“تهاوشنا على الصيدة” لا تزال كلمات وزير الخارجية القطري قبل أربع سنوات عالقة في أذهان السوريين إلى اليوم، عندما وصف سوريا “بالصيدة” التي “فلتت” بسبب الخلاف السعودي القطري، اليوم وبعد ثلاث سنوات من هذا التصريح عادت دول الخليج لعقد مصالحة فيما بينها فيما عرفت بـ”قمة العلا”، فأي ارتدادات وانعكاسات لهذه القمة على المشهد السوري؟
يعتبر الخلاف الخليجي أحد أهم العوامل التي أفضت إلى إضعاف المعارضة المسلحة في سورية، كون السعودية وقطر شكلتا على مدى سنوات الحرب الأولى، أحد أهم الأطراف الداعمة للمعارضة المسلحة، وذلك قبيل التدخل العسكري الروسي وغرق السعودية بحربها في اليمن، وتصاعد خلافها مع قطر، وتقليص الدعم المالي للفصائل المسلحة في سورية.
تلك الخلافات تجلت بصورة واضحة في المناطق التي تخضع لسيطرة فصائل المعارضة، وكانت أبرز تلك الصور المعارك التي دارت أواخر 2017 واستمرت إلى عام 2018 بين فصيل “جيش الإسلام” التابع للسعودية وفصيل “فيلق الرحمن” التابع لقطر في غوطة دمشق الشرقية على أطراف العاصمة دمشق، والذي أدى إلى سقوط مئات القتلى والجرحى في صفوف الطرفين، وهو ما أسهم إلى حد كبير في تسهيل عمليات الجيش السوري في تلك المنطقة قبيل استعادتها بالكامل، ويمكن تعميم هذا المشهد على معظم الجغرافيا السورية.
صورة الانقسام الخليجي تقابلها صورة أخرى للمشهد في ذروة التعاون والتنسيق السعودي القطري، والذي تجلى بإنشاء ما سُمي بـ”جيش الفتح” والذي كان حصيلة اتفاق سعودي – تركي -قطري، والذي تمكن في حينها من السيطرة على مساحات واسعة في إدلب وأرياف حماة وحلب واللاذقية، وشن عمليات عسكرية واسعة.
أما على الصعيد السياسي فقد أرخى الخلاف السعودي القطري بظلاله على منصات المعارضة السورية، التي شهدت انشقاقات للمرة الأولى، كان باكورتها انسحاب الشيخ معاذ الخطيب المدعوم قطرياً من الهيئة العليا للمفاوضات السورية المنبثقة عن مؤتمر الرياض للمعارضة، ما زاد حالة التشرذم في الجسم السياسي للمعارضة، قبل أن تتصدر تركيا المشهد ويقتصر نشاطها الميداني والسياسي على الشمال السوري.
اليوم وبالتزامن مع المصالحة الخليجية تظهر بوادر مساعٍ أمريكية لإعادة توحيد تلك المنصات، حيث كشف “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، عن توصله إلى مذكرة تفاهم جديدة مع طرف سوري معارض، سيوقع عليها الطرفان خلال الأيام القليلة المقبلة، وسبق ذلك تأكيد قيادي في “مجلس سوريا الديمقراطية-مسد” أن شخصيات “بارزة” سبق أن انشقت عن منصات المعارضة السورية، من “الائتلاف” ومنصة القاهرة، وميليشيا الجيش الحر، وانضمت مؤخراً إلى حزب “سوريا المستقبل” أحد مكونات مجلس سوريا الديمقراطية، وذلك للتوجه إلى إعلان منصة معارضة جديدة، تأخذ من شمال شرقي سوريا مركزاً لنشاطها، وتحظى بدعم من الإدارة الأمريكية الجديدة.
في هذا السياق تحدث د.أسامة دنورة خبير العلاقات الدولية لـ “أثر”، حيث رأى أن ما جرى في قمة العلا هو مصالحة “خلبية”، وأن كل من الطرفين (السعودي – القطري) لا يزال يخبئ السكين خلف ظهره، مؤكداً أن هذا الخلاف لا يمكن أن يحل و”لا بأي طريقة” لأن حالة من التكافؤ في القوة المالية والإعلامية والدينية برزت بين قطر والسعودية، الطرفان اللذان يتلقيان دعماً أمريكياً لابد أن يضع أحدهما في موضع الند للآخر.
واستبعد “دنورة” عودة السعودية إلى المشهد السوري من بوابه المعارضة السياسية، مؤكداً أن الهاجس السعودي تجاه الإخوان لم يتراجع، في الوقت الذي ترى السعودية تقاطعاً في مصالحها مع سوريا ضد الإخوان ومنظومة داعميهم الاقليميين، مشيراً إلى أن السعودية تعلم جيداً بأن تدخلها في سورية سيخدم الأتراك والقطريين أكثر مما يخدم أي طرف آخر.
وحول إمكانية توحيد المشهد السياسي للمعارضة رأى خبير العلاقات الدولية أن تركيا لن تسمح للسعودية بالتحكم بمنصات المعارضة السياسية التي تتفرد بإدارتها منذ سنوات، مضيفاً أن حالة العداء ستبقى بين المعارضة التابعة لتركيا وتلك التابعة للسعودية ولو جمعتهما هيئات مشتركة، على اعتبار أن كل طرف يسعى لإقصاء الآخر.
وفيما يتعلق بموضوع “قسد” الذي يعتبر أحد أهم الملفات التي تتوجس منها تركيا رأى “دنورة” أن الدعم السعودي المحدود لـ”قسد” لن يتوقف، لأن السعودية لا تزال تريد الحفاظ على ورقة ضغط ضد تركيا، معيداً التأكيد على أن الاتفاق الخليجي لن يستمر وهو اتفاق مؤقت او على الاقل ليس بالتفاهم المستقر.
وحول المساعي الأمريكية لضم “مسد” إلى منصات المعارضة رأى “دنورة” أن هذا الأمر لن ينجح في العمق، وسينعكس مزيداً من التنافر، بسبب المعارضة التركية لذلك.
وأنهى خبير العلاقات الدولية حديثة بالقول “الأمر متعلق بالدرجة الأولى بالولايات المتحدة، فهي التي سوف تقود هذه الأوركسترا نحو التصعيد أو الانسحاب، وبرأيي الاحتمال الثاني هو الأقرب، وذلك كون الإدارة الأمريكية لا تسعى في هذه المرحلة لإحياء ساحات مواجهة جديدة مع إيران، بل تسعى للتفاهم معها وهو ما سيقود المعسكر المعادي لسورية إلى مزيد من التراجع، ومن الصعب تخيل أن تقود إدارة بايدن تحالفاً للتورط بشكل أوسع بالأزمة السورية، قائلاً: “إن هناك ما يكفي من التاريخ السيئ للتورط الأمريكي بالأزمات طويلة الامد، وما يكفي من سوء التصرف تجاه الازمة السورية، وذلك وفق ما تراه العديد من الاوساط السياسية والبحثية الامريكية”.
رضا توتنجي