زياد غصن || أثر برس في العام 2007، بدأت حكومة المهندس ناجي عطري بالتحضير لمشروعها المسمى إعادة توزيع الدعم لمستحقيه، وكان من المبررات التي جرى تسويقها آنذاك أن الاعتمادات المخصصة لبند الدعم تزداد سنوياً لدرجة أنها ستزيد على اعتمادات الموازنة الاستثمارية، واللافت في كل ذلك أن الحكومة كانت تعتمد في تقديرها لكلفة دعم المشتقات النفطية على الأسعار العالمية للنفط المنتج أساساً محلياً، هذا في الوقت الذي كانت فيه كلفة إنتاج النفط في سوريا واحدة من أقل الكلف العالمية.
فمثلاً بحسب بعض البيانات البحثية التي قدم لها آنذاك نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية عبد الله الدردري فإن الربح المقدر لكل برميل نفط منتج في سوريا عام 2006 وصل إلى 55.2 دولار، فيما كان سعر نفط دبي الخام في السوق العالمية 60 دولار للبرميل الواحدـ يعني أن كلفة إنتاج البرميل كانت لدينا أقل من 5 دولارات!
أسوق هذا المثال لأقول: ما أشبه اليوم بالأمس، فالحكومة الحالية وفي إطارها مسعاها لتمرير مشروع تحرير أسعار المشتقات النفطية بغية معالجة مشكلة عجز الموازنة المتفاقمة، تلجأ إلى الأسلوب نفسه، إنما بصيغة أو بشكل آخر يتناسب ومتغيرات الواقع، فكما هو معروف فإن البلاد تضطر اليوم، وفي ظل استمرار احتلال القوات الأمريكية لحقول النفط الرئيسية في الجزيرة، إلى استيراد احتياجاتها النفطية من إيران وفق خطوط ائتمانية يتم الاتفاق عليها سنوياً بين البلدين.
وما تفعله الحكومة في احتسابها لكلفة دعم المشتقات النفطية بسيط جداً، فهي تقوم باحتساب سعر برميل النفط المباع لها بالدين من إيران وتكاليف تكريره ونقله، وتحسب على أساسه ما تقول إنه كلفة استيراد وإنتاج المشتقات النفطية، لكن عملياً هي لا تدفع سوى:
-حوالي 20% من قيمة النفط المستورد من إيران وفق الخط الائتماني الحكومي أو الخط الخاص، سواء كقيمة لبعض الكميات المستوردة أو كأجور نقل.
-تكاليف تكريره في المصافي السورية ونقله إلى مراكز الاستهلاك وبيعه للمستهلكين.
وعلى ذلك فإن الحديث الحكومي عن تحمل الخزينة العامة لمبالغ كبيرة جراء دعم المشتقات النفطية هو صحيح نظرياً ودفترياً، لكنه عملياً غير ذلك تماماً، بالنظر إلى أن جزءاً كبيراً من فاتورة النفط المستوردة تسجل كدين على البلاد، وهذا يجعل من المواطن وفقاً للسياسة الحكومية الحالية مضطراً لدفع ثمن المشتقات النفطية مرتين، الأولى عند الاستهلاك مباشرة، والمرة الثانية مستقبلاً عندما تكون البلاد مضطرة لتسديد قيمة الخطوط الائتمانية التي منحت خلال سنوات الأزمة.
سيقول البعض إن الحكومة مضطرة لفعل ذلك لتوفير بعض الإيرادات بغية تمويل أنشطتها ومشروعاتها الواردة في الموازنة العامة للدولة، وتغطية نفقات تشغيل المصافي وصيانتها، لكن هذا لا يبرر أن تباع بسعر الكلفة أو أعلى من ذلك في وقت البلاد هي بأمس الحاجة إلى دعم القطاع الإنتاجي وتخفيض تكاليفه، ودعم المستوى المعيشي للمواطنين والتخفيف من ضغوط العقوبات الاقتصادية وتداعيات الحرب، وثمة فرق بين فشل الحكومة في وقف الهدر والفساد الحاصلين في ملف المشتقات النفطية فيكون خيارها تحرير أسعار تلك المشتقات، وبين التعامل مع الخطوط الائتمانية الممنوحة للبلاد كمدخل لدعم انطلاقة حقيقية وفعالة للقطاع الإنتاجي، الذي كثرت التصريحات حوله منذ سنوات بلا أدنى أثر على أرض الواقع.
النقطة الأخرى الهامة تتعلق بالإيرادات، التي حققتها الحكومة من الزيادة الأخيرة على أسعار المشتقات النفطية، وهي إيرادات تتجاوز بكثير قيمة الزيادة المتحققة على الرواتب والأجور، وهو ما يؤكد أن غاية الحكومة لم تكن تحسين مستوى معيشة المواطنين كما تدعي وإنما محاولة سد عجز الموازنة الذي تتحمل مسؤوليته بشكل مباشر نتيجة السياسات والإجراءات المدمرة للإنتاج والاستهلاك.
ووفقاً لبيانات سابقة لوزارة النفط فإن وسطي المازوت الموزع يومياً يصل إلى حوالي 6 ملايين ليتر منها 15 % مخصصة للبيع بسعر التكلفة للقطاع العام الصناعي، وتالياً فإن الإيرادات المتحققة من الزيادة الأخيرة تبلغ حوالي 4400 ألف مليار سنوياً، منها 2003 مليار ليرة متأتية من الزيادة على المازوت الحر، و2419 مليار ليرة من المازوت المدعوم للتدفئة والنقل والزراعة.
وبالنسبة للبنزين أوكتان 90، والذي تشير التوقعات إلى أن الموزع منه يومياً يصل إلى حوالي 4 ملايين ليتر يخصص منه حوالي 15% للبيع بالسعر الحر، فإن الإيرادات المتحققة من الزيادة الأخيرة تصل إلى حوالي 6880 مليار ليرة، منها 678 مليار ليرة من البنزين المباع حراً، وحوالي 6205 مليار ليرة من كميات البنزين المدعوم.
وبهذا فإن إجمالي الزيادة المتحققة من مادتين فقط تصل إلى حوالي 11283 مليار ليرة، تم تخصيص 4000 مليار ليرة منها لتغطية زيادة الرواتب والأجور، وبذلك يتبقى حوالي 7283 ألف مليار ليرة ستستخدمها الحكومة لتمويل عجز الموازنة الناجم أساساً عن سياساتها المعطلة للقطاع الإنتاجي من جهة، وعن تهربها من مواجهة الفساد الذي ترك يستشري في مؤسسات الدولة والمجتمع.
في كل الأحوال، هذه الأرقام هي مجرد استنتاجات شخصية، ولذلك نرجو من الحكومة الموقرة أن تزودنا بأرقامها ودراساتها حول الأثر المتوقع من رفع أسعار المشتقات النفطية.