خاص|| أثر برس شهد الشهران الماضيان تحولاً لافتاً في نهج الضربات التي كانت تنفذها مجموعات “قوات تحرير عفرين” ضد القوات التركية والفصائل الموالية لها بريف حلب الشمالي، والتي تطورت من الاقتصار على ضرب الدوريات المتحركة سواء التركية أم دوريات الفصائل، إلى حد الاستهداف المباشر للقواعد التركية.
نجم “قوات تحرير عفرين” يلمع في سماء شمالي حلب
وفي ظل تلك الضربات المتلاحقة، لمع اسم مجموعات “قوات تحرير عفرين” لمعاناً لافتاً في الآونة الأخيرة، وعلى الرغم من إصرار أنقرة في تصريحاتها كافة على أن تلك المجموعات تابعة لـ “قسد”، فإن مصادر مطلعة على الواقع الميداني في ريف حلب الشمالي الغربي، أوضحت أن عناصر “تحرير عفرين” هم من المقاتلين الأكراد الذين انسحبوا من منطقة عفرين إبان الغزو التركي للمنطقة، وخرجوا على إثر ذلك من عباءة “قسد” متخذين لأنفسهم نهجاً قتالياً خاصاً.
ومنذ تجمع أولئك المقاتلين قبل نحو ثلاث سنوات، عملوا على تنفيذ سلسلة متتالية من الهجمات المتنوعة باتجاه تحركات قوات أنقرة وفصائلها وخاصة في منطقة عفرين، قبل أن يتوسعوا منتصف العام الماضي ويمتدوا في هجماتهم لمنطقة أعزاز أيضاً، متخذين من الجيوب والمواقع الحصينة في المنطقتين، عفرين وأعزاز، مركزاً لتجمعهم ومنطلقاً لتنفيذ عملياتهم العسكرية.
وإلى ما قبل منتصف شهر أيار الماضي، كان تركيز “قوات تحرير عفرين” موجهاً لضرب دوريات فصائل أنقرة ضمن الأجزاء الجنوبية والشرقية من منطقة عفرين على وجه الخصوص، مع امتداد تلك الضربات امتداداً محدوداً إلى ريف منطقة أعزاز والقرى التابعة لها التي تخضع لسيطرة الفصائل الموالية لتركيا، إذ أسفرت تلك العمليات عن مقتل وإصابة أعداد كبيرة من الأتراك ومسلحي الفصائل، قدّرت بعض المصادر لـ “أثر” أنها تجاوزت المئتين، ما بين مسلحين وجنود أتراك.
تحول نهج الاستهداف لقوات أنقرة.. والبداية من “كلجبرين“
تاريخ السادس والعشرين من شهر حزيران الماضي، حمل معه بداية الكوابيس الحقيقية للقوات التركية المنتشرة في ريف حلب الشمالي، والتي كانت تظن أنها ستكون بمأمن من ضربات “تحرير عفرين” في حال انكفائها ضمن قواعدها الحصينة المتمركزة في الشمال، مع زيادة توخي الحذر في عمليات استبدال مناوبات جنودها في تلك القواعد.
فقبيل حلول منتصف ليل ذلك اليوم، فوجئت القوات التركية المتمركزة داخل قاعدة “كلجبرين” في ريف منطقة أعزاز، بسيل من القذائف التي تساقطت داخل وعلى محيط القاعدة، وهذا تسبب حينها بمقتل جنديين تركيين، وإصابة /6/ آخرين بجروح متفاوتة الشدة استدعت نقلهم إلى مشفى ولاية “كلس” التركية لتلقي العلاج، عدا عن العدد الكبير من القتلى والجرحى بين صفوف فصائل أنقرة المتمركزين على محيط القاعدة.
