خاص || أثر برس أصبحت تركيا عاريةً تماماً بموقفها بعد التوغل العسكري شمال سورية ، فذرائع أردوغان التي بدأت قبل ثلاث سنوات مع عملية “درع الفرات” مروراً بعملية “غصن الزيتون” انتهت باتفاق “قوات سوريا الديمقراطية” والدولة السورية بانتشار الجيش السوري على الحدود وداخل مدن الشمال السوري في ظل مشهد سوف يغيّر الخارطة بأبعاد صراعات إقليمية ودولية، ويحوّل منعطف الأزمة السورية إلى مسار آخر كليّاً أقربها اشتباك سوري – تركي إن حصل على مسافة 460 كم على الحدود بين البلدين، وهي نطاق عملية “نبع السلام” التي بدأتها القوات التركية منذ أيام لإنشاء “المنطقة الآمنة” في الشمال السوري واحتلت مع الفصائل المسلحة التي تدعمها مدينتي رأس العين وتل أبيض شمال مدينة الرقة، مسببة ضحايا و دماراً للبنى التحتية وموجة كبيرة من نزوح المدنيين.
منذ إعلان أردوغان عن بداية العدوان التركي في الشمال السوري اتضح بأن خطته هي نتاج توافق مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لأن الأخير حذره بعدم تجاوز الخطوط الحمراء المتفق عليها، وبعد أن تورطت تركيا في التوغل تغير الموقف الأمريكي كلياً وبدأت بفرض عقوبات على مسؤولين أتراك شملت وزيري الدفاع والطاقة،
وعاد دونالد ترامب ليقول مجدداً إن استمرت العملية التركية في الشمال السوري واستهدفت الأقليات العرقية سوف يدمر الاقتصاد التركي.
في حقيقة الأمر قد ترجع التناقضات في سياسة دونالد ترامب في مواقفه حول شمال سورية لاحتمالين:
الاحتمال الأول أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أراد إيجاد شرخ في العلاقة التركية – الروسية لأنه يدرك بعد خليه عن “قسد” أمام الهجمات التركية بأنها سوف تلجأ إلى الدولة السورية، وأمام تعنت أردوغان سينتهي الأمر باشتباك سوري – تركي قد لا تنفع الوساطة الروسية في إيجاد مخرجاً للصدام فيه لأن وحدة الأرض السورية وسيادتها أمر لا نقاش فيه مع الدولة السورية وهي تدرك نوايا أردوغان المعلنة والمبطنة، وعلى الجانب الآخر فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مصمم على احتلال 30 كم في عمق الأراضي السورية، والقضاء على عناصر “الحزب الديمقراطي الكردي” المرتبط بـ “حزب العمال الكردستاني”، ويريد أن يقطع بينهما الصلة تماماً على امتداد الحدود السورية – العراقية، كما أنه يتحجج باللاجئين السوريين الذين يريد أن يغيّر بهم ديموغرافية شمال شرق سورية، ليحتل بعد ذلك أجزاء من سورية.
الاحتمال الثاني، قد يكون دونالد ترامب أراد بفرض العقوبات على تركيا تهدئة الوضع في الداخل الأمريكي، حيث إن الديمقراطيين والجمهوريين على السواء ضد انسحاب القوات الأمريكية من الشمال السوري، وخاصة بعد قرار دونالد ترامب بسحب 1000 جندي أمريكي، وتقود رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي حملة كبيرة بالاتفاق مع الجمهوريين لوقف قرار الانسحاب الأمريكي.
لم تفيد توجهات أردوغان نحو الدول الأوروبية حول محتجزي “داعش”، حيث تعهد أردوغان في مقال في صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية بأنه لن يسمح بمغادرة مسلحي “داعش” من سورية، لكن هذه التطمينات لم تنجح في إصلاح المواقف المتباينة في دول حلف شمال الأطلسي التي أوقفت بالإجماع إرسال شحنات الأسلحة إلى تركيا، وهذا تطور وتصعيد يصب في المصلحة الروسية بكل تأكيد، إلا أن الدور الروسي بعد انسحاب القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية من الشمال السوري يواجه تحديات كبيرة، وحتى ما صرّح به نائب وزير الخارجية الروسي عن السعي لإعادة تفعيل اتفاقية “أضنة” بين الجانبين التركي والسوري هو مهمة قد لا تنال رضا الطرفين، لأن الدولة السورية ألغت جميع الاتفاقيات مع تركيا لحين خروجها من الأراضي التي تحتلها في عفرين وجرابلس وإعزاز والباب، كما أن الاتفاقية تتيح لأنقرة التوغل 5 كيلو مترات فقط داخل الأراضي السورية، وبما أن القوات السورية وفق اتفاقها مع “قسد” سوف تقوم بالانتشار على الحدود، فما الفائدة أساساً من اتفاقية “أضنة”؟
عسكرياً لا يمكن تجاهل المسؤولية والسرعة التكتيكية التي انطلق بها الجيش السوري باتجاه الشمال بعد دعوة “قسد” للدولة السورية واعترافها بشرعيتها وقدرتها في الحفاظ على السيادة السورية، ولعل هتافات الشعب السوري بجميع أطيافه ومكوناته للجيش السوري الذي دخل منبج وتل تمر والحسكة والقامشلي والرقة وعين عيسى والطبقة وأحياء حلب الشمالية في الشيخ مقصود وبني زيد دليلاً على ثقتها بأن التوغل التركي سوف يفشل، وأن مشروع أردوغان في اقتلاعهم من أرضهم لتحقيق ما يخطط به أمراً مستحيلاً.
التطورات الأخيرة في منحى الحرب على سورية غيّرت من المسار كليّاً، لكن المرحلة القادمة معقدة بعد فشل مشروع أردوغان، ولاسيما في ظل التناقضات الأمريكية، ولا يمكن استبعاد أي اشتباكات محدودة أو واسعة بين الجيش السوري والفصائل مسلحة التي تدعمها تركيا على خطوط الجبهات المشتعلة.
علي أصفهاني