خاص|| أثر برس شكّلت زيارة رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى سوريا، ولقائه الرئيس بشار الأسد، نقلة فعلية للعلاقات السياسة والاقتصادية السورية- العراقية، التي حافظت على الرغم من التحديات والأزمات التي مرت بها المنطقة، على متانتنها نظراً لقوة الروابط التي تجمع البلدين من جهة، ولأهمية السوقين العراقية والسورية لبعضهما البعض من جهة أخرى، خصوصاً أنّ الدبلوماسية الثنائية السورية- العراقية شهدت في الأعوام الثلاثة الماضية نشاطاً متميزاً على مستوى العلاقات الثنائية ولاسيما الاقتصادية منها.
وأدت الحرب في سوريا والعراق، وانتشار الفصائل المسلّحة على المناطق الحدودية، إلى تراجع حجم التعاون الاقتصادي والتبادلات التجارية بين البلدين، بعد أن حققت نقلة نوعية في نهاية العقد الأول من القرن العشرين، إذ تأتي زيارة رئيس مجلس الوزراء العراقي لسوريا في جانب منها، لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين دمشق وبغداد، وهذا ما أكّده الرئيس الأسد في المؤتمر الصحفي الذي أجراه اليوم مع السوداني، عندما قال: “العلاقات الاقتصادية البينية ستكون محور المباحثات لاحقاً بما ينعكس على البلدين ويخفف من الحصار المفروض على سوريا”، فما هي أهمية العلاقات الاقتصادية السورية- العراقية في ظل التحديات التي تواجهها كلا البلدين؟
التبادل التجاري بين سوريا والعراق
تحظى العلاقات الاقتصادية بين سوريا والعراق بأهمية كبيرة، للموقع الجغرافي بينهما، ما يساعد على تطوير العلاقات التجارية بين البلدين بأسلوبٍ يقلل تكاليف النقل وزيادة حجم التبادل التجاري والاقتصادي، إذ إنّ معظم المبادلات التجارية بين البلدين تتضمن مواد خام أولية وغذائية، ما يؤدي إلى تقسيم المكاسب التجارية بينهما، غير أنّ الظروف والمشاكل السياسية والأمنية التي مرّت بها سوريا والعراق حالت من دون تحقيق معدلات نمو عالية في حجم التبادل التجاري الثنائي المشترك.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين سوريا والعراق عام 2007 نحو 67.7 مليون دولار للسلع غير النفطية، منها 53.6 مليون دولار مستوردات سوريا من العراق، و14.1 صادرات سوريا إلى العراق، ومن ثم ارتفعت عام 2008 إلى 175 مليون دولار، منها 114.4 مليون دولار مستوردات و60.6 صادرات، لكن في العامين 2007 و2008 كان الميزان التجاري بين البلدين خاسراً بالنسبة لسوريا، إذ سجّل عجزاً بنحو 39.5 مليون دولار، و53.8 مليون دولار لكل منهما على التوالي.
وفي المدة بين (2009- 2013) سجّل الميزان التجاري بين البلدين فائضاً لصالح سوريا، فشهدت الصادرات السورية إلى العراق عام 2009 نمواً واضحاً، حيث ارتفعت إلى 165 مليون دولار مقابل مستوردات بلغت 85.9 مليون دولار، وبذلك سجّل الميزان التجاري فائضاً لصالح سوريا بقيمة 79.1 مليون دولار، وحقق الميزان التجاري بين البلدين ارتفاعه الأكبر في المدة المذكورة عام 2011، حيث ارتفعت صادرات البلاد 623.2 مليون دولار مقابل تسجيل الصادرات نحو 96 مليون دولار، وبذلك بلغ الفائض التجاري بين البلدين نحو 518 مليون دولار، ومن ثم انخفاض التبادل التجاري بين البلدين عام 2013 إلى 277.6 مليون دولار؛ بسبب تضرر الاقتصاد السوري جرّاء الحرب وانخفاض قيمة الصادرات السورية إلى العراق إلى 226 مليون دولار، في مقابل انخفاض الاستيرادات إلى 51.6 مليون دولار.
ويعيد خبراء الاقتصاد سبب الارتفاع الكبير في حجم المستوردات العراقية من سوريا عام 2011 إلى ارتفاع درجة الانكشاف التجاري لدى العراق مع سوريا، التي بلغت حينها 44% نتيجة اعتماد العراق على السلع السوريّة؛ لزيادة الطلب المحلي عليها، إضافة إلى تأثير ارتفاع مستوى الانفاق الاستهلاكي العراقي وارتفاع أسعار النفط وانخفاض الاستثمار العراقي في القطاع الزراعي والصناعي نتيجة الأضرار الكبيرة التي لحقت بالعراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003، لذلك كان الاعتماد حينها على المنتجات السورية كبير جداً.
