زياد غصن- أثر برس
فيما كانت الانتقادات الداخلية تلاحق إدارة الرئيس جو بايدن لعدم فرضها مزيد من العقوبات الاقتصادية على سوريا وحلفائها، كان ثمة اعتقاد لدى بعض المهتمين بالشأن السياسي في المنطقة، مفاده أن واشنطن قد تخفف من حدة العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على دمشق بحجة الظروف الإنسانية، في حين أن هدفها الأساسي يتمثل في توجيه بادرة “حسن نية” لبعض الأطراف الدولية المعنية بالملف السوري، وفي مقدمتها روسيا الاتحادية.
وجاء القرار الأمريكي الأخير برفع العقوبات المفروضة سابقاً على شركتين عائدتين لرجل الأعمال السوري المعاقب غربياً سامر الفوز، ليدعم هذا الاعتقاد، ويعزز من التوقعات القائلة بوجود “حلحلة” دولية قريبة لجميع ملفات المنطقة الساخنة، وفي مقدمتها ملف الأزمة السورية، وملف الاتفاق النووي الإيراني.
تحليل الموقف الأمريكي من الأزمة السورية وإمكانية حدوث متغيرات جوهرية تؤسس لانفراجات ما، يتطلب أولاً الوقوف على خلفية القرار الأمريكي برفع العقوبات عن شركتي رجل الأعمال الفوز، ومن ثم البحث في الملفات والتطورات التي من شأنها التأثير سلباً أو إيجاباً على منحى مسار العقوبات الغربية عموماً والأمريكية خصوصاً.
في النقطة الأولى، يؤكد مصدر خاص في مجموعة شركات سامر الفوز لـ”أثر برس” أن رفع العقوبات عن الشركتين المذكورتين، لم يكن أكثر من مراجعة أمريكية روتينية لقرارات العقوبات السابقة. وعلى اعتبار أن الشركتين الموجودتين في الإمارات العربية المتحدة قد جرى إغلاقهما بعد أن شملتهما العقوبات الأمريكية في الفترة الماضية، وتالياً لم يعد لاستمرار وجودهما على لائحة العقوبات الأمريكية أي معنى، فقد صدر القرار الأمريكي بشطب الشركتين من لائحة العقوبات. ونفى المصدر وجود أسباب أخرى للخطوة الأمريكية، لاسيما وأن الإدارة الأمريكية أعادت تجديد عقوباتها المباشرة على مالكي الشركتين في القرار نفسه.
وبذلك فإن قرار رفع العقوبات عن شركتي الفوز، ليس له أي دلالات سياسية، الأمر الذي يفرض ضرورة مقاربة مستقبل العقوبات الأمريكية على سوريا من منظور آخر، لكن مع الإشارة إلى أن حدوث أي تحول إيجابي مفاجئ في موقف الإدارة الأمريكية من مسألة العقوبات غير مستبعد بالنظر إلى السرية الكبيرة التي تغلف عادة مباحثات واشنطن وموسكو من جانب، ووجود سوابق بإعلان اتفاق مفاجئ حول مسائل معينة، كالاتفاق على إتلاف المخزون السوري الكيميائي في العام 2013. من جانب آخر.
إذاً ما هي السيناريوهات المتوقعة لمسألة العقوبات الأمريكية على سوريا؟
مع الأخذ بعين الاعتبار عدم استبعاد إمكانية حدوث تغيير ما في موقف إدارة بايدن لسبب من الأسباب، فإن سيناريوهات مستقبل العقوبات ترتبط عموماً بالتطورات التي يمكن أن تشهدها ملفات حيوية وأساسية، أبرزها ثلاثة ملفات هي:
-العلاقات الأمريكية الروسية والتي تعيش حالياً حالة من التوتر جراء تراجع التنسيق والتواصل منذ نهاية عهد إدارة أوباما، وربما تكون التصريحات التي أدلى بها الرئيس بايدن مع بداية تسلمه مهامه، والتي وصف فيه الرئيس بوتين بعبارات غير مسبوقة، دلالة كافية لتصور ماذا ينتظر علاقات البلدين خلال السنوات الأربع القادمة، وانعكاسات ذلك على الملفات الدولية المشتركة، ومن بينها بالطبع الأزمة السورية وسياسة كلا الدولتين تجاهها، مع الإشارة هنا إلى أن حدوث تقارب في وجهات نظر الدولتين حيال بعض الملفات -إن حدث- لا يعني بالضرورة انسحاب ذلك على الأزمة السورية، التي تارة تتقدم في أولويات السياسة الأمريكية الخارجية، وتارة أخرى تتأخر.
ومسألة العقوبات على دمشق قد تكون من بين سلة مقترحات تطرح للنقاش والعمل بين سياسيي البلدين، وربما هي الورقة الأقل أهمية بين مجمل الأوراق السياسية التي يمكن أن تفاوض عليها واشنطن في المرحلة الأولى من مشروع حوار طويل لإيجاد تفاهم مشترك حول مصير الأزمة السورية ومسارها المستقبلي.
-التطورات المتعلقة بالأزمة السورية، لاسيما ذات البعد الإنساني، كملف إيصال المساعدات الإنسانية عبر المعابر الحدودية المطروح على مجلس الأمن، والذي قد يكون أولى بوادر التوافق الأمريكي الروسي على صعيد الأزمة السورية، فواشنطن التي تؤيد تمديد العمل بقرار مجلس الأمن القاضي بإيصال المساعدات الإنسانية إلى الداخل السوري عبر أربعة معابر، اثنين مع تركيا، واحد مع العراق، وآخر مع الأردن، قد تضطر إلى إجراء مقايضة لضمان الموافقة الروسية على المشروع، وذلك من خلال تخفيف أو تجميد أو إلغاء العمل ببعض العقوبات المفروضة على دمشق، تماماً في خطوة مشابهة لما أقدمت عليه واشنطن مع انطلاقة مفاوضاتها مع طهران لإعادة إحياء العمل بالاتفاق النووي.
وفي المقابل، فإن فشل الدولتين في التوصل إلى صيغة مشتركة حيال المشروع المطروح على مجلس الأمن، سينعكس سلباً على مستوى العقوبات، التي قد تتوسع لتشمل مجالات عديدة، كما كانت تخطط إدارة ترامب من خلال مشروعها الرامي إلى توسيع عمل قانون قيصر ليشمل حلفاء دمشق والمتعاملين معها اقتصادياً.
-الملف الثالث، ويرتبط بالنتائج التي يمكن أن تخلص إليها المفاوضات الجارية بين واشنطن وطهران لإعادة العمل بالاتفاق النووي الموقع سابقاً. إذ إن نجاح المفاوضات المذكورة من شأنه التمهيد لمفاوضات أشمل بين الجانبين، قد تشمل “تبريد” ملفات المنطقة الساخنة كأمن الخليج، اليمن، سوريا، لبنان، والصراع العربي الإسرائيلي. وبالطبع ستكون هنا العقوبات على سوريا إحدى النقاط الأولى الحاضرة في أي حوار أمريكي إيراني.
لذلك كله، فإنه من السذاجة توقع تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عن سياسة العقوبات تجاه دمشق أياً كانت التكلفة الإنسانية الباهظة لهذه العقوبات، أو مستوى تعقيدها لجهود بلورة حل سياسي يوقف الكارثة الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية التي حلت بهذا البلد… فما الذي تريد واشنطن أن تساوم عليه مقابل العقوبات؟