أثر برس

الصين وتايوان.. تاريخ صراع طويل

by Athr Press A

خاص|| أثر برس رغم التحذيرات الصينية التي سبقت الإعلان عن زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان، وتأكيد الجيش الصيني على أنه “لن يقف مكتوف الأيدي” إذا ما تم تهديد سيادة بكين وسلامتها، وصلت بيلوسي إلى جزيرة تايوان، في رحلة استفزازية، من الممكن أن تؤدي إلى صراع مفتوح بين واشنطن وبكين.

وسرعان ما أعلنت وزارة الدفاع الصينية أنها ستبدأ “سلسلة عمليات عسكرية محددة” رداً على الزيارة، حيث ستشمل العمليات إطلاق نيران مدفعية بعيدة المدى في مضيق تايوان، وإجراء تجارب صاروخية تقليدية في المناطق البحرية شرق الجزيرة، وفق ما أفادت صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية.

بينما انتقدت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية زيارة بيلوسي بشدة، مشيرةً إلى أنه ستكون لها عواقب كبيرة على المدى القصير والطويل، من خلال خطر تصعيد الحرب والمجازفة مع الصين، وصرف الانتباه عن أوكرانيا. واستذكرت الصحيفة أزمة مماثلة حدثت بين عامي (1995-1996)، حين بدأت الصين بإطلاق الصواريخ على تايوان بسبب زيارة رئيسها للولايات المتحدة، ثم تراجعت بكين تحت ضغط حاملات الطائرات الأمريكية.

تُمثّل تايوان قضية الصين المركزية، ويكمن جوهر الصراع بين الطرفين في أن بكين ترى تايوان مقاطعة منشقّة عن البر الصيني، تجب عودتها مهما كلّف الأمر، بينما يعتبر التايوانيّون أن لديهم أمّة منفصلة، ولو لم يتم إعلانها رسميّاً.

 

فماذا وراء الصراع بينهما؟

 

قضية تايوان اندلعت عام 1949، بعد أربعة أعوام من انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939-1945) وزوال الخطر الياباني الذي احتل أجزاء من الصين بما فيه جزيرة تايوان.

حيث أدى انتصار الشيوعيين بزعامة “ماو تسي تونغ”، على الحكومة القومية بقيادة “شيانغ كاي شيك”، إلى لجوء الأخيرة لجزيرة تايوان، ومعها احتياطات الصين من الذهب، وأعلنت مدينة تايبيه عاصمة مؤقتة لـ “جمهورية الصين”.

وسيطرت هذه الجماعة المعروفة باسم (الكومينتانغ) على السياسة التايوانية لسنوات عديدة، على الرغم من أنها تمثل 14% فقط من تعداد سكان تايوان، حتى عام 2000، حيث تم انتخاب “تشن وي بيان”، كأول رئيس لتايوان من خارج حزب (الكومينتانغ)، بينما أسس الشيوعيون “جمهورية الصين الشعبية”، وقد قال كلا الجانبين إنهما يمثلان الصين كلها.

وبفضل الدعم الأمريكي والغربي لتايبيه احتفظ القوميون بتمثيل الصين في الأمم المتحدة لغاية 1971، رغم سيطرة الشيوعيين على البر الرئيسي.

 

ما الذي أشعل نيران العداء مجدداً؟

 

كانت العلاقات بين الصين وتايوان تتحسن في الثمانينيات، وقد طرحت الصين صيغة تُعرف باسم “دولة واحدة ونظامان” تمنح بموجبها تايوان استقلالية كبيرة إذا قبلت إعادة توحيد الصين، واستمرت العلاقة الإيجابية بينهما في إطار الاتفاقيات الاقتصادية، لكن انتخاب رئيس جديد لتايوان عام 2000 من خارج حزب “الكومينتانغ”، الذي يفضّل إعادة التوحيد مع البر الصيني الرئيسي، أشعر بكين بالقلق، وخاصّة أن الرئيس المنتخب أيّد الاستقلال عن الصين بشكل صريح.

ورداً على ذلك، أصدرت الصين عام 2004 قانون “مناهضة الانفصال”، الذي ينص على حق الصين في استخدام “الوسائل غير السلمية” ضد تايوان إذا حاولت الانفصال عن الصين.

