خاص || أثر برس تصدّر خبر النسر الذي حطّ على شاطئ البحر في قرية المنطار بريف طرطوس، قبل يومين، صفحات التواصل الاجتماعي، وسط تساؤلات كثيرة لناشطين حول مصير النسر، وهل حط لوحده أم تم صيده؟
غيث المطرح “صيّاد سمك” أحد أبناء قرية المنطار يقول لـ”أثر” إنه فيما كان ورفاقه يصطادون السمك على الشاطئ، شاهدوا عند الساعة الحادية عشرة صباحاً، طيراً كبيراً قادماً من فوق البحر، وقد حطّ على الشاطئ بعيداً عنهم مسافة1 كم، ثم عاود الطيران بعد أن رماه أطفال صغار بالحجارة، ويضيف: “عندما طار النسر حلّق باتجاهنا على مستوى منخفض جداً وذهب باتجاه البحر بضعة أمتار ثم عاود الرجوع إلى الشاطئ وحطّ دون حراك”.
وتابع المطرح: “كنا خائفين منه، لأننا عرفنا أنه نسر، وأنه يشكل خطراً علينا، ولذلك استغلينا أنه لا يقوى على الحراك وقمنا بربط رجليه وفمه، ثم قمنا بالاتصال مع عدد من الأشخاص الذين قد يعرفون أشخاصاً خبراء بالطيور الجارحة، لكن دون جدوى، ثم قمت بالتقاط صور للنسر وأرسلتها إلى صفحة تواصل اجتماعي “فيسبوك” على أمل أن يقوم أحد من الخبراء أو المختصين بالتواصل معنا، لكن دون جدوى”.
وأشار المطرح إلى أنهم قاموا بإدخال النسر إلى الخيمة الموجودة على الشاطئ والمخصصة لتبديل ملابسهم واستراحتهم أثناء الصيد، ومن ثم تفقدوا جناحي النسر وجسمه لمعرفة إذا كان مصاباً بجرح أو طلق بندقية، وتأكدوا أنه كان سالماً، وأضاف: “بعد ذلك قمت بإحضار طيراً من الحمام وبقايا دجاج وماء ووضعتهم أمامه، وقمت بحل رباط فمه ورجليه حتى يستطيع تناول الطعام، وبالفعل أكل وشرب، ونحن ننظر إليه من بعيد”
وتابع المطرح: “عند غروب الشمس وفيما قمنا بفتح باب الخيمة، سارع النسر في التوجه نحو باب الخيمة بسرعة كبيرة، ثم طار دون أن نستطيع رؤية في اتجاه ذهب”.
وأكد المطرح أنهم صيادو سمك وليس لديهم خبرة في الطيور الجارحة، ولم يكن لديهم نية إلحاق الأذى بالنسر، بل على العكس كان يسعون وراء خبير أو أي جهة صاحبة شأن ترشدهم على طريقة الرعاية به أو أخذه والاعتناء به، مستدركاً: “حسب توقعاتنا كان النسر متعباً من التحليق فوق البحر حيث كان قادماً من الشمال، ولذلك فإنه حط دون حراك، حتى يأكل ويشرب ويستريح، ثم انتهز أول فرصة للهرب والطيران من جديد”.
بدوره، قال الخبير في الحياة البرية الأستاذ أحمد ايدك لـ”أثر” إن النسر الذي تم العثور عليه في طرطوس هو النسر الأسود، أو كما يسمى علمياً “Aegypius monachus”، ويعد من نسور العالم القديم، أي أنه موجود منذ عصور قديمة، وهو يتكاثر في أوروبا وتركيا وروسيا والقوقاز ووسط آسيا عموماً، ثم يهاجر في الشتاء إلى شبه الجزيرة العربية وأفريقيا سعياً وراء الدفء أسوة بباقي الطيور المهاجرة، ولكن الأغلبية منها يبقى في أماكن التكاثر، ثم تعاود الطيور التي هاجرت في الربيع بالهجرة شمالاً إلى أماكن التكاثر، حيث تبني أعشاشها على الأشجار العالية الضخمة عموماً أو على جرف صخري مرتفع.
وحسب ايدك، النسر الأسود من أكبر أنواع الطيور في العالم، يصل وزنه لـ 14 كغ، ويبلغ طول الجناحين 190 سم، يختار الذكر شريكة حياته ويبقيان معاً مدى الحياة، تضع الأنثى بيضة واحدة أو اثنتين ولكن عناية الأبوين تكون على بيضة واحدة، مشيراً إلى أن الفراخ لا تنضج جنسياً ولن تكون قادرة على التكاثر حتى تبلغ عمر خمس سنوات، ولكنها تعيش عمراً طويلاً في البرية يبلغ عشرين عاماً.
وأكد ايدك أن هذا النوع من الطيور لا تهاجم الحيوانات ولا الأشخاص، مدللاً: لأنها ببساطة طيور قمامة غذاؤها الوحيد هو جثث الحيوانات النافقة فقط، معرباً عن أسفه للصيد الجائر الذي تتعرض له هذه الطيور، خاصة أن معظمها هي طيور يافعة لم تبلغ سن النضج بعد.
وبين ايدك أنه مؤخراً، انخفضت أعداد هذه الطيور في العالم بنسبة كبيرة، بسبب تناولها للجثث النافقة المحتوية على المواد الكيميائية من أدوية بيطرية وغيرها، وأصبحت مهددة بالانقراض بحسب الاتحاد العالمي لحماية الطبيعة بدرجة NT أي قريبة من تهديد الانقراض، ولذلك يتم حمايتها بالقوانين الصارمة في جميع مناطق تكاثرها في العالم بشكل كبير جداً.
وخلاف الاعتقاد السائد لدى العامة، ليست جميع الطيور الجارحة تشكل مكسباً مادياً للأشخاص الذين يصطادونها، مدفوعين بـ”حمى الصقور” التي أصابت العديد من الناس للإمساك بأي طائر جارح أملاً بأنه يساوي الملايين، مدللاً بأن الصقور الجارحة وهي الشاهين وأنواع الصقر الحر هما فقط اللذين يساويان ملايين الليرات، لكنهما لا يتواجدان سوى في المناطق المفتوحة والبادية، وهي غير موجودة عموماً في مناطق الغابات.
وأضاف ايدك: باستثناء هذين النوعين، فإن بقية الطيور الجارحة لا يشتريها أحد، وإن وجد فإنه يدفع بها سعراً زهيداً لغاية تحنيطها فقط داعياً الصيادين وغيرهم بأن يكونوا أكثر وعياً في هذه النقطة والتوقف عن الصيد الجائر والإمساك بالطيور الجارحة أو محاولة صيدها.
صفاء علي – طرطوس