خاص|| أثر برس رغم الأجواء الاحتفالية التي غمرت السوريين الأسبوع الفائت بمناسبة عيد الفطر المبارك، والذي اعتبروه الأبهج منذ سنوات طويلة بعد التحرر من حكم نظام الأسد، إلّا أن الوضع الاقتصادي ما يزال يشكل تحدياً كبيراً أمامهم. فبعد انتصار الثورة، وانتهاء حقبة طويلة من الألم والمعاناة، يواجه السكان أوضاعاً معيشية قاسية، تفاقمت بسبب انخفاض الدعم الدولي وضرورة إعادة بناء البنية التحتية المدمرة.
إذ تعاني سوريا من أزمة مالية طاحنة في ظل العقوبات الدولية المشددة، مما يزيد من أعباء الدولة الناشئة التي ورثت مؤسسات منهكة وعملة محلية متراجعة القيمة. وهكذا، يصطدم المواطنون بواقع مرير بعد الحرب، حيث الغلاء والفقر وانعدام الفرص الوظيفية، مما يهدد بتحول النصر السياسي إلى كابوس اقتصادي إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة لإنقاذ الوضع.
وبحسب الخبراء، فإن العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا من قبل الغرب تبقى القضية الأكثر إلحاحاً في المشهد السوري، ومن أولى الأولوياترفعها. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة وأوروبا تتباطآن في اتخاذ أي خطوات جادة، وتتجاهلان دعوات الإدارة السورية الجديدة المطالبة برفع كامل وغير مشروط للعقوبات.
ناهيك عن أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، فرض في نهاية الأسبوع الماضي، رسوماً جمركية على معظم دول العالم بينها سوريا. شملت البضائع التي يتم تصديرها من أمريكا إلى سوريا بنسبة 41%، وهي النسبة الأعلى بين الدول العربية المشمولة بالقرار، كما بلغت نسبة الرسوم الجمركية المفروضة على البضائع التي تأتي من سوريا إلى أمريكا 81%.
وبموازاة ذلك، سلمت واشنطن البعثة السورية لدى الأمم المتحدة بالأمس مذكرة تنص على تغيير وضعها القانوني من بعثة دائمة لدولة عضو لدى الأمم المتحدة إلى “بعثة لحكومة غير معترف بها من قبل الولايات المتحدة” وتضمّنت المذكرة كذلك إلغاء التأشيرات الممنوحة لأعضاء البعثة من فئة G1 المخصصة للدبلوماسيين المعتمدين لدى الأمم المتحدة، إلى فئة G3.
وفي الفقرة الأخيرة من المذكرة، أشار الوفد إلى ما يأتي: “تتضمن المذكّرة إعلاناً صريحاً ومباشراً بعدم اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالحكومة الانتقالية السورية الحالية، وقد تتبعها خطوات مماثلة لجهة عدم الاعتراف من قبل دول أخرى تشاطر الإدارة الأمريكية بعض مشاغلها”.
وبالتالي، وبنظر الخبراء، فإن واشنطن تسير بخطى ثابتة نحو إضعاف أو ربما إقصاء الإدارة السورية الحالية سياسياً لاعتبارات مختلفة. ومسألة رفع العقوبات عالقة في الأدراج المغلقة لفترة طويلة. خصوصاً وأن هيئة تحرير الشام التي تنتمي إليها غالبية أعضاء الحكومة السورية والرئيس نفسه، لا تزال الحكومة الأمريكية تصنفها كمنظمة إرهابية أجنبية، ومن المستبعد أن يتم تغيير هذا التصنيف.
إلا أنه وفي المقابل، تعمل الحكومة السورية الحالية على بناء علاقات استراتيجية ومميزة مع دول أخرى، منخرطة في الشأن السوري كتركيا وروسيا. فتركيا من جهة، كانت الداعم الأقوى للثورة السورية وهي لازالت الحليف الأول للإدارة السورية التي تمخضت عن انتصار الثورة. وهو ما تجلى في الواقع من دعم إقتصادي وسياسي وعسكري للسوريين رغم الحصار الاقتصادي الغربي.
إلّا أن تركيا لديها صعوبات اقتصادية داخلية مرتبطة بالتضخم المرتفع وزيادة البطالة وغيرها من العوامل الأخرى التي تشكّل عائقاً لتقديم الدعم السخي الذي ترغب به لسوريا وشعبها. كما أن الوجود الأمريكي في شمال شرق سوريا ودعمه لقوات سوريا الديمقراطية التي تشكل تهديداً للأمن القومي التركي، يشكل عراقيل سياسية وأمنية كثيرة في وجه أنقرة.
وروسيا من جهة أخرى، هي صديق تاريخي للدولة السورية حتى قبل ولادةحكم عائلة الأسد، والشواهد على ذلك كثيرة.
وموسكو اليوم تقوم بخطوات فعالة على الأرض، وهي مهتمة ببناء علاقات جيدة مع الإدارة السورية الجديدة، وتعزيز التعاون. كما أن حرصها على أهمية إعادة البناء في سوريا، جعلها تدعم البلاد من خلال توريد السيولة النقدية وإرسال شحنات النفط والغاز لتشغيل محطات الطاقة.
إذ وصلت عدة بواخر روسية محملة بالنفط الخام والبنزين إلى الساحل السوري خلال شهر. كما قدمت موسكو نحو 23 مليون دولار للعملة السورية إلى البنك المركزي في دمشق، وفق تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية. وكل هذا يساهم في تخفيف العبء الإقتصادي على السوريين ويعزز العلاقات بين البلدين.
في سياق آخر، قال متعاملون أوروبيون إن مشترياً حكومياً للحبوب في سوريا طرح مناقصة دولية لشراء نحو 100 ألف طن من قمح الطحين، على أن يكون الشحن خلال 45 يوماً من تاريخ منح العقد. واشترت سوريا نحو 100 ألف طن من القمح في مناقصة سابقة، كانت أول عملية شراء كبرى في مناقصة دولية منذ وصول الإدارة الجديدة إلى السلطة في أواخر العام الماضي.