ضربة “كلجبرين” تفتح الباب العريض لاستهداف باقي القواعد التركية
نجاح “تحرير عفرين” في ضربتها الأولى على قاعدة “كلجبرين”، وما حققته من خسائر كبيرة في صفوف الجنود الأتراك، فتحت الباب العريض أمام تلك المجموعات لتوسيع نطاق القصف، وفتح أبواب جهنم على باقي القواعد التركية المنتشرة في أنحاء ريف حلب الشمالي، لتشهد منطقة الباب مطلع شهر آب، أي بعد أقل من أسبوع على تنفيذ ضربة “كلجبرين”، هجوماً صاروخياً باتجاه قاعدة “حزوان” إحدى أهم القواعد التركية المتمركزة في منطقة الباب، واقتصرت الأضرار حينها على الماديات.
ضربة قاعدة “حزوان” أعقبها بيوم واحد، ضربة جديدة من “تحرير عفرين” نحو القاعدة المتمركزة قرب المشفى الوطني على أطراف مدينة أعزاز، مع تغير في سيناريو الضربة الذي اعتمد على هجوم بري مباشر بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة بدلاً من القصف البعيد، وهذا أدى حينها إلى مقتل وإصابة العشرات من عناصر فصائل أنقرة المتمركزين على محيط القاعدة، على حين لم تسجل أي خسائر بشرية في صفوف القوات التركية.
ويبدو أن عناصر “تحرير عفرين” وجدوا في قاعدة “كلجبرين” الخاصرة الأكثر ضعفاً بين باقي القواعد العسكرية التركية في شمال غربي حلب، فعاودوا ضربها في الثامن من شهر آب، على غرار سيناريو الضربة الأولى، وهذا أسفر حينها عن مقتل جندي تركي، وإصابة /5/ آخرين نُقلوا إلى مشفى أعزاز الوطني بحالة حرجة.
ومنذ ذلك الحين، استمر مسلسل ضربات “تحرير عفرين” نحو القواعد التركية بالتكرار مع اختلاف الأهداف، إذ تعرضت قواعد “مارع” و”أناب” و”تويس” و”البحوث” و”مريمين” بالإضافة إلى القواعد التي استُهدفت سابقاً كقاعدة المشفى الوطني و”كلجبرين”، لهجمات متتالية بالصواريخ التي كلفت القوات التركية بحسب الحصيلة الإجمالية، ما يزيد على /25/ جندياً سقطوا بين قتيل وجريح، إلى جانب العشرات من القتلى والجرحى بين صفوف فصائل أنقرة.
وإلى جانب الخسائر البشرية، أكدت مصادر ميدانية لـ “أثر”، أن ضربات “تحرير عفرين” كبّدت القوات التركية خسائر جسيمة على الصعيد المادي، منوهة بانفجار /4/ مستودعات ذخيرة على الأقل من المستودعات الموجودة داخل القواعد، جراء سقوط الصواريخ داخلها في أثناء الهجمات.
عجز تركي عن وقف الهجمات.. والرد بضرب القرى الآهلة بالسكان!
اللافت في كل الضربات التي تعرضت لها القواعد العسكرية التركية، تمثل في عجز قوات أنقرة عن وقف تلك الهجمات أو الحد منها، على الرغم من كل المحاولات الحثيثة التي نفذتها لتحقيق ذلك الهدف، سواء لناحية تعزيز القواعد بالجنود والآليات الحديثة وأسلحة القنص الحرارية، أم بنشر أعداد كبيرة من مسلحي أنقرة على مسافات متباعدة كخطوط دفاعية متقدمة حول تلك القواعد.
وفي كل مرة تتعرض فيها القواعد التركية لهجمات “تحرير عفرين”، كان قوات أنقرة ترد بصب جام غضبها على القرى الآمنة الآهلة بالسكان في ريف حلب الشمالي الغربي، بدءاً من مدينة تل رفعت المكتظة بمئات الآلاف من المدنيين، امتداداً إلى “البيلونية” و”الشيخ عيسى” و”إبين” و”الصوغانية” و”مرعناز” و”المالكية” و”النيربية” و”أم حوش” و”أم القرى”، إضافة إلى العديد من القرى الأخرى التي تنتشر فيها وحدات الجيش السوري والقوات الرديفة.
