تزامناً مع الأزمة الروسية ـ الأوكرانية، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، أمس الثلاثاء، فرض الولايات المتحدة حظراً على واردات النفط والغاز الروسية، فيما أعلنت بريطانيا عن وقف تدريجي لاستيراد النفط من روسيا، ليتوقف تماماً بنهاية العام الجاري 2022.
حيث قال بايدن في كلمة متلفزة: إن “قرارنا حظر جميع واردات النفط والغاز الروسية جاء بالتشاور مع حلفائنا”، مضيفاً: “هذا القرار لن يكون بلا ثمن في الولايات المتحدة.. وسنبذل ما يلزم لتخفيف تأثر المواطنين الأمريكيين بالعقوبات على روسيا”.
بدوره، نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك أكد في وقت سابق، أن حظر النفط الروسي سيؤدي إلى عواقب وخيمة على السوق العالمية، ما يجعل الأسعار تقفز إلى 300 دولار للبرميل أو أكثر.
وعقب إعلان بايدن حظر جميع واردات النفط الروسية، قفز خام برنت صعوداً فوق 132 دولاراً للبرميل.
أيضاً، لامست أسعار الغاز الأمريكية أعلى مستوياتها على الإطلاق في أعقاب الأنباء المتعلقة بحظر واردات النفط الروسية، حيث ارتفع غالون الغاز العادي إلى مستوى قياسي بلغ 4.173 دولاراً أمس الثلاثاء، بعد أن كان الرقم القياسي السابق 4.114 دولار في تموز من عام 2008.
كما، سجل متوسط سعر غالون البنزين في الولايات المتحدة الأمريكية ارتفاعاً قياسياً حيث بلغ 4.14 دولاراً أمريكياً، وقد كسر هذا السعر الرقم القياسي السابق البالغ 4.11 دولار للغالون، والذي سُجل منذ تموز 2008، مع الإشارة إلى أن الغالون الأمريكي يساوي 3.78 لتر، وفقاً لموقع “سي إن إن”.
وفي وقت سابق قال الرئيس الأمريكي إن أسعار البنزين سترتفع في أمريكا بسبب نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
لماذا تُفرض العقوبات؟
العقوبات هي وسيلة تستخدمها الدول لمعاقبة دول أخرى، أو قادة دول أخرى، أو سياسيين، ويمكن أن تتضمن العقوبات حظر السفر وحظراً على الأسلحة.
أبرز العقوبات التي فُرضت على روسيا:
شملت العقوبات “البنك المركزي الروسي، وإبعاد روسيا عن نظام سويفت الذي يسمح بتحويل الأموال بشكل سهل بين الدول المختلفة، وتجميد أصول بنوك روسية واستبعادها من النظام المالي البريطاني، وتعليق تراخيص التصدير للسلع التي يمكن استخدامها في أغراض مدنية وعسكرية، وقف تصدير السلع ذات التقنية العالية، ومعدات تكرير النفط، استهداف قطاع الطاقة بمنع الصادرات التي يحتاجها قطاع إنتاج الطاقة في روسيا، علاوة على استهدافها لعدد من الأشخاص البارزين وعلى رأسهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين..”.
ماذا يعني الحظر الأمريكي للنفط الروسي؟
نشرت صحيفة “الإندبندنت” مقالاً عن العقوبات المفروضة على موسكو، تحت عنوان “جميعنا سيشعر بألم العقوبات المفروضة على روسيا”.
وأوضحت الصحيفة في مقالها أن “روسيا ستخسر أرباحاً ثمينة من النقد الأجنبي، بينما سيعاني خصومها من ارتفاع أسعار الغذاء والوقود”، مضيفة: “كما هو الحال دائماً، فإن أفقر الناس، الذين يعيشون في أفقر دول العالم سيتضررون بشدة، حيث قد يصل سعر برميل النفط إلى مستويات عالية جديدة، ربما يصل إلى 200 دولار أو 300 دولار، وهو يبلغ نحو 130 دولاراً.. قد لا يكون هناك مفرّ من موجة أخرى من التضخم والركود.. الألم الاقتصادي الناتج عن العقوبات سيظهر في كل ركن من أركان العالم..”.
