خاص || أثر برس يصادف اليوم الخميس الواقع في الثامن عشر من آب، الذكرى السابعة لاستشهاد عالم الآثار السوري الباحث خالد الأسعد، (1932 – 2015)، الذي أعدمه تنظيم “داعش” في الثامن عشر من آب عام 2015، بعد أن رفض الإفصاح عن مكان كنوز تدمر الأثرية، فاستشهد في سبيل الحفاظ عليها وعلى تاريخ سوريا.
موقع “أثر” تواصل مع ابن الشهيد خالد الأسعد، طارق الأسعد، اليوم، ليروي لنا ما يود قوله في ذكرى استشهاد والده، والتفاصيل الأخيرة قبل الاستشهاد وهل تم العثور على الرفات، حيث أخبرنا أنه يتواجد اليوم منذ الصباح في تدمر وتحديداً في الساحة التي أعدم فيها والده، مضيفاً: “دقائق وساعات وسنوات أليمة مرت علينا، السنين الطويلة لا تمنع من ذكر شخص تحبه وتفديه بروحك.. للأسف لم أستطع أن أفدي والدي بروحي”.
وقال: “مثل اليوم في آب اللهاب أحضرت داعش والدي مقيداً ومكبل اليدين والقدمين وحافي القدمين، وقاموا بذبحه.. وعلقوا رأسه على عامود الكهرباء بجانب المركز الثقافي في تدمر لمدة 3 أيام إلا أن أحد الأشخاص المحبين قام بحمل الرأس على أن يعود لحمل الجسد، لكن لم يستطع لأن عناصر داعش كانت متواجدة في المكان.. الجسد بات بمكان والرأس بمكان ولا نعلم أين؟”، متابعاً: “الآلام تتجدد عاماً بعد عام.. على أمل أن دم والدي ودم كل الشهداء ألا يضيع هدر.. وأن تعود تدمر متألقة كما كان يرغب خالد الأسعد”.
وكشف في سياق حديثه مع “أثر”، أن رفات الشهيد خالد الأسعد إلى هذه اللحظة لم يتم العثور عليه، والبحث لا يزال جارياً، مضيفاً: “على أمل أن نجمع رأس وجسد والدي في القريب العاجل، وإذا لم نستطع، عسانا نجد الرأس على الأقل”.
وعن التفاصيل الأخيرة قبل استشهاد عالم الآثار خالد الأسعد، قال نجله طارق: “والدي من ساعة هجوم داعش لتدمر، رفض رفضاً قاطعاً مغادرة تدمر والمنزل وقال لي حينها لقد خُلقت وتربيت وعشت بتدمر وأفنيت عمري لأجلها، معقول بآخر أيامي أتركها وأغادرها.. مستحيل.. إلى أن استشهد فيها”.
وبالنسبة لكيفية تلقيهم خبر الاستشهاد، أوضح طارق الأسعد، لـ “أثر” أن خبر استشهاد والده كان صدمة كبيرة للعائلة، خاصة وأنه قُتل بطريقة وحشية، متابعاً: “كنا في حمص وأخوتي، نعيش على أمل إخراجه من تدمر، لكن جاءنا خبر أنه تم قطع رأس والدي، كالصاعقة وشكّل صدمة لدينا”، لافتاً: “لا يوجد دين سماوي يسمح بقتل رجل عمره 83 سنة، أنا حاقد على أول شخص صاح بكلمة حرية وأوصلنا إلى داعش.. داعش ليست إسلاماً بل متأسلمة..”.
وأشاد نجل الأسعد خلال حديثه مع “أثر” بمحبة الناس وتفاعلهم مع والده، وذكرهم للشهيد خلال هذه السبع سنوات، معتبراً ذلك بمثابة “بلسماً لجراحهم”.
من جانبهم، الناشطون على منصات التواصل الاجتماعي تفاعلوا مع هذه الذكرى، وتداولوا صوراً للشهيد عالم الآثار خالد الأسعد، وأرفقوها بعبارات تنعيه وتعبر عن الخسارة التي مُنيت بها سوريا لفقدانها أحد أهم العلماء والباحثين.
ووصف أحد الناشطين على موقع “تويتر” الأسعد بذكرى استشهاده، بأنه “سور تدمر العظيم”، وآخرون لقبوه بـ “حارس آثار سوريا”.
بدوره، الفنان السوري بشار إسماعيل قال من خلال منشور عبر حسابه الرسمي في موقع “فيسبوك”: “البروفيسور العظيم خالد الأسعد، لروحك الرحمة والسلام، في ذكرى استشهادك على أيدي شياطين الظلام، فلتعش سعيداً في السماء مع أمك العظيمة زنوبيا الملكة المتوجة بأكاليل الغار..”.
ويعتبر خالد الأسعد، أحد أهم علماء الآثار في سوريا والعالم، حيث أمضى أكثر من 50 عاماً في خدمة الآثار وأنجز الكثير من الأبحاث والاكتشافات الأثرية على مستوى العالم، ويحمل شهادة الماجستير في الدراسات الأثرية، ويتكلم الآرامية إلى جانب اللغات الأجنبية، ولديه 40 مؤلفاً عن الآثار في تدمر وسوريا والعالم.
كما، يعد الراحل الأسعد مرجعاً لكل من يودّ دراسة تاريخ وآثار تدمر، ومنذ استشهاده أطلقت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، مسابقة تحت اسم “جائزة خالد الأسعد الدولية للمكتشفات الأثرية”.
خالد الأسعد، لم يكن مجرد عالم آثار، بل كان باحثاً تاريخياً ومكتشفاً حقيقياً للعديد من المنحوتات والمدافن الأثرية المهمة ومنها منحوتة حسناء تدمر، التي صنفت وفق المعايير الأثرية العالمية بأنها من أروع المنحوتات وأكثرها جمالاً على الإطلاق، إضافةً إلى ترجمته للنصوص والمخطوطات الآرامية التدمرية القديمة، بحسب وسائل إعلام سورية.
والإنجاز الأكبر للأسعد هو المشروع الإنمائي التدمري خلال أعوام 1962-1966، حيث اكتشف القسم الأكبر من الشارع الطويل وساحة الصلبة “التترابيل”، وقام باستخدام وسائل بدائية وحيوانات جر في رفع الأعمدة المتناثرة بين أركان مدينة تدمر الأثرية لتعود كما كانت منتصبة أيام زنوبيا.
وشغل خالد الأسعد منصب مدير آثار تدمر لمدة أربعين عاماً بين 1963 و2003، وقد اكتشف بنفسه مقابر أثرية عدة وأشرف على أعمال حفريات عدة وترميم آثار في المدينة.
يشار إلى أنه حين اقترب مقاتلو تنظيم “داعش” من تدمر في أيار 2015، نجح أبناء الأسعد وبعض الحراس في إنقاذ 400 تمثال وقطعة أثرية.
بتول حسن