهل، لافتاً إلى وجود شروط دولية لإنجاز هذه العودة.
في هذا الصدد قال الكاتب والباحث السياسي محمد نادر العمري في حديثه لـ”أثر”: “التحركات الأردنية تجاه سوريا مرتبطة بعدة عوامل أبرزها الضغوط التي تُمارس على الأردن من قِبل الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية”، مشيراً إلى أنه “في اجتماع أصدقاء سوريا مع مطلع أيلول الماضي كان هناك ضغوطاً أمريكية ليس فقط على الأردن بل على الدول العربية الأخرى لعدم عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية”، مضيفاً: أن “التحرك الأردني لا يزال مرهوناً بالعمل الخليجي خاصة السعودية والعمل الأمريكي”.
تغيّر الموقف السياسي الأردني من سوريا رسيماً كان في تموز 2021 عندما قال ملك الأردن عبد الله الثاني، عند عودته من واشنطن: “تقديم الدعم إلى سوريا يعود بالنفع على المنطقة كلها.. والرئيس بشار الأسد سيبقى لأمدٍ طويل”، ليجري في تشرين الأول من العام نفسه اتصال هاتفي بين الملك عبد الله والرئيس الأسد، وتربط التحليلات إقدام الأردن على إعلان رغبته بالعودة إلى سوريا، بتنصيب جوزيف بايدن رئيساً لأمريكا، حيث أشار تقرير نشره مركز “كارنيغي” للدراسات إلى أن “عمان رأت فرصة للمناورة بعد ذلك بوقتٍ قصير، عندما تم انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة”، مشيراً إلى أن إدارة بايدن أبدت مرونة في هذا الملف عندما سمحت بعقد صفقة الغاز والكهرباء بين سوريا والأردن ومصر ولبنان، لافتاً إلى أن “عمان كانت سريعة في الاستفادة من هذه التغييرات في تموز 2021، عندما أصبح الملك عبد الله أول زعيم عربي يزور واشنطن بعد تولي بايدن الرئاسة، كانت سوريا على رأس جدول أعماله”، وبحسب التسريبات فإن الملك عبد الله طلب حينها استثناء بلاده من العقوبات الأمريكية.
محاولات الأردن للعودة إلى سوريا مرتبطة بحاجات محددة، فإلى جانب الاقتصاد هناك الجانب الأمني، فالأردن تربطها مع سوريا حدود بطول 375 كم، ومؤخراً أعلن الملك عبد الله أنه “بجهود الجيشين السوري والأردني باتت الحدود المشتركة آمنة”، إلى جانب ملف اللاجئين السوريين، حيث يتواجد في الأردن حوالي مليون لاجئاً سورياً، الملف الذي يكون إحدى بوابات التواصل الرسمي بين البلدين، حيث رجّح مؤخراً عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأعيان الأردني محمد المومني “حدوث المزيد من اللقاءات التي تتحقق فيها مصالح البلدين، وعودة الأشقاء اللاجئين إلى ديارهم”، فيما يؤكد العمري لـ”أثر” أن “الولايات المتحدة تضغط في سبيل عدم تفعيل التعاون الأمني، لتتمكن واشنطن من استمرار توظيف منطقة التنف القريبة من الأردن كنقطة انطلاق لها ولفصائلها الإرهابية”.
للجانب الاقتصادي وضعٌ مختلف:
يُطلق على سوريا لقب “رئة الأردن الاقتصادية”، والقطيعة الأردنية لسوريا كان لها أثرها الكبير على الاقتصاد الأردني، وفي هذا الصدد أكد الباحث السياسي محمد نادر العمري أن “هناك مناطق قرى ومحافظات أردنية تعاني من تراجع معدلات النمو الاقتصادي نتيجة توتر أوانخفاض منسوب العلاقات السياسية”، الأمر الذي أجبر الأردن على استئناف علاقاته الاقتصادية مع سوريا منذ عام 2018، ففي آب من هذا العام فتح معبر درعا الحدودي، وبحسب مركز “كارنيغي” للدراسات فإنه “اعتباراً من أواخر ذلك العام، شهدت المناطق الحدودية الأردنية موجة من النشاط الاقتصادي، لكن لم تدم لأسباب عدة، حيث أصبحت السلطات الأردنية أقل تسامحاً مع التجارة الصغيرة، التي تتخذ جانب غير رسمي، إلى جانب العقوبات الأمريكية التي ضغطت على عمان للامتناع عن التعامل اقتصادياً مع دمشق”.
وبالرغم من هذه الضغوط، استمرت الفعاليات الاقتصادية الأردنية في سوريا، وكذلك استمرت زيارات الوفود الأردنية إلى البلاد وكان آخرها المنتدى الاقتصادي الأردني الذي جرى في 5 تشرين الأول الجاري، بحضور وفدٍ من رجال الأعمال والصناعيين الأردنيين، وعلى رأسهم رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة الأردن نائل كباريتي، الذي أكد في حديثٍ لـ”أثر” أن الحفاظ على علاقاتهم مع سوريا هو بإشراف من حكومته، حيث قال: “لا أستطيع التحدث عن وزير الخارجية الأردنية لكن نحن نلتقط الرسائل، وهناك دور مهم للحكومة الأردنية في تقريب وجهات النظر لإعادة الأمور كما كانت عليه في السابق”، مؤكداً أن الأردن كان يصدّر معظم صادراته إلى أوروبا عبر الموانئ السورية كون التكلفة كانت أقل، كما كان يستورد عبر نفس المرافئ، وكانت الصناعة الأردنية تعتمد منتجات سورية والمنتجات السورية تعتمد مواد أولية أردنية.
وفي هذا السياق، أفاد تقرير “كارنيغي” بأن “الأردن يحاول إنشاء نموذج اقتصادي جديد لنفسه، وفي هذا النموذج لن يكون الأردن مجرد سوق للبضائع السورية ونقطة عبور لهم في طريقهم إلى أسواق الخليج، بل مصدراً إلى سوريا وكذلك رابطاً يربط سوريا بالأسواق الدولية، في حين أن توطيد العلاقات الاقتصادية السورية الأردنية يعد إنجازاً”.
ويخلص المختصون إلى أن لدى الأردن قناعة تامة بضرورة إعادة علاقاته مع سوريا كالسابق لكن هذا الأمر يتوقف، على عدة عوامل، حيث أشار العمري إلى عاملين “الأول مدى استقلال القرار الأردني عن القرار الغربي والأمر الثاني عندما تزداد حاجة الأردن أكثر مع تراجع الوضع الاقتصادي أوعندما يكون هناك توتر أمني”، ما يشير إلى أنه خلال المدى القريب من المستبعد أن يكون هناك أي تقارب أردني علني مع سوريا، وستُقتصر التحركات على التصريحات وما يجري خلف الكواليس إلى جانب بعض الفعاليات الاقتصادية التي لا تُزعج واشنطن.
زهراء سرحان