خاص|| أثر برس ارتبط السمن العربي بمنطقة وادي الفرات التي تشتهر بمراعيها الطبيعية، وقد ربط الكثيرون هذا الأمر بطعم السمن المنتج في هذه المنطقة، خاصة أنه يختلف بين منطقة وأخرى.
فالسمن المصنوع في ريف دير الزور الشرقي أو كما تعرف بمنطقة “الشامية” يختلف عن السمن المصنوع في منطقة “الجزيرة”، وهذا يعود إلى أنواع النباتات والأعشاب التي تتغذى عليها الأغنام والأبقار.
لكن عموماً اشتهر ريف دير الزور بصناعة السمن، وتغنى به الكثير لأنه يتميز بطعمه وغناه الغذائي والصحي، وعلى الرغم مما عاناه ريف دير الزور خلال العشر سنوات الماضية، إلا أن الريف الديري حافظ على تراثه وصناعاته، وكل منطقة منه تتميز بنوع معين نسبت إليه، فـ”رمان السوسة” معروف على مستوى سوربا، و”سمن الجزيرة” كذلك الأمر له حضوره، وخضار ريف دير الزور من الباذنجان والكوسا والفول والفليفلة الخضراء والبطيخ الأحمر والأصفر وغيرها من الأنواع الكثيرة معروفة ومرغوبة، ولكن السمن العربي بقي هاجس اقتنائه حاضراً لدى الكثير.
الحديث عن سعر السمن في دير الزور يجعلك تعيد الحسابات كثيراً، فمن خلال جولة على عدد من المحال المعنية ببيع أنواع السمن البقري والغنمي، نجد أن سعر كيلو سمن الضآن أو الغنم يصل إلى 27 ألف ليرة سورية، وأنواع أخرى وصلت إلى 40 ألف ليرة، أما سعر كيلو السمن العربي البقري فوصل إلى 17 ألف ليرة سورية، ونوع آخر وصل إلى 25 ألف ليرة، ولكن كل نوع يتميز بطريقة تحضيره.
“مأمون خليفة الهنيدي – 50 عام” من بلدة بقرص بريف دير الزور الشرقي، يتحدث عن صناعة السمن العربي فيقول :طريقة تحضير السمنة العربية تتم على النحو الآتي: نقوم بتجهيز حليب الضآن أو البقر، ويتم وضعه على نار هادئة حتى يصل لدرجة الغليان، ونتركه حتى يبرد ثم يتم تخثيره بإضافة القليل من اللبن مع الحليب المغلي، ويتم وضعه جانباً إلى أن يصل إلى درجة التخثر ويتماسك قوامه بشكل كامل، وبعد ذلك يتم وضعه في “الشجوة” والتي هي عبارة عن جلد ماعز أو غنم، وتكون أطرافها مخيطة، و لها ربطة من جهة العنق.
ونشير هنا “والحديث للهنيدي” إلى وضع السمنة في شيء يسمى “العكة” وهي مصنوعة من جلد الغنم أو الماعز بعد دبغها بوضع قشور الرمان والقليل من اللبن، بهدف الحفاظ على جودة السمن من أي طعم وخاصة الجلد.
ويتابع الهنيدي: نقوم بوضع اللبن “بالشجوة”، ونضيف القليل من الماء مقدار نصف كمية اللبن، مع القليل من الملح، وهناك ملح خاص يسمى ملح “اعديد”، وبعد ذلك يتم نفخ “الشچوة” بالفم لإدخال الهواء إلى داخلها، ثم تبدأ عملية خض اللبن “بالشجوة” من خلال عملية التحريك باليدين “هز” وهي مهمة مجهدة.
بعد ذلك يتم ربط “الشجوة” من الطرفين بحبل متين، ثم يتم تعليقها من طرفيها على عمود بالطريقة العرضية، ويتقابل شخصان من الجهتين، وتتم عملية تبادل الدفع باتجاه كل منهما، وهذا الأمر يحتاج إلى ساعات من أجل فرز الزبدة، عن اللبن، وفي هذه الأثناء تتشكل كتل الزبدة بداخل “الشچوة”، وبعد ذلك نعود لإجراء عملية نفخ “الشچوة” فتكون الزبدة أصبحت بداخلها على شكل كتل، وعندما نتأكد من أن اللبن لم يعد يفرز الزبدة تكون المرحلة الأولى قد انتهت، فيتم جمع باقي الزبدة واللبن من الوجه العلوي، ويبقى اللبن الحامض، وهو ما يسمى بالعامية في دير الزور بـ “الشنينة” وهي من أطيب وألذ أنواع اللبن.
نأخذ الزبدة التي تم جمعها من “الشچوة” ونضعها في قدر، وتتم إذابتها على نار هادئة مع الاستمرار بعملية التحريك، وهنا يتم إضافة كأس من البرغل، ويوضع بهدف إزالة الطعمة من السمنة، ولسحب رطوبة الماء إن وجدت، والبعض يضع كمية قليلة من حبة تسمى “الطوالية” أو يضعون قطع التفاح.
وعندما تذوب الزبدة وتخرج منها الرطوبة واللبن، يطفو على سطح القدر بعض الشوائب تتم إزالتها بمصفاة خاصة، وفي هذه الحالة يتغير قوام هذه الزبدة، لتصبح سمنة عربية، نتركها حتى تبرد، ثم نفرغها في “عكة” وهي مصنوعة من جلد الغنم أو الماعز، أو في أعيرة فخارية، ونجد عدداً من الأسر تقوم بعملية دهن لبطن الأعيرة بدبس التمر الحلو من أجل الحفاظ على جودة السمنة وطعمتها.
ويراعى في حفظ السمنة العربية وضعها في أماكن بعيدة عن أشعة الشمس، وريف دير الزور مشهور بصناعة السمن العربي بنوعيه البقري والغنمي.
وأشار الهنيدي في ختام حديثه إلى أن السمنة في منطقة الجزيرة تختلف عن طعم السمن في منطقة “الشامية”، وذلك بسبب أنواع النباتات والأعشاب التي تتغذى عليها الأغنام والأبقار، حيث يتأثر لون السمن العربي بحسب المرعى.
مالك الجاسم – دير الزور