خاص || أثر برس يستغرب البعض عند السماع عن صحراء بيضاء تخلو من الجمال والخيام، وقد يستغربون أكثر عندما يعرفون أن هذه الصحراء ليست في قلب شبه الجزيرة العربية، بل في سوريا، وتحديداً في منطقة القلمون.
تُعرف هذه الصحراء باسم محمية “تعوس الناصرية”، وتقع على طول الطريق القديم بين جيرود والناصرية جنوباً، وهو الطريق المعروف بـ”طريق العطنة القديم”، وتُعدّ هذه المنطقة وجهة مفضلة لأهالي المنطقة للتنزه والسهر في ليالي الصيف الحارة، وما يزيد من شهرتها مجاورتها لملاحة جيرود، وهي مصدر تاريخي وهام للملح الصخري الذي يستخدم في الصناعات مثل الصابون والدباغة.
وتبلغ مساحة ملاحة جيرود حوالي 1200 هكتار، وكانت في الأصل بحيرة ضخمة تبلغ سعتها 13 مليون متر مكعب من الماء، وجفت مع مرور الزمن بسبب التبخر والتحول المناخي.
“ثائر دياب” من أهالي جيرود وهو أستاذ لغة عربية، يشرح لـ”أثر” أن الاسم الأصلي للملاحة هو “ملاحة العطنة”، ولكن نظراً لأن مدينة جيرود أكبر وأشهر، شاع اسم “ملاحة جيرود”، ويضيف دياب أن هذه المنطقة، رغم حرارة نهارها، تتميز ببرودة ليلها بسبب الرطوبة العالية، ما يجعلها ملاذاً هادئاً ومنعشاً للعائلات لقضاء ليالٍ صيفية مميزة.
ويشير دياب إلى أنه بسبب قلة الأمطار، تشكلت بحيرة موسمية تتوسع وتتقلص بحسب كميات السيول، وعلى كتفها الغربي توجد برك مائية كانت منذ سنتين تجذب الزوار ومحبي صيد الأسماك، في مشهد أشبه بالخيال، حيث يمكن صيد الأسماك وسط الصحراء.
“وليد دكاك” من سكان جيرود أيضاً، يقول لـ”أثر” إنه تاريخياً، كانت ملاحة جيرود مصدراً للملح المستخرج بشكل طبيعي، حيث كان الملح يظهر على السطح خلال الصيف، أما في الشتاء فكانت تمتلئ الملّاحة بمياه الأمطار من السيول القادمة من عين التينة ومن منطقة القطيفة إلى بلدة معضمية القلمون إلى مدينة الرحيبة، لكنها الآن شبه جافة بسبب قلة السيول والحواجز الترابية التي تحد من وصول الماء.
ويقول “دكاك” إنه وبحسب ما يدل اسمها، فهي مصدر للملح وكان أبناء المنطقة يستخرجونه بأنفسهم منذ فترة الاحتلال الفرنسي، ثم باتت تابعة لشركة خاصة مسؤولة هي عن استخراجه.
قصة أخو سعدة:
يروي “دكاك” لـ”أثر” إحدى القصص الشائعة في المنطقة حول الملّاحات، وهي قصة “أخو سعدة”، تروي كيف سيطر البدو على الملاحة فترة من الزمن ومنعوا أهل جيرود من الاستفادة منها ما اضطر سكان جيرود لتهريب الملح منها، فتشاجر أهل جيرود مع هؤلاء البدو ووقع عداوات بينهم، حتى ظهر رجل من بيت محب الدين أخته اسمها سعدة، ركب فرسه وخرج لمواجهتهم، وقال جملته الشهيرة: “أخوك يا سعدة”، وانتصر عليهم، وتمكن من إعادة أهل جيرود للملّاحة.
يتحدث الصحفي فراس جبارة لـ”أثر” بأنه من سكان الناصرية القريبة من الملّاحات، مبيناً بأنه كانت تُستخرج من هذه الملّاحة مادة الجص أو الجبصين، وهي على شكل صفائح بلورية شفافة طولها وعرضها من 3-4 سم، ذات سطح لماع مائل للصفرة، ونظراً لجودتها تم إنشاء معمل جبصين طبي في جيرود، ومازال موجود لليوم لكنه متوقف عن العمل حالياً.
ويتمنى الصحفي جبارة لو يسلط الضوء على المنطقة أكثر من قبل الجهات الحكومية وتخديمها بشكل جيد لتصبح منطقة لسياحة لغالبية السوريين، وليس فقط أهالي جيرود ومحيطها.
تلال وجوارح:
إلى الشرق من الملاحة، تقع منطقة التعوس، وهي تلال رملية بيضاء تُعرف بجمالها وتستخدم في تصوير المسلسلات والأفلام، بالإضافة لكونها وجهة لصيد الطيور المهاجرة، تمتد على مساحة تقارب 300 هكتار وتشتهر بكثرة نبات الفطر الذي يجذب الزوار لاقتلاعه في موسمه.
وبالرغم من الأساطير التي تقول إنها أرض النبي لوط عليه السلام، يؤكد الخبراء أن هذا الاعتقاد لا أساس له من الصحة، وأنه مجرد إشاعة متوارثة بين السكان.
غياب الخدمات:
تبدو تعوس الناصرية وملاحات جيرود كأنها مخصصة لأهل المنطقة فقط، ولا يوجد أي ترويج سياحي لهما أو تعريف بهما إلا ما تيسر، وحتى خلال تنفيذنا لهذا التقرير عثرنا على معلومات قليلة جداً، ويقول الصحفي جبارة: ” نتمنى أن تكون المنطقة مُخدمة بشكل كامل، إذ كانت محط اهتمام السياح الأجانب والعرب”، ومن الأمور التي يأمل بتوفرها “الإنارة والأكشاك، ومحال تبع منتجات تراثية”.
ويعلق رئيس بلدية الناصرية ناهد هلال على هذا الأمر بحديثه مع “أثر” بأن التعوس ليست مصنفة كمنطقة سياحية وهي تابعة للمؤسسة العامة للجيولوجيا، التي تستفيد من الرمل الموجود في المكان لصنع الجبصين والزجاج.
وبالنسبة لتوفر الأكشاك والإنارة يوضح بأنه بمجرد توافد الناس ستتوفر هذه الأمور، فمن غير الممكن حالياً وضع أكشاك في ظل غياب السياح، وكذلك الأمر بالنسبة للإنارة وحتى المواصلات العامة، ويلفت لتجربة تعمل البلدية عليها بالتعاون مع محمية الناصرية، حيث من المقرر افتتاح حديقة غنية بالنباتات ستكون بمثابة متنفس لسكان المنطقة.
مودة بحاح