خاص|| أثر برس “أبو الفنون” لا شكّ أن المسرح يستحق هذه التسمية، فعبره بدأت الحركة الفنية وتجاوزت حدود الزمان والمكان، ولاسيما المسرح السوري، إذ شهد منذ ولادته على يد أبو خليل القباني مسيرة توجت بالتميز والانتشار العربي، ولاقت نجاحاً هائلاً، ليبقى مواظباً على حضوره اليوم بأعمالٍ تفرض سحرها وجمالها على جمهوره الواسع الذي يضم كل فئات المجتمع، وهذه حالة ينفرد بها عن بقية الأنواع الفنية الأخرى، ولكن هل واقع المسرح السوري الحالي مرضِ؟
في حوار خاص مع “أثر” أكد المخرج المسرحي مأمون الخطيب أن واقع المسرح السوري اليوم سيئ جداً، وهذا الواقع بدأ بالتقهقر عندما بدأ الحجر الصحي بسبب كورونا، بعدها بدأ الوضع المعيشي للسوريين يسوء بشكل كبير بسبب الواقع الاقتصادي الذي تمر به البلاد وهذا ما أثر على المسرح والمسرحيين (وهم قلة)، إذ بدؤوا بالابتعاد عن فن المسرح لعدم الجدوى المادية التي وصلت إلى حد لم يعد فيه وارداً الالتزام بالمسرح، كونه لا يغطي حتى نفقات المواصلات والحاجات البسيطة للفنان.
لا يملكون الحلّ!
واضاف أن المسرح السوري غالباً ما مر في أزمات وعقبات كثيرة، ولكن اليوم أصبح من المؤسف أننا لا نرى عروض سورية ضمن البرنامج السنوي للمسرح السوري إلا ما ندر، أو نرى بعض العروض لفئة من الفنانين الذين أسميهم “المجازفين” ومع هذا هي قليلة جداً، فالواقع محزن مع أن المعنيين يعرفون أسباب اندحار المسرح ولكنهم لا يملكون الحل، وغير قادرين على مجاراة الواقع الاقتصادي المتغير بشكل يومي.
وحول احتياجات المسرح يقول: الاحتياجات كثيرة وأهمها إصرار الدولة على وجود المسرح أكثر من حرص المسرحيين أنفسهم، وفهم المتغيرات ومجاراتها للبقاء على هؤلاء القلة القليلة من المحبين للمسرح، فمهما تحدثنا كمسرحيين عن حاجتنا للمسرح يبقى كلامنا تذروه الرياح ودون فائدة، نحن نحتاج للاعتراف بنا كمؤثرين وفنانين هدفنا إعلاء هذا الفن وتكريسه كفن مدني عريق في بلد عريق بثقافته وحضارته.
أزمة تعاطي مع هذا الفن:
أما عن المعوقات التي تعترض الحركة المسرحية بين “الخطيب” أنها كثيرة وأولها العائق المادي، حيث انعكست الأزمة المالية والاقتصادية على الإنتاج المسرحي وأصبح من المستحيل إغراء أي فنان بأن يلتزم بالعمل في المسرح أو حتى جذب جميع المبدعين من مصممين سينوغرافيين وموسيقيين، والعائق الآخر هو معنوي أيضاً حيث هناك الإحساس بعدم الجدوى هو السائد، فسوريا مليئة بالمبدعين و لكن هناك الظرف الاقتصادي القاهر الذي يبعدهم عن المسرح، فليست هناك أزمة نصوص ولا أزمة مبدعين، هناك أزمة التعاطي مع هذا الفن من القائمين عليه وشلل تام في القدرة على الاستمرار بشكل لائق في جذب هؤلاء المبدعين إلى صفوف الفن الأرقى في حياة المدينة.