وفي العام 2016، انتخبت الرئيسة الحالية لتايوان “تساي إنغ ون”، التي تقود الحزب الديمقراطي التقدمي (DPP)، الذي يميل نحو الاستقلال الرسمي النهائي عن الصين.

 

خلاف حول الاعتراف بـ “تايوان” فمن يعترف بها؟

 

تعتبرالصين تايوان مقاطعة انفصالية تعهدت باستعادتها بالقوة إذا لزم الأمر، لكن قادة تايوان يقولون إنه من الواضح أنها أكثر من مجرد مقاطعة، مشددين على أنها دولة ذات سيادة.

ولدى تايوان دستورها الخاص، وقادتها المنتخبون ديمقراطياً، وحوالي 300 ألف جندي عامل في قواتها المسلحة.

زعمت “حكومة جمهورية الصين” في عهد شيانغ كاي شيك، التي فرت من البر الرئيسي إلى تايوان في عام 1949، في البداية أنها تمثل الصين بأكملها، إذ كانت تنوي إعادة احتلالها، وقد شغلت تلك الحكومة بالفعل مقعد الصين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، واعترف بها العديد من الدول الغربية باعتبارها الحكومة الصينية الوحيدة.

ولكن عام 1971، حوّلت الأمم المتحدة الاعتراف الدبلوماسي إلى بكين وتم إجبار “حكومة جمهورية الصين” على الانسحاب.

ومنذ ذلك الحين، انخفض عدد الدول التي تعترف بـ “حكومة جمهورية الصين” دبلوماسياً بشكل كبير إلى حوالي 15 دولة، وبالتالي إن وضع تايوان القانوني غير واضح أو محسوم.

 

ما مدى أهمية تايوان؟

 

تستثمر الشركات التايوانية حوالي 60 مليار دولار في الصين، ويعيش الآن ما يصل إلى مليون تايواني هناك، حيث يدير العديد منهم مصانع تايوانية.

لكن بعض التايوانيين يشعرون بالقلق من أن اقتصادهم يعتمد الآن على الصين، فيما يعتقد البعض الآخر أن توثيق العلاقات التجارية يجعل العمل العسكري الصيني بعيد الحدوث، لما قد يكون له من تكلفة كبيرة على الاقتصاد الصيني.

وتحتكر تايوان لوحدها أكثر من ثلثي إنتاج العالم من الرقائق الإلكترونية “أشباه الموصلات” التي تدخل في صناعة السيارات والطائرات والأسلحة وكل ما هو إلكتروني تقريباً. فتايوان مصنفة في المرتبة 22 عالمياً من حيث الناتج الإجمالي الخام الذي بلغ 668.5 مليار دولار في 2020، بحسب موقع “ترايدينغ إكونوميكس”، وتعتبر من الاقتصادات الآسيوية القوية والصاعدة.

 

تحرّش أمريكي في العلاقات الصينية التايوانية

 

كثفت الولايات المتحدة تواصلها مع تايوان وطمأنت تايبيه على دعمها المستمر، منذ إعلان الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لمواجهة روسيا والصين في العالم بعهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2016، للمحافظة على هيمنتها، رغم أن واشنطن قطعت العلاقات مع تايوان منذ العام 1979.

وأرسلت في أيلول 2020، مسؤولاً رفيع المستوى في وزارة الخارجية إلى الجزيرة في أول زيارة رسمية من نوعها منذ عقود.

وانتقدت بكين بشدة الاجتماع حينها، وحذرت الولايات المتحدة من عدم إرسال أي إشارات خاطئة لعناصر استقلال تايوان، لتجنّب إلحاق ضرر شديد بالعلاقات الصينية الأمريكية.

وخلال تلك الزيارة المثيرة للجدل، أجرت الصين تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية في الممر المائي الذي يفصل الجزيرة عن البر الرئيسي.

تصرّ الصين على ضرورة تمسك الولايات المتحدة الأمريكية بمبدأ “صين واحدة”، وبنود البيانات الثلاثة المشتركة بين الصين والولايات المتحدة، والوفاء بتعهدات “اللاءات الخمس” التي قطعتها القيادة الأمريكية، وهي عدم السعي إلى “حرب باردة جديدة”، وعدم السعي إلى تغيير نظام الصين، وألا يكون تنشيط تحالفاتها موجّهاً ضد الصين، وعدم دعم ما يسمى “استقلال تايوان”، وعدم السعي إلى صراع مع الصين.

 

علي أصفهاني

اقرأ أيضاً