خاص || أثر برس لن تجلس مع شريكك في مسرح الحمراء بعد اليوم، لكنك لن تفارقه، فجميع الحاضرين ستكون حواسهم مشدودة لساعة من الزمن في “بيت الشغف” وتفاصيل عرض أعاد المخرج والفنان هشام كفارنة إلى خشبة المسرح بعد غياب، عبر خط رومنسي ومفردات لا تبتعد عن شاعرية صاحب العرض الذي أعده واقتبسه عن نصّ “رغبة تحت شجر الدردار” للكاتب الأمريكي “يوجين أونيل”، وبشراكة جمعته مع القدير يوسف المقبل والقديرة أمانة والي، والفنانة صفاء رقماني والفنان مجدي المقبل.
هواجس ورومانسية
يبدأ العرض بالمزارع العجوز (يوسف المقبل) الذي وصل إلى حافة العمر بجانب ابن زوجته الشاب (مجدي المقبل) وهواجس الموت تلاحقه، ليشعر بأن المحيطين به ليس لهم الحق بأن يرثوه، فيهرب من كل ذلك السواد المعتم إلى الزواج بفتاة بعمر الورد (صفاء رقماني)، وليبقى طيف زوجته المتوفاة بمرض السرطان (أمانة والي) يلاحقه في ضميره كلما حاول أن يؤذي ذلك الشاب الذي بقي معه، لن يبقى إيقاع العرض ثابتاً فشغف الشباب للشباب سيجمع حسرة الفتاة التي لم تعش ربيع عمرها بحزن ووحدة الشاب الذي يرى نفسه غارقاً في علاقة حب بخط رومنسي بعيد عن عيون العجوز الذي لم يعد يرى بعينيه سوى وريثه القادم إلى الحياة، لكن طيف زوجته يؤرقه بين الحين والحين ليحاول أن يبرر بخله على مرضها ويحدّث الطيف بما حاول به الأطباء، فنرى الحب والجشع والأنانية والمعاناة تتأرجح بين حنايا العرض، حتى تصل إلى لحظة وفاة الطفل كنوع من التخلي عن المال والثراء من أجل الحب المجنون الذي يحمل الشاب والفتاة بعيداً عن براثن العجوز.
لغة شاعرية
حديثنا مع مخرج العمل بدأناه بالسؤال حول أسباب الغياب عن عروض المسرح في سورية، ليجيبنا بالقول: “غبت عن الإخراج ولكنني كنت متواجداً في المسرح وفي الدورات والمهرجانات، آخرها عضواً في لجنة التحكيم بمهرجان قرطاج، هذا أيضاً يزودني بخبرات إضافية”، مضيفاً: “أنا من الناس التي تؤمن بطاقات الشباب نترك فرصة للآخرين وللشباب كأول عرض محترف قدمته لصالح المسرح القومي 1987، حيث أتاح لي الأستاذ أسعد فضة فرصة الإخراج لمسرحية الزنزانة على مسرح القباني، وعندما أصبحت مديراً للمسرح ساهمت بالعديد من الفرص لجيل الشباب منهم عروة العربي، كفاح الخوص، ورغدة الشعراني لأن يقدم هؤلاء الشباب عروضهم الاحترافية الأولى”.
جواب بطل “العبابيد” دفعنا للحديث عن العودة بهذا النص على خشبة الحمراء بدمشق ليجيب قائلاً: “هذا النص الذي أغرى الكثير من المخرجين عبر أنحاء العالم، للاشتغال عليه والتعاطي معه، وأنا كنت واحداً من هؤلاء ولكن أجريت عملية الاقتباس انطلاقا من عدة ضرورات، منها تحويل النص إلى ما يتلاءم مع المجتمع العربي، هناك كثير من الخطوط الحمراء في النص الأصلي حاولت إلى حد كبير أن أتجاوزها لتلقى أفكار العرض القبول لدى المتابع، وقمت بتكثيف الشخصيات إلى 4 شخصيات ولا ضرورة لباقي الشخصيات، ابتكرت شخصية جديدة وهي شخصية الأم التي أدت دورها الفنانة أمانة والي لأقدم وجهة نظر معاكسة لوجهة نظر العجوز بطل العرض”.
ويضيف حول خصوصية مسرحه وعناصره الموضوعة بطريقة مميزة قائلاً: “أؤمن بأن المسرح فيه لغة جلال ولغة شاعرية وتتسرب هذه اللغة في الديكور والإضاءة والأداء واللغة العالية في المسرح التي تختلف عن لغة التلفزيون البسيطة، وبالتأكيد فإن مفردات العرض تؤدي بالمشاهد إلى معرفة مخرجه عبر التفاصيل الموجودة فيه”.