وعن العروض المسرحية السورية التي عرضت في عدد من البلاد العربية يشرح الخطيب أن جميع هذه المسرحيات خرجت على نفقتها الخاصة إلى الدول الأخرى أو كانت بدعوة كاملة من البلد المضيف، حيث أن الحكومة ألغت إيفاد المسرحيين على حساب وزارة الثقافة وأوقفت الاتفاقيات السابقة عن إيفاد العروض المسرحية ضمن الاتفاقيات الثقافية بين المهرجانات العربية والدولية كممثل عن الحضارة السورية.
ويضيف: نعرف أهمية العروض المسرحية السورية وجديتها وقدرتها على جذب الجمهور العربي بسبب جودتها وجودة الفنان السوري القائم على هذه العروض، ونحن ندعى إلى المهرجانات وأعمالنا جيدة وتحصد الجوائز، لكن لا نملك إمكانية السفر على نفقتنا بسبب وضعنا الاقتصادي الصعب كمسرحيين وبسب القرار الحكومي الذي أصبح الأن جائراً بحقنا كممثلين ثقافيين عن بلدنا سوريا، من المهم جدا مشاركة جميع أنواع الثقافة السورية خارج سوريا وهذا جزء من دفاعنا عن بلدنا عن طريق الثقافة، وهذه الحالة أي مشاركة العروض السورية في الخارج هي حالة تطور وتجديد للمبدعين السوريين أنفسهم عند الاطلاع على التجارب الجديدة في العالم، وهي دعوة من خلال موقع “أثر” لإعادة النظر في قرارات كهذه أصبحت مجحفة بحق المسـرح والمسرحيين.
وعن تهميش القائمين في المسـرح يضيف: “بعد كل ما سبق أستطيع التأكيد بأن العاملين في المسرح مهمشون بل ومنسيون أيضاً لدرجة التفكير الجدي بـ”اللاجدوى” والانتقال إلى مجالات بعيدة عن المسرح، ودائماً ما ندق ناقوس الخطر، ولكن لا حياة لمن تنادي”.
في حالة تقدم:
بدوره اعتبر الفنان لجين إسماعيل أن واقع المسـرح السوري اليوم مهم وهو في حالة تطور وتقدم، مضيفاً بحديثه مع “أثر” أن هناك أشخاص مهتمون بالمسـرح ومعنيين به يدعمونه وبتطوره وهذا شيء إيجابي جداً، آملاً أن يستمر واقع المسـرح هذا، فالجمهور دائماً موجود ويتابع المسرحيات، وهذا يطمئن ويساهم في السعي الدائم للعمل بالمسرح، واحتياجاته بسيطة لها علاقة بالأشخاص العاملين في المسـرح وهي تصبح آراء ووجهات نظر بالمسـرح.
وعن أهمية العمل بالمسرح للفنان وما القيمة التي يضيفها المسرح للفنان يؤكد إسماعيل أن الأهمية تختلف من شخص لآخر ويقول: “أنا أحب المسـرح كون دراستنا ودراسة المسـرح كانت في المعهد العالي للفنون المسرحية، وهناك قيمة كبيرة يعطيها المسـرح للفنان بحكم التواصل المباشر مع الناس وبحكم أن الشخص يستطيع أن يعمل شيء غير المعتاد في السينما والتلفاز، فالمسـرح فن قائم بحد ذاته بطريقة مختلفة وله قيمة كبيرة ليس على الفنان فحسب بل أيضاً على الجمهور أو على المساعدين بالعمل المسرحي”.
تتبع رؤية ورغبة الفنان:
وعن انعدام رغبة الفنانين بالعمل المسـرحي وهل القائمون مهمشون؟ يضيف إسماعيل: هي حالة لها علاقة بالرغبة، فالشخص الذي يرغب بالعمل المسـرحي بإمكانه التواجد في المسرح، وحسب رؤية كل فنان بالعمل المسـرحي وكيف ينظر إليه وكيف يقيمه، ويضيف بأن القائمين من فنانين وفنيين معروفون ويعملون بشكل دائم ومتابعون، والجمهور في حضور دائم للمسرح وهناك جمهور خاص له، وأنهم غير مهمشون وهناك اهتمام من قبل الإعلام والقائمين على المســرح والجمهور.
أمير حقوق