وسط التصعيد العسكري الذي تشهد جبهة الشمال السوري وما يرافقه من تهديدات تركية بشن عملية عسكرية، والذي يتزامن مع تصعيد مماثل في جبهة إدلب، يتم التركيز على مدينة تل رفعت التي تشهد انتشاراً واسعاً للقوات الروسية إلى جانب “قوات سوريا الديمقراطية-قسد” واحتمال لجوء أنقرة إلى عقد صفقة مع موسكو لمقايضتها بمحافظة إدلب، إلى جانب الحديث عن طرح سيناريوهات أخرى حول مستقبل هذا التصعيد.
حيث نقلت سابقاً وكالة “رويترز” عن مسؤول تركي كبير (لم تكشف عن اسمه) قوله: “إن من الضروري تطهير المناطق، لا سيما منطقة تل رفعت، التي تنطلق منها الهجمات ضدنا باستمرار”.
وفي هذا الصدد نقل موقع “المونيتور” الأمريكي عن محلل الشؤون الخارجية التركية، فهيم تستكين، قوله: “إن تهديدات أردوغان حول تل رفعت في ريف حلب هي أداة يستخدمها للحفاظ على الوضع الراهن في إدلب، لكن موسكو لم تُظهر أي استعداد لمقايضة تل رفعت ومنبج بإدلب”، مشيراً إلى أن بوتين يريد “كبح عودة أردوغان”، بينما تريد الولايات المتحدة أيضاً تجنب هجوم تركي على المناطق التي يسيطر عليها شركائها الأكراد، دون أن يستبعد حصول تركيا على ضوء أخضر لعملية محدودة في تل رفعت لن تؤثر على السيطرة على الأرض مقابل انسحابها من الطريق الدولي (إم 4) في إدلب.
وفي السياق ذاته، نشر “المجلس الأطلسي للأبحاث في واشنطن” مقالاً أكد خلاله أن المقايضات الإقليمية بين روسيا وتركيا مختلفة هذه المرة، إذ يرى الرئيس التركي أن ما يطلق عليه اسم “التهديد الكردي” شرقي الفرات يتصدر جميع الأولويات الأخرى في سوريا، بينما يؤكد الرئيس الروسي، أن تحرير إدلب يتصدر قائمة أولوياته.
وأشار “المجلس” إلى أن الخبراء الأتراك كشفوا عن اقتراح سابق يقضي بالانسحاب من الطريق الدولي حلب-اللاذقية (M4) الذي يمر عبر إدلب مقابل الجهود الروسية لإجبار “الوحدات الكردية” على الخروج من إحدى ضواحي حلب (تل رفعت).
ولفت إلى أن تركيا تخطط لتدمير “هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة وحلفاءها)” المسيطرة على إدلب مقابل تنفيذ بوتين لاتفاقية “سوتشي” في تشرين الأول 2019 بشأن شرق الفرات، ودفع “الوحدات الكردية” من بعض المناطق شمالي شرق سوريا، بحيث يتم إبعادهم عن الحدود 30 كيلومتراً” أي بما يتوافق مع مشروع “المنطقة الآمنة” الذي سبق أن اقترحه أردوغان.
وذكّر التقرير أن تركيا تخلت عن مدينة حلب الاستراتيجية لصالح روسيا، مقابل غض الطرف من موسكو عن دخول القوات التركية إلى مدن جرابلس والباب وإعزاز بعملية “درع الفرات”، كما تجاهل الروس عملية “غصن الزيتون” في مدينة عفرين، مقابل غوطة دمشق شرقية، وتأمين العاصمة السورية دمشق.
وأشار إلى أن أردوغان “في كلتا المناسبتين، بدا على استعداد للتضحية بوكلائه السوريين لتسجيل نقاط ضد وحدات حماية الشعب”، وفق تعبيره.
وحول سبب التركيز على مدينة تل رفعت، دون غيرها نقل موقع “عنب بلدي” المعارض عن رئيس وحدة المعلومات في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” المعارض، نوار شعبان، قوله: “إن هذه النقطة مثّلت إشكالات أمنية بالنسبة للجانب التركي سابقاً وفي الوقت الحالي، تم اختيارها من تركيا لأهداف استراتيجية وأمنية” موضحاً أن “قسد” لا تملك السيطرة الفعلية الكاملة على هذا الجيب، ورغم أنها موجودة عسكرياً في المنطقة، لكن روسيا هي التي تسمح لها في التحرك فيها، فهي “المسيطر الأول والأخير”، حسب تعبيره.
كما أشار إلى أن العلاقة بين تركيا وروسيا في هذه المنطقة متأزمة، فالجانب التركي عندما يعلن عن عمل عسكري قريب في تل رفعت، فالفكرة الأساسية بالنسبة له تشكيل نوع من أنواع الضغط على الجانب الروسي بسبب الوجود الروسي الكثيف، وإذا حدث عمل عسكري لن يحدث اصطدام روسي- تركي، بل هو لإجبار الروس العودة إلى طاولة الحوار، وفق شعبان.
وتوقع الباحث أن تكون هناك مجرد استهدافات محدودة ومحاولات تقدم بسيطة، معتبراً أن ارتفاع حدّة التصريحات التركية قد تحصّل نتيجة وتشكل نوعاً من أنواع الضغط.
ويشير مراقبون إلى أن العملية العسكرية في تلك المنطقة مرهونة باللقاءات التركية-الروسية والتركية-الأمريكية، لتتفاوض تركيا مع الجانبين الروسي والأمريكي حول مستقبل التصعيد فيها.