ويختم حديثه مشيراً لطيب العلاقة التي تربطه بفريق العمل، فعروض عديدة جمعته بالفنانة أمانة والي والفنان يوسف المقبل، حتى الممثل الشاب مجدي المقبل الذي يعرفه من طفولته إلى أيام دراسته في المعهد العالي للفنون المسرحية، والفنانة صفاء رقماني التي عملت بجهد في أول تجربة معه إذ استطاعت بفترة قصيرة أن تستوعب لغة الإشارات التي تم خلقها فيما بيننا لينعكس على الأداء.
شخصيات شريرة
لا توجد شخصيات شريرة وشخصيات خيّرة كما يرى الفنان القدير يوسف المقبل، إذ أن الإنسان يمكن أن يقلب الطاولة رأساً على عقب ويتحول إلى شرير، قتلة مأجورين يمكن أن يعطفوا على طفل فقير وهم في طريقهم لتنفيذ عملية اغتيال، فسألناه عن جشع العجوز والشر المتأصل فيه ليجيب: “أنا مهمتي كممثل الدفاع عن وجهة نظر الشخصية التي أجسدها، وهذا لا يعني أن أتقاطع معها، التمثيل بكل أنواع ومدارس المسرح من العبث للكلاسيك للرمزية والسريالية، يستوجب من الممثل أن يعايش الشخصية، أذهب بأدواتي بما يتناسب مع صوت وحركة الدور وبخصوص ذلك حاولت أن أحرك يد الشخصية في لحظة جمعته بعروسته بإيحاء لعملية حلب البقرة فهو مزارع ويتعاطى مع أبقاره كمن يتعاطى مع البشر”، وأضاف “كي أقدم التمايز أنا أقرر كممثل ماذا سأعير هذه الشخصية من أدواتي، هل سأعطيها صوتي أم سأذهب لاستعارة صوت آخر، كذلك حركة اليد هل ستكون كثرة الحركة أم ذات حركة مقننة، المشي على خشبة المسرح ونظرة العين وتفاصيل الوجه والانفعالات، جميعها لغة خاصة يستطيع المشاهد أن يقرأها”.
بكل حب وضمير
تقف الفنانة صفاء رقماني للمرة الثانية على خشبة المسرح، لكن ما ميزها في هذا العرض نضج الشخصية، أحاطتها بأدواتها التي ظهرت بشكل مختلف على خشبة المسرح، فالانفعالات مدروسة والصمت موضوع بمكانه، البسمة والدمعة يتوازيان المسير، وحتى لحظات الجنون والحب وصولاً إلى الهستيريا، جميعها تفاصيل جعلتنا نرى صفاء بأداء مختلف يحسب لها كعلامة مميزة في مسيرتها المهنية، ولدى سؤالنا لها كيف أعطتنا هذه الجرعة الجميلة من الأداء أجابتنا بأنها عملت على الشخصية بحب وضمير، وتابعت القول: “أحببت التناقضات التي تحتويها، تعاطفت معها، كرهتها بمكان وحزنت عليها بمكان آخر، أغرتني جداً، وأتعبتني بشكل كبير”، وأضافت، “لن تعرف الممثل إلّا إذا رأيته على خشبة المسرح، والعمل مع المخرج القدير هشام كفارنة ممتع، بالتأكيد هناك قسوة في التعامل لكنها تُبَرّر بعزمه على نبش الحالة الحقيقية من الممثل حتى يصل إلى أعلى نقطة من الأداء”.
لا تشبهني..
ختاماً تحدثنا مع الفنانة أمانة والي التي وصفت لنا شخصيتها بأنها طيف حنون على ولده الوحيد يرافقه، وضمير يلسع بسياطه زوجاً ارتكب الأذى وغرق به، وأكملت قولها: “حاولنا أنسنة الطيف والشخصية ذاهبة باتجاه الرومنسية، حتى أن كلامها خلال العرض قريب من الشعر، وجدت بها باباً جديداً للدخول إلى دور مختلف علّني أكسب منه بعض الرومنسية وأهرب من خلاله بعيداً عن إطار الشر”، وأضافت، “أنا حساسة بطبيعتي لكن حساسيتي لا تخرج إلى العلن خاصة وأنني كنت الأم والأب في منزلي، لذا تميل شخصيتي باتجاه القيادة، لذا فإن هذه الشخصية لا تشبهني وهذه الرومنسيات بعيدة كل البعد عن شخصيتي”.
حسين روماني