خاص|| أثر برس أضحت الخلافات الفنية رائجةً ومحكيّةً، ومادةً دسمةً للصحافة الصفراء وما يلحقها من منصَّات ومواقع إلكترونيّة وصفحات فيسبوك لاستخدامها في إشعال نار الفتنة غاية الترويج لأنفسهم وزيادة في الرّواد والتفاعلات، فأصبح الجمهور اليوم يرتقب تصريحات أي فنان التي قد توقد لهيب الصراعات، بعدما كان ينتظره بأعماله وإطلالاته الفنيّة.
لا ننكر أنّ الخلافات الفنيّة تواجدت منذ بدء الفنّ، ولكن سابقاً كانت شرارتها الغيرة الفنيّة والمهنيّة، أما اليوم تعود غالبية أسبابها لدوافع ذاتيّة بحتة، هذه الخلافات بشكل أو بآخر أدّت إلى كسر النمطيّة السائدة عند الناس حيال الفنانين، فتغيرت نظرتهم تجاههم وربّما تجاه قيمتهم الاجتماعيّة والثقافيّة.
قدوة حسنة:
وعن تأثير الخلافات الفنيّة على قيمة الفنان، يرى الصحفي والكاتب وسام كنعان خلال حديثه مع “أثر” أن “الفنان دائماً يعتبر واجهة المجتمع بشكل من الأشكال، لأنه دائماً تحت الأضواء وفي صدارة المشهد، وهناك اهتمام إعلامي فيه وكم كبير من الناس يحبونه ويؤمنون به ويتعقبون أثره وبالتالي يعتبر بشكل أو بآخر من قادة الرأي، فيجب أن يكون قدوة وأسوة حسنة، ولا يمكن أن ينحدر للسفاسف ويقدم في جزء من ظهوره الإعلامي مسائل مسفة لها علاقة في الخلافات والنزاعات والمشاكل والخلافات الشخصية حتى لا يترك الفرصة للإعلام لكي يكون حاضراً في هذه الخلافات، بمعنى أن يكون الفنان أكبر من هذه الخلافات وأن يسمو بسلوكه عن هذه التفاصيل، وأن يطرح نفسه دائماً أمام الشاشات والعدسات والجمهور بصيغه تناسب وضعه كقيمة اجتماعيّة وفنيّة وجزء من الرأي العام وجزء من قادة الرأي، وأن يكون على قدر كبير من المسؤولية وخاصة في الملمات الكبرى والقضايا التي تصيب المجتمعات فيجب أن يبقى حاضراً بقوة ولا يبقى متفرجاً بل فاعلاً بشكل حقيقي وليس بالضرورة تحت عدسات الكاميرا، لكن يجب أنّ يشاهده الناس بينهم مهتماً لقضاياهم ولمسائلهم ولهمومهم وأن يبتعد كل البعد عن الاصطفافات السياسية، فالمسألة مثل أحجار الدومينو مرتبطة ببعضها البعض”.
حالة انفعالية:
أما عن سبب تجاوب الفنانين مع الصحفيين والسوشيال ميديين الذين يثيرون الجدل ويشعلون نار التصادمات، يقول كنعان: “جزء من مسؤولية الفنان ومهامه أن يكون منسجماً مع الصحافة، لكن نشطاء السوشيال ميديا وأصحاب الصفحات الذين يصبون الزيت على النار، أعتقد أنّ ما يدعو الفنان للاستجابة لهم هو الحالة الانفعالية وحالة التعصب في لحظه من اللحظات والغضب السريع، الحل في ذلك أن يكون الفنان مولياً بمسألة الظهور العام، وبمسألة السوشيال ميديا بالنسبة له وبترتيب علاقته مع الصحافة، لا يعني ذلك أن يكون بعيداً عن الناس وعن الصحفيين وأن يتبع “البرستيج” في بعض الأحيان إنما أن يكون هناك تروّي في الجواب وفي أي حالة لها علاقه بأخذ الموقف وأن يكون هناك صناعة محترفة للتعاطي مع الموضوع”.