وبعد عام 2015 انخفضت التبادلات التجارية انخفاضغً كبيراً بين البلدين؛ لإغلاق المعابر الحدودية الثلاثة، وكان آخرها معبر “البوكمال- القائم” الذي أُغلق عام 2015، بعد أن سبقه إلى الإقفال معبر “التنف- الوليد” في القسم الجنوبي من الحدود مع العراق، ومعبر “اليعربية- ربيعة” شمالاً، لانتشار الفصائل المسلحة، والاقتصار على تبادلات قليلة جداً كانت تتم عبر النقل الجوي.
إعادة افتتاح معبر “البوكمال- القائم”
بعد أن استعاد الجيش السوري والقوات الرديفة السيطرة على مدينة البوكمال ومحيطها في الـ19 من تشرين الثاني عام 2017، دعا وزير الخارجية السوري السابق وليد المعلم في 14 من حزيران 2018 برسالة وجهها إلى نظيره العراقي إبراهيم الجعفري آنذاك، إلى تكثيف الجهود من الجانب العراقي لإعادة افتتاح المنفذ الحدودي بين سوريا والعراق بين مدينتي القائم والبوكمال. بحسب الوكالة السورية للأنباء “سانا”.
وشكّل افتتاح المعبر حينها انتصاراً لسوريا والعراق، ولاسيما أن إغلاق المعابر كان خطة غربية للتأثير في الاقتصادين السوري والعراقي وفق محللين، وافتُتح المعبر للمرة الأولى في 30 أيلول من عام 2019 بعدما استعاد الجيش السوري السيطرة على مدينة البوكمال بتاريخ 19 تشرين الثاني 2017، ودخلت أول قافلة منه تقل زواراً إلى الأراضي السورية قادمة من الأراضي العراقية بعد مرور نحو 25 يوماً.
إنشاء غرفة تجارة مشتركة
وسبق افتتاح المعابر الحدودية، الاتفاق على إنشاء غرفة تجارة مشتركة بين سوريا والعراق في 10 كانون الثاني 2017، عقب زيارة وفد كبير من رجال الأعمال العراقيين إلى دمشق على هامش معرض “التصدير التقانة”، بمبادرة من اتحاد المصدرين السوريين حينها، وهدفت تلك الزيارة إلى إعادة إحياء التبادل التجاري والعمل على إزالة العقبات أمام وصول المنتجات السورية إلى العراق وبالعكس، وهو ما أكده رجل الأعمال العراقي مازن جواد، بقوله: “سوريا تمتلك على الرغم من الحرب منتجات بنوعيّة وسعر مقبولين، بينما يمتلك العراقيون المال، وبهذه الصيغة يمكن التعاون وعقد الصفقات، خصوصاً في ضوء انخفاض التكلفة، لانعدام الرسوم الجمركية بين البلدين”، وفقاً لما نقلته صحيفة “الأخبار” اللبنانية.
وفي عام 2020، انخفض مستوى التبادل التجاري بين البلدين عبر المنفذ الحدودي؛ بسبب جائحة فيروس كورونا، الذي تسبب بتوقف رحلات المسافرين العراقيين، وانخفاض عدد شاحنات البضائع السوريّة التي كانت تحمل مواد غذائية، بالإضافة إلى الفواكه والخضراوات، إلى 10 شاحنات بعد أن كانت تدخل يومياً نحو 50 شاحنةً، وفقاً لما نقلته وكالة “سبوتنيك” الروسية.
وبحسب البيانات الأخيرة الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء في سوريا التي اطّلع عليها “أثر برس”، جاءت العراق عام 2021 بالمرتبة الرابعة بين الدول العربية من جهة حجم التبادل التجاري مع سوريا بعد مصر ولبنان والسعودية، إذ بلغت قيمة التبادلات التجاري (صادرات ومستوردات) نحو 791 مليار ليرة سوريّة، منها 10.3 مليار ليرة مستوردات من العراق إلى سوريا، و780.7 مليار ليرة صادرات سوريا إلى العراق، وذلك بنسبة 15% من إجمالي التجارة الخارجية السوريّة مع الدول العربية.
الحالة الأمنية من أهم التحديات التي تواجه البلدين
تواجه سوريا والعراق عدداً من التحديات المشتركة التي تطرّق إليها الرئيس الأسد ورئيس الحكومة العراقية في المؤتمر الصحفي المشترك اليوم، والتي تعد عائقاً أمام التعاون الاقتصادي بين البلدين، من بينها الحالة الأمنية، التي ما تزال تشكّل خطورة على حركة التبادلات التجارية البرية، ويسعى البلدان في هذا الإطار حالياً إلى زيادة مستوى التنسيق المشترك؛ لرفع مستوى الحالة الأمنية والاستقرار في المنطقة الحدودية، ما سيسهّل عملية انسياب التبادلات التجارية بينهما، وهذا ما أشار إليه رئيس الوزراء العراقي عندما أكّد أنّ “التنسيق الدائم بين البلدين هو السبيل الأمثل لمواجهة التحديات المشتركة وخصوصاً الإرهاب ونقص المياه”، بالإضافة إلى ذلك التحديات الأخرى المرتبطة بتجارة المخدرات وقضية اللاجئين.
قصي المحمد