وخلّف القصف التركي على المناطق المذكورة، عشرات الضحايا في صفوف المدنيين القاطنين فيها، إذ سُجل بين الضحايا وجود /6/ نساء وأطفال على الأقل لقوا مصرعهم بضربة تركية استهدفت محيط مدينة تل رفعت، عدا عن العشرات من المصابين الذين نُقلوا إلى مشفيي تل رفعت، وحلب الجامعي نظراً لخطورة إصاباتهم.
خبراء ميدانيون لـ “أثر”: “خبرة “تحرير عفرين” بجغرافيا الشمال تمنحهم قوة إضافية في مواجهة الأتراك”
رأى عدد من الخبراء الميدانيين المطلعين على مجريات سير الأحداث في شمالي حلب، أن سر نجاح “قوات تحرير عفرين” في تنفيذ ضرباتها نحو القواعد التركية على تلك الدرجة العالية من الدقة وبالحد الأدنى من الخسائر، يكمن في خبرة مقاتلي تلك المجموعات في جغرافيا الريف الشمالي لحلب، كونهم من أبناء المنطقة الأصليين الذين يمتلكون دراية تامة في طبيعتها وما تخفيه من جروف وكهوف ومخابئ آمنة.
وعزا المحللون للأسباب ذاتها، مسألة فشل القوات التركية في الحد من خطورة مقاتلي “تحرير عفرين” الذين يعملون باستمرار على تغيير مكامنهم ومخابئهم بالاستفادة من خبرتهم الجغرافية في المنطقة، إذ تعتمد تلك المجموعات في غالبية عملياتها وهجماتها، على توجيه الضربات السريعة والخاطفة سواء بالقذائف أم بالهجمات البرية، ومن ثم الانسحاب نحو أماكن تحصينهم بعد الاكتفاء بما أوقعوه من خسائر بشرية أو مادية في صفوف القوات التركية والفصائل الموالية لها.
من جانبها قالت مصادر خاصة لـ “أثر” إن الضربات المتلاحقة التي تلقتها القواعد العسكرية التركية حدّت حدّاً كبيراً من نشاط وتحركات الدوريات التركية ضمن مناطق نفوذها في شمال غربي حلب على وجه الخصوص، لتقتصر تحركاتها على نوبات التبديل الضرورية للجنود المتمركزين في القواعد بين الحين والآخر، في مشهد يشير بوضوح إلى مدى حالة القلق والخوف التي وصل إليها الأتراك في الآونة الأخيرة.
توثيق دقيق للضربات
من المميّزات البارزة للضربات الأخيرة التي نفذتها “قوات تحرير عفرين” نحو القواعد التركية، كان توثيقها عبر مقاطع “فيديو” تثبت أمكنة وحجم الضربات، إذ عملت “تحرير عفرين” منذ توجهها إلى أسلوب الاستهداف المباشر للقواعد، على نشر تلك المقاطع دورياً في الصفحات والمعرّفات التابعة لها، لأهداف عدة يتقدمها قطع الطريق على أنقرة إذا حاولت إنكار ما تتعرض له قواعدها في الشمال الحلبي.
يذكر أن استهدافات “تحرير عفرين” للقواعد التركية ما تزال مستمرة بشكل متواتر في شمالي حلب، إذ كان آخرها الاستهداف الذي تعرضت له قاعدتا “أناب” و”المشفى الوطني” أمس الأول الخميس بعدد من القذائف الصاروخية التي سقطت على محيط القاعدة، واقتصرت أضرارها على الماديات، لترد القوات التركية حينها بقصف جوي استهدف قرية “مرعناز” أوقع المزيد من الخسائر المادية بمنازل وممتلكات المدنيين.
زاهر طحان – حلب