خاص || أثر برس تزاحم المشهد السوري بين نقاط التشابك السياسية والميدانية مع بداية اجتماعات اللجنة الدستورية لمناقشة الدستور في جنيف، واستمرار عمليات انتشار الجيش السوري في شمال وشمال شرقي سورية بما في ذلك الحدود السورية – التركية بعد تفاهمات فعلية مبدئية جرت للمرة الأولى مع “قوات سوريا الديمقراطية” عبر الوساطة الروسية، ورسمت المرحلة الحالية تعقيدات جغرافية على الأرض السورية ولاسيما بعد اتفاق سوتشي الأخير المنعقد بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره رجب طيب أردوغان حول الشمال السوري، والذي لم يمنع استمرار العدوان التركي على جبهات ريف الحسكة الشمالي الغربي، وحدوث اشتباكات متقطعة مع الجيش السوري، بالإضافة إلى إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن مقتل متزعم تنظيم “داعش” أبو بكر البغدادي في إدلب، ما دفع الرئيس بشار الأسد إلى إطلاق جملة من التصريحات السياسية في مقابلة متلفزة تحدد وتوضّح مواقف الدولة السورية، وترسم التوجّهات القادمة لها في ظل مبادئ محسومة.
ثمّة تساؤلاتٌ شغلت السوريين منذ المشاركة الروسية في الحرب على الإرهاب أواخر أيلول عام 2015، حول مدى إمكانية توفيق السياسة الروسية في علاقاتها بين سورية وتركيا.
لقد أحرز الرئيس فلاديمير بوتين توازناً عبر دخول الطرف الإيراني في تفاهمات آستانة، إلا أن تلاعب أردوغان المستمر في موقعه ضمن الناتو سمح له الاستفادة من تطبيق ازدواجية كانت تمتد وتنحصر في مصالحه بين أمريكا وروسيا، وبذلك يتفهم الرئيس الأسد الواقع السياسي للمصلحة الروسية في علاقاتها مع تركيا، ويؤكد أنه يمضي بدبلوماسيته متماشياً مع رؤية الرئيس بوتين، لطالما تم إفشال المخطط التركي بإقامة “المنطقة الآمنة”، وأن المبدأ الأساسي الذي تعمل وفقه روسيا دائماً هو الحفاظ على وحدة الأرض السورية وسيادتها، لكن الرئيس الأسد أجاب أيضاً على سؤال إمكانية إعادة العلاقات مع أردوغان إذا اقتضت المصلحة الوطنية بذلك، وبالتالي لن يكون أمام أنقرة في المستقبل القريب إلا الانسحاب من الأراضي السورية التي احتلتها بالسلم أو إخراجها رغماً عنها بالحرب.
أمام السلوك الذي تنتهجه قيادات “قسد” بالتعويل على الأمريكي رغم تخلي دونالد ترامب عنهم، وتركهم لملاقاة مصيرهم بعد التوغل التركي، يجدد الرئيس الأسد دعوة الأكراد الانفصاليين إلى الانخراط في الجيش السوري، لأن مفهوم حضور الدولة لا يقتصر على انتشار الجيش فقط، وإنما في حدود الخدمات التي يتوجب على الحكومة في دمشق أن تقدمها لجميع السوريين وبجميع مكوناتهم، كما رهن الرئيس الأسد خروج القوات الأمريكية من حقول النفط شمال وشمال شرقي سورية بإيقاف تبعية “قسد” وعمالة البعض منهم لأمريكا، وتقديمهم لذلك على مصلحة سورية.
وبينما تنعقد اجتماعات اللجنة الدستورية لتشكيل دستور سوري جديد يُطرح للاستفتاء الشعبي، أراد الرئيس الأسد القول إن الانتخابات التي سوف تجري فيما بعد هي مسؤولية سورية بكاملها يحددها السوريون وبإشراف الدولة السورية، ولن يُسمح للغرب بالتدخل فيها لإحياء الانتداب الاستعماري من جديد.
ربط الرئيس الأسد حديثه الأخير بكلّ السيناريوهات التي تؤسس لاستقرار سورية سياسياً وعسكرياً، بشكل ينسحب إلى تحسن الواقع الاقتصادي والخدمي، حيث باتت الأمور في مخاضها الأخير، فلن يستمر الإرهاب في إدلب بنهاية المطاف، والدعوة موجهة إلى مصالحة الجميع لضمان وحدة البلاد أرضاً وشعباً.
علي أصفهاني