تعتمد الولايات المتحدة في سياساتها الخارجية عادةً على شق الصف الداخلي للدول التي لا تتماشى مع سياستها ويكون ذلك تمهيداً لشن هجمات عسكرية تستند من خلالها على إحدى الفئتين التين أحدثت خلاف بينهما لتحارب معها الجهة الأخرى من خلال تبني شعاراتها المعتادة كالدفاع عن الحرية أو إلغاء الأنظمة الديكتاتورية.
اليوم يبدو بأن تلك السياسة الأمريكية بدأت تحدث وبشكل تلقائي داخل المطبخ الأمريكي الذي كان يعدها للخارج ليظهر حالة انقسام داخلي وصفها مراقبون بأنها الأولى من نوعها في الولايات المتحدة.
اقتصر الموضوع في البداية على بعض التحليلات التي تحدث عنها محللون سياسيون ووصفوا الوضع في الداخل الأمريكي بأنه “خطير للغاية” لكن تلك التحليلات كانت مجرد وجهات نظر إلى الوقت الذي بدأت تحذر فيه جهات رسمية دولية من خطورة الوضع الداخلي الأمريكي وