خاص || أثر برس معاناة قديمة جديدة، تعيد إنتاج نفسها، بقوة، في كل صيف يحل على الساحل السوري، ليزيد من معاناة الأهالي مع مياه الشرب التي باتت الهم الأول والأكبر للأهالي الذين تعبوا من الشكوى هنا والمطالبة هناك، لتصبح أعظم أمانيهم أن تتزامن تغذية المياه مع الكهرباء لوقت يكفي لتعبئة ما تيسر لهم من حجم الخزان الذي يصفر في معظم الأيام.
من اللاذقية إلى طرطوس، لسان حال التذمر يعيد شرح المعاناة نفسها حيال انقطاع طويل للمياه يزيد من تعثره انقطاع مشابه للكهرباء، وما يزيد من حدة التذمر هو حال حسرة الأهالي الذين ينظرون إلى جارهم البحر فيما هم يستسقون نقطة المياه!.
في اللاذقية، فيما تشتد حدة أزمة مياه الشرب في مدن المحافظة وريفها بسبب عدم وصول المياه إلى منازل المواطنين، تبقى الحلول حاضرة غائبة عن المشهد اليومي الذي يعيشه المواطن في تأمين المال لشراء مياه الصهاريج التي باتت عبئاً إضافياً على الأعباء اليومية.
وقال عدد من الأهالي في قرية الشراشير بريف جبلة لـ “أثر”: “بات وصول مياه الشرب إلى منازلنا أشبه بالحلم، حتى مع وصول التغذية الكهربائية”، مدللين على ذلك بالقول: “مع كهرباء أو من دونها.. ماعم نشوف المي”.
بدورهم، اشتكى عدد من أهالي قرية بشراغي من الانقطاع الطويل للمياه عن قريتهم والتي تتجاوز مدة عشرين يوماً، وأضافوا: “لم نعد قادرين على تحمل مصاريف شراء المياه من الصهاريج باستمرار، لأنها بحاجة إلى راتب كامل”.
المعاناة ذاتها تتكرر في قرية “فديو” المجاورة لمدينة اللاذقية والتي لم تصلها المياه منذ 15 يوماً بالرغم من أنها قريبة من خطوط الجر المغذية المدينة.
شكاوى أهالي ريف المحافظة من الانقطاعات الطويلة للمياه تتزامن مع مشاكل في ضخ المياه لأحياء مدينة اللاذقية، ففي حي القنجرة أشار عدد من الأهالي لـ “أثر” عن عدم تمكنهم من تعبئة خزانات منازلهم بسبب التقنين الكهربائي القاسي، فنصف ساعة غير كافية، كما أن المياه تكون قوية خلال انقطاع الكهرباء.
إلى حي جب حسن الذي اعتاد سكانه خلال الأشهر الأخيرة على شراء الصهاريج، قال الأهالي: “الحل بسيط، وهو التنسيق بين مؤسستي الكهرباء والمياه، فمن غير المعقول أن تصل المياه عندما تنقطع الكهرباء”.
بدوره، بيّن مدير عام مؤسسة المياه باللاذقية المهندس ممدوح رجب في تصريح صحفي، أن السبب وراء مشكلة نقص مياه الشرب إلى تراجع الوارد المائي من محطة السن بشكل كبير، لافتاً إلى أنه الأدنى على الإطلاق منذ عام 2011.
كما بيّن رجب أن تراجع الوارد المائي مرده للوضع الكهربائي المتردي في محطة السن، حيث أن المضخات تعمل بشكل ضعيف جداً.
إلى طرطوس، تعيد مشكلة مياه الشرب إعادة إنتاج نفسها، مع معاناة أهالي الريف من الانقطاع الطويل للمياه، والذي يتراوح بين 15-20 يوماً، كما في قرى بريف القدموس، ما يدفع الأهالي مجبرين على شراء المياه من الصهاريج وتكبد أعباء مادية باهظة هم بغنى عنها خاصة في ظل غلاء المعيشة، إذ يصل سعر تعبئة خزان مياه سعة 15 برميلاً بين 55-60 ألف ل.س.
واشتكى عدد من أهالي قرى “الطواحين، الحاطرية، بدوقة، الدي” لـ “أثر” من أن انقطاع المياه عن قراهم لأيام طويلة، جعلهم يسعون وراء أصحاب الصهاريج وتكبد تكاليف باهظة، حيث وصل ثمن تعبئة الخزان إلى 60 ألفاً وأحياناً أكثر، بسبب “تدلل” بعض أصحاب الصهاريج عن الوصول إلى القرى الجبلية البعيدة والتحجج بعدم توفر المحروقات وشراء الوقود بالسعر الحر، وكل ما يزيد على “المواطن” ثمن تعبئة الخزان جراء استعراض كل هذه الصعوبات التي سيتكبدها صاحب الصهريج.
وقال الأهالي: “كل خمسة عشرة يوماً وأكثر، يتم ضخ مياه الشرب ساعتين فقط، لا تكفينا لتعبئة حتى ربع الخزان بسبب التقنين الكهربائي الجائر”.
بدوره، أكد مدير عام المؤسسة العامة لمياه الشرب في طرطوس المهندس عيسى حمدان لـ “أثر” أنه يتم تلقي الشكاوى باستمرار ويصار إلى معالجتها بالسرعة المطلوبة ووفق الإمكانيات المتاحة، مبيناً أن وضع مدن المحافظة بالنسبة لمياه الشرب مستقر، باستثناء القرى فهي تعاني من الانقطاع الطويل لمدة قد تصل لأسبوعين، كما في بعض قرى ريف القدموس.
وأشار حمدان إلى أنه يتم العمل حالياً على إيصال المياه إلى محور القرى ( الطواحين، حدادة، رام ترزة، شمسين، باب النور، جارة الوادي، نواطيف، عين حسان الحاطرية، بدوقة، التناخة، الدي) عبر خط مباشر بين خزان المولى حسن ومنتصف المحور، الأمر الذي يحل مشكلة الدور والتغذية بالمياه بنسبة 50%.
ولتحسين الوارد المائي لقرى المحافظة الأخرى، بيّن حمدان أنه تم ربط مشاريع بلوزة، نبع صالح، العنابية، ومشروع برمانة بخطوط كهرباء خارج التقنين الكهربائي، كما يجري حالياً، بالتنسيق مع الشركة العامة للكهرباء، العمل على ربط مشاريع المنية خربة المعزة ودير حباش والفطاسية ومشروع مرقية الذي يروي 45 قرية بخطوط معفاة من التقنين.