المسألة غير مرتبطة بالنقابة:
وحول الحاجة إلى وضع شروط من نقابة الفنانين أو وزارة الإعلام للحدّ من هذه الخلافات يبين كنعان أن نقابة الفنانين مسؤوليتها الدفاع عن الفنان بشكل أو بآخر، وأن تقف بجانب الفنان ظالماً كان أو مظلوماً، فوزارة الإعلام يفترض أن تكون مسؤولة عن هذا الموضوع، لكن أعتقد أن هناك أولويات ومسائل كثيرة يجب أن تولي الاهتمامات والوقت والمسؤولية لها أكثر من خلافات الفنانين والعراكات التي لها علاقة بالسوشيال ميديا، وأعتقد أنّ الموضوع ليس له علاقه في جهة تشريعية أو جهة مسؤولة كنقابة الفنانين او وزاره الإعلام أو غيرها؛ الموضوع له علاقه بالرأي العام لصيغة الفنان مع الصحافة ولصيغة الفنان مع جمهوره و لصيغته مع السوشيال ميديا، السبب الرئيسي لكل الخلافات أن الفنان غالباً ما يكون انفعالي وعاطفي وغالباً متسرع في ردود أفعاله، وإذا أولى مسؤولية التعاطي مع السوشيال ميديا لأشخاص مختصيّن يعطي لنفسه مساحة من التروّي والتفكير بهدوء وبارتياح سيكون بعيداً كلّ البعد عن الحالة العاطفية شديدة الانفعال والغضب الذي ما يجعله يأخذ سلوكيات غير سويّة ويبعده عن القرار الصائب، فالمسألة غير مرتبطة بالنقابة وبوزارة الإعلام، القضية مرتبطة في بناء وعي جمعي وفي تروّي هادئ وفي إيلاء المسألة للمختصّين خاصه مسألة السوشيال ميديا.
من جهته الصحفي والناقد الفني عامر فؤاد عامر شرح لـ”أثر” عن تأثير الخلافات الفنيّة على قيمة الفنان الاجتماعيّة إذ يقول: “من المجدي بمكان أن يكون هناك فصل بين الحياة الخاصّة لكلّ فنّان، بما فيها حياته الاجتماعيّة، وبين حياته كفنّان، أي تفاصيل مهنته التي يمتهنها، لكن ما يحدث أحياناً كثيرة، أنّ الخلافات الفنيّة تصبح جزء من المهنة! وهنا لا بدّ للانتباه أن البعض من أهل الفنّ يتحيّن الفرصة للحفاظ على ضجيج ما، بالنسبة له يعنيه، وربّما يرضي شيئاً في نفسه”.
ويضيف عامر: “بالنظر للسؤال المعيّن أعلاه؛ لا بدّ من الإشارة للرابط الشفيف بين الأمرين، أيّ ثنائيّة الخلافات الفنيّة والقيمة الاجتماعيّة، وأقصد رابط محبّة الناس للفنّان والاهتمام بأخباره ويوميّاته، سيّما أن وسائل التواصل الاجتماعي تشجّع على الأمر بازديادٍ مضطّرد، بالتّالي العواطف هي من يحرك الأمر برمته، فإمّا أن تكون الشحنة العاطفيّة مع الفنّان أو ضدّه، وقد يتقلب الأمر من خلافٍ لآخر ولو خلال مدّة بسيطة كما حصل ويحصل مع الفنانة المصريّة شيرين، وأخبار طلاقها، وعودتها للفنّان حسام حبيب، علينا التوكيد هنا، على الكلام الطيّب والموزون من قبل الفنّان نفسه، أو من ينطق رسميّاً عنه، لأنّه يؤثر في اللاشعور الجمعي، ويثير الحبّ اتجاهه أو الكره، والمقصد من الكلام، أن الفنّان في تصريحاته يجب أن يلتزم اتزاناً معيّناً حتّى يحافظ على محبّة الناس، ورغبتهم في التواصل معه، ففي الكلمة المصرّح بها يكمن السّرّ.”.