أيضاً، سيكون لفرض عقوبات على صناعة النفط الروسية تأثير أكبر على موسكو من الحد من تدفقات الغاز الطبيعي، لأن عائدات النفط الروسية أعلى وأكثر أهمية لميزانيتها الحكومية.. إذ جنت روسيا أكثر من 110 مليارات دولار أمريكي في عام 2021 من صادرات النفط، أي ضعف أرباحها من مبيعات الغاز الطبيعي في الخارج، حسبما ورد في تقرير لموقع the Conversation الأسترالي.. ولكن محاولة فرض أي عقوبات على صادرات النفط الروسي دون إيجاد بدائل من شأنها رفع أسعار الخام إلى مستويات فلكية، في وقت يشتعل فيه التضخم العالمي لمستويات قياسية، بما في ذلك الدول الغربية الرئيسية مثل ألمانيا والولايات المتحدة”.
ومما يزيد المخاوف من تأثير فرض حظر على تصدير النفط الروسي، أن وكالة الطاقة الدولية (IEA) زادت من توقعاتها لنمو الطلب في عام 2022، مشيرة إلى أن الطلب العالمي على النفط سيزداد بمقدار 3.2 مليون برميل يومياً هذا العام إلى مستوى قياسي يبلغ 100.6 مليون برميل يومياً، بحسب مراقبين.
وتعد روسيا اليوم ثاني أكبر منتج للنفط الخام في العالم، بعد الولايات المتحدة وقبل السعودية، ويتم شحن أكثر من نصف صادرات روسيا من النفط حوالي 2.5 مليون برميل يومياً إلى الدول الأوروبية، ما يقرب من ثلثها يصل إلى أوروبا عبر خط أنابيب دروزبا عبر بيلاروسيا.
ويعد قطاع الطاقة في روسيا مفتاحاً لاقتصادها، حيث كانت ثالث أكبر منتج للنفط الخام في عام 2020، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
ويقطع حظر النفط الخام واحدة من أكبر العلاقات المتبقية التي تربط بين الاقتصادين الأمريكي والروسي.
وتعتمد روسيا بشدة على شركاتها النفطية لتمويل حكومتها وجيشها، وتعتمد الولايات المتحدة على النفط الروسي، إلى حد ما ، للحفاظ على استقرار إمدادات البنزين لديها.
وإذا اتبعت الدول الأخرى خطى الولايات المتحدة، فإن تجارة النفط الروسية الضخمة ستعاني من انخفاض كبير في الطلب.
بعد حظر تصدير النفط الروسي، ما هي البدائل للغرب؟
من المحتمل أن تطلب الولايات المتحدة وغيرها من أعضاء مجموعة السبع من دول الشرق الأوسط وخاصة دول الخليج والعراق، توجيه بعض نفطها إلى أوروبا، بحسب مراقبين.
ولكن اللافت أن دول الخليج لم تبدُ متحمسة لتلبية الطلب الغربي، وأعلنت منظمة “أوبك”، مؤخراً أن دول مجموعة “أوبك+” وافقت على زيادة إنتاج النفط بمقدار 400 ألف برميل يومياً في شهر نيسان 2022، وهي زيادة سيكون نصفها من السعودية وروسيا.
وهنا يجب تذكر أن الإمارات وهي واحدة من أكبر الدول المنتجة للنفط وحليف مهم للولايات المتحدة امتنعت عن إدانة العملية الروسية في أوكرانيا في مجلس الأمن، بعد أن أقامت علاقة وثيقة خلال السنوات الماضية مع موسكو، ولكن ما يهم أمريكا حقاً هو موقف السعودية، فقد تواجه العلاقات الأمريكية السعودية اختباراً حاسماُ.. إذ تتمتع الرياض بإمكانية توفير كميات نفط احتياطية كبيرة بما في ذلك طاقة إنتاج احتياطية تقدر بنحو مليوني برميل، وهي أقل قليلاً من نصف مجمل صادرات روسيا، بحسب مراقبين ومحللين سياسيين.