خاص || أثر برس أثار التسارع الكبير بانهيار الليرة السورية في السوق الموازي المحظور التعامل وفقه، والذي أدى لارتفاع كبير في الأسعار، جملة تساؤلات عن أسباب وصول الليرة السورية إلى أدنى مستوياتها في تاريخ البلاد خلال الأشهر الماضية، رغم عدم حدوث تحولات كبرى جديدة في الملف السوري في الآونة الأخيرة.
وتحدث الدكتور محمد صالح الفتيح، كاتب وباحث سوري مقيم في المملكة المتحدة، في حوار خاص مع “أثر” عن الأسباب الحقيقية لتدهور العملة المحلية السورية مقابل الدولار الأمريكي، وما آلات الوضع الاقتصادي في سوريا.
وعزا الفتيح أسباب التدهور ذاك إلى أربعة أسباب رئيسية، حيث يقول: “بدأت الليرة السورية تفقد قيمتها بشكل متسارع منذ خريف 2018، وذلك بتأثير عدة عوامل متزامنة”.
فمن ناحية أولى، كشف الفتيح أن الاحتياطيات السورية من النقد الأجنبي كانت قد استنزفت خلال سنوات الحرب السابقة ومع الوصول إلى العام 2018 تراجعت القدرة على تمويل العديد من المواد المستوردة، كما توقفت عمليات تدخل المصرف المركزي في الأسواق لتحسين سعر الليرة السورية.
ثاني الأسباب حسب الفتيح تمثلت بتزامن الموجة الجديدة المتسارعة من التدهور مع عودة الاستقرار في العديد من المناطق السورية، فتوقف القتال ومحاولة السكان العودة للحياة العادية يعني ارتفاع مستويات الاستهلاك، وكذلك ارتفاع الطلب على متطلبات إعادة الإعمار في المناطق التي توقف القتال فيها. هذه الزيادة في الطلب على المواد المستوردة خلقت زيادة في الطلب على النقد الأجنبي، غير المتوفر أساساً.
ثالثاً، فقد حصل هذا الانهيار مع عودة العقوبات الأمريكية على إيران والتي عرقلت تصدير النفط الإيراني إلى سوريا، وعرقلت الدعم المالي والاقتصادي الإيراني، وهذا ما زاد من حاجة الحكومة السورية للبحث عن مصادر جديدة لتمويل استيراد المشتقات النفطية والمواد الغذائية التي كان يتم استيرادها بالدين من إيران (عبر الخط الائتماني).
رابعاً، يقول الفتيح: “فشلت الحكومة السورية في وضع أي خطة للتعامل مع التغييرات السابقة، وحتى ما تم الحديث عنه في العام الماضي حول خطة لدعم الإنتاج المحلي لتخفيض فاتورة المستوردات بقي كلاماً نظرياً فيما استمرت الحكومة نفسها بتشجيع الاستيراد، وبشكل يفوت عليها موارد مالية محتملة”، فعلى سبيل المثال، تقوم الحكومة بتمويل استيراد السكر الذي يقدر استهلاك سوريا السنوي منه بما يتراوح بين 600 و800 ألف طن، يتم تمويل هذا الاستيراد عبر تقديم النقد الأجنبي لمستوردين محددين، وبينما تمتلك الحكومة منافذ للبيع إلا أنها لا تقوم سوى باستيراد حوالي 80 ألف طن من السكر لبيعها عبر المنافذ الحكومية، حيث يتم بيع هذه الكميات بهامش ربح أقل من الربح الذي يحققه المستوردون في القطاع الخاص، وهذا أمر غير مبرر، فإذا ما كانت الحكومة هي من يؤمن الدولار لدعم استيراد هذه المواد وتقوم هي نفسها باستيراد نسبة منها، فلماذا تفوض المستوردين من القطاع الخاص باستيراد ما يصل إلى 90% من حاجة البلاد وتحقيق أرباح عالية بدل أن تقوم هي بالسيطرة على عملية الاستيراد هذه لضبط الأسعار الخاصة بمواد حيوية للغاية، وكذلك فإن الفشل في تشغيل معامل السكر العامة هو فشل غير مبرر، حسب الفتيح.
وبالتطرق لقانون قيصر المفعّل منذ أشهر ولمدة خمس سنوات، اعتبر الفتيح أن ” بعض فقرات قيصر لم يتم تطبيقها حتى الآن، مثل العقوبات على المصرف المركزي السوري”.
ورغم أن المركزي السوري سبق أن طالته عقوبات منذ عام ٢٠١١، وتم شموله بالحزمة السادسة من قانون قيصر، والتي تمثلت بحرمانه من طباعة العملة، وإيقاف التعاملات الائتمانية والمالية وتجميد أرصدة، إلا أن الفتيح رأى أن هذه العقوبات لم تطبق فعلياً بعد، قائلاً: “لو طبقت العقوبات على المركزي فستؤدي إلى نتائج قاسية بالنسبة للاقتصاد السوري لأنها ستعطل تمويل المستوردات وتزيد الطلب على النقد الأجنبي من السوق المحلي، وهذا ما حصل مع إيران تماماً عندما فرضت العقوبات على المصرف المركزي الإيراني في أيلول 2019، حيث كان الدولار الأمريكي يعادل حينها حوالي 110 ريال إيراني وقفز لاحقاً ليصل خلال العام الماضي إلى قرابة 300 ألف ريال إيراني”، ورأى الخبير الاقتصادي أن الفقرات التي طبقت من قانون قيصر هي ذات تأثير مباشر لكنه محدود على الاقتصاد، ومستدلاً بأن البنود التي طبقت من قانون قيصر تمنع توريد الكثير من البضائع السورية، وبالتالي فهو يخفف عملياً من مستويات الاستيراد، وقارن الفتيح بين المستوردات السورية واللبنانية بالأرقام: “للمقارنة فإن لبنان الذي يبلغ تعداد سكانه حالياً ثلث سكان سوريا استورد في العام الماضي بحوالي 15 مليار دولار (مستويات الاستيراد سابقاً كانت 20 مليار دولار) بينما سوريا استوردت حوالي 7 مليار دولار، وفق الأرقام الرسمية”.
وفيما يتعلق بتأثر الليرة السورية بأزمة المصارف في لبنان، بيّن الفتيح أن البنوك اللبنانية لم تغلق، وإنما ترفض إعادة القسم الأكبر من الأموال المودعة فيها بالدولار الأمريكي، معتبراً أن التدهور الأخير في سعري صرف الليرتين السورية واللبنانية هو من نتائج تحول السوقين السوري واللبناني إلى سوق واحد.
ويعاني السوقان السوري واللبناني، حسب الفتيح، من ندرة في تدفق النقد الأجنبي وكلاهما يحتاج لهذا الأخير لتمويل المستوردات، حيث أن التجار السوريين مثلاً بدأوا استيراد المشتقات النفطية من لبنان – لكون سعرها منخفض بسبب دعمها من قبل الحكومة اللبنانية – ويسدد التجار السوريون ثمن هذه المشتقات بالليرة السورية، ليقوم التجار اللبنانيون لاحقاً باستيراد مواد غذائية وصناعية من سوريا والسداد بالليرة السورية، النتيجة هي أن السوقين يتحولان تدريجياً إلى سوق واحد مغلق نسبياً، وبمجرد توقف المصرف المركزي اللبناني عن دعم بعض المستوردات خلال الأشهر المقبلة فسيتحول السوقان إلى سوقين مغلقين بالكامل وسيكون هناك انهيار إضافي في أسعار العملات المحلية، وفقاً للدكتور الفتيح.