الجمهور ينصف!
وحول إن كان الجمهور ينصف هذه الخلافات أم المسألة تتبع للقاعدة الجماهيرية للفنان، يوضح عامر: “ما زلت أراهن بأنّ الجمهور لا يؤخذ بالغفلة، بل على العكس هو عين تراقب باستمرار، ليغلب طرف على الآخر، تبعاً لحساسيّته العاطفيّة في كيفيّة تلقي الخبر، عند الجملة الأخيرة يمكن أن نقف أكثر، فصناعة الخبر وكيفيّة تصديره، غالباً ما تلعب دورها في هذه المسألة، وكأنّ وراء الكلمة نفسيّة معيّنة يجب العمل بها قبل إطلاق الكلام عشوائيّاً، فاستخدام صيغة الماضي للفعل في الخبر مختلفة الأثر عن استخدام المضارع لنفس الفعل، كما أن البداية بوصف عاطفي مختلفة عن البداية المباشرة لما وقع، فهذا بالتّأكيد له دوره وأهمّيّته في إنصاف الجمهور لخلافٍ فنّي بين فنّانين اثنين، أو مجموعة منهم، أو فنّان وآخر غير فنان.. إلخ، يبقى فقط الإشارة إلى متابعي وعشّاق ومحبّي الفنّان، أو ما يُسمى كوصف دخيل وشائع “الفانز”، فهم يبقون على هوس الدّفاع عن الفنّان، حتّى ولو كان لا يستحق هذا الدّفاع، وتبدو أحياناً لمن يقرأ تعليقاتهم على منشورٍ ما، بأنّها تعليقات متكررة المعنى، وواضحة الّوجه، ومسطّحة الأبعاد، فهي إن دافعت عن فنّان ما في مسألة ما، إلا أنّها لا تلغي حقيقة الخلاف وكواليسه بكل تأكيد”
بين الماضر والحاضر.
وعن الفرق بين الخلافات الفّنيّة بين الماضي والحاضر، وكيف يتم استغلال وسائل التّواصل الاجتماعي تجاه هذه الخلافات يقول عامر: “لا بدّ من فروقات لمسألة الخلافات الفنّيّة بين ماضيها وحاضرها، وفي نفس الوقت تتشابه في نقاطٍ كثيرة لكن بالنسبة للفروقات، علينا هنا التوقّف عند ميّزة العصر، فالسرعة التي يتسم بها العصر فريدة من نوعها، إذ تنتشر الأخبار كما انتشار النار في الهشيم، في حين أن الزّمن الماضي لم يكن يتسم بهذه السرعة، ووسائل التواصل الاجتماعي لا بدّ ساهمت وعززت من هذه السرعة، النقطة الثانية، أنّ مساحة ما يدعى بالصحافة الصفراء، قد ازدادت عن الماضي، فاليوم تتعدد الوسائل والبرامج والمنشورات المهتمّة بأخبار الفضائح والأزياء والأخبار الفقيرة المعتمدة على الجذب ولفت الانتباه فقط ومن دون فائدة فكريّة ولا معنويّة”.
ويتابع: “نقطة ثالثة، وبحسب ما قرأت وما خبرت، قد كان هناك صحافة أو صحفيين يوفقون بين من يدبّ الخلاف بينهم من فنّانين، كما كان يفعل الصحفي الفنّي الرّاحل بديع سرابيه، فيسمع الأسرار وأشياء كثيرة لكنه لا يقوم بنشرها ولا إيصالها للطرف الآخر، بل يوصل عكسها تماماً بهدف جلسات المصالحة والتوفيق بين الفنانين المختلفين، في حين أن اليوم لا نجد هذه الروح أو ربّما تكون موجودة لكنّها لم تأخذ حقها في تسليط الضوء ومعرفتنا بها”.
أمير حقوق