خاص|| أثر برس يمثل استهداف مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق استمراراً للأعمال العدائية التي يشنها الكيان الإسرائيلي على الأراضي السورية وفق نمط ساد بعد “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول الماضي، ويقوم على اغتيال قيادات ميدانية من الحرس الثوري الإيراني.
لا يبدو أن العدوان الأخير يسعى إلى تغيير قواعد الاشتباك هذه المرة، وإن نحا باتجاه تصعيد ما، فالقدرات العسكرية “الإسرائيلية” تتيح له خيارات مختلفة للقيام بمثل هذه العمليات، وطبيعة الاستهدافات خلال الأشهر الماضية تُثبت ذلك، مما يقود إلى استنتاج بأن اختيار استهداف بناء القنصلية كان قراراً استراتيجياً له آثار سياسية أوسع نطاقاً من القرار العسكري الميداني المعتاد. وهو بمنزلة خطوة محسوبة للتعبير عن النوايا السياسية والتأثير في الديناميكيات الإقليمية المضطربة.
تبدو الرسالة السياسية الموجهة لطهران بأن الاحتلال متشدد برفض أي مصالحه مرحلياً بعد “طوفان الأقصى”، واستراتيجياً بعد الحديث عن إمكانية العودة للعمل بالاتفاق النووي الايراني وما يعنيه ذلك من اعتراف بالدور الإيراني في المنطقة. وهنا تشكل واشنطن نقطة تقاطع بين المقاصد السابقة، مما يقود للاستنتاج الثاني بأن جوهر الرسالة ليس موجهاً لطهران بقدر ما هو موجه لواشنطن، أو بالتحديد للإدارة الأمريكية الحالية في ظل ما يشهده الشرق الأوسط من تغيير جزئي في منطق التحالفات.
نجحت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بتمرير جزء من “اتفاقات أبراهام” وأكسبت الكيان الإسرائيلي اتفاقات نوعية مع الإمارات ونوع من التفاهمات مع دول أخرى كالمغرب والسودان. كان التعويل على أن تنجح الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة جو بايدن في التوصل لاتفاق سلام “سعودي- إسرائيلي” يتوّج “المسار الأبراهيمي” لكن “طوفان الأقصى” فرمل هذا الاستكمال، وأظهر أن ثمة ملفات بحاجة للإنجاز أولاً في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وكشف أيضاً عن ثغرة “المسار الأبراهيمي” الذي لا يقدم ضمانات مستدامة لحقوق الفلسطينيين.
من جهة أخرى أظهر “طوفان الأقصى” الاقتناع الدولي بأولوية الاهتمام بحل الدولتين والاعتراف بحق الفلسطينيين في إنشاء دولتهم المستقلة، وهو ما لا يرى فيه الاحتلال ورئيس وزرائه بنيامين نتيناهو تحديداً مصلحة اليوم أو غداً، بل يشكل موضع تنازع بين إسرائيل وحليفها الأمريكي.
إذن أرادت إسرائيل من التصعيد إرسال رسالة احتجاج إلى إدارة بايدن لعرقلة مساعي الأخيرة لإنجاز أي تفاهم إقليمي مع طهران من شأنه تهميش المصالح الإسرائيلية، والتأكيد بأن للاحتلال اليد الطولى في المنطقة. يوازي هذه الرسالة تشدداً إسرائيلياً كبيراً في ملف وقف إطلاق النار في غزة، سبقه رفض عودة الفلسطينيين الذين هجرتهم من القطاع، والإصرار على اجتثاث حركة حماس وعدم الاكتفاء بهزيمتها، وتوسيع دوائر الاستهداف في العمق اللبناني والسوري.
هذا ما قد يفسر حالة التهدئة الإيرانية من خلال التزام الساحات بعدم الانجرار إلى التصعيد، وتبدو قوى المحور اليوم معنية أكثر بعدم السماح بانزلاق المنطقة إلى مواجهة كبيرة.
بالمجمل إذن، فالعدوان على السفارة الايرانية بدمشق ليس تغييراً في قواعد الاشتباك بقدر ما هو تصعيد سياسي يراد منه إحراج إدارة بايدن التي تمر بمرحلة تحالف مضطرب مع الإسرائيلي اليوم نتيجة سعيها لحل الدولتين ومحاولة إشراك إيران بقيادة الشرق الأوسط، وهو محاولة إسرائيلية لنشر الفوضى بانتظار وصول ترامب أو غيره من الجمهوريين إلى البيت الأبيض.
سامر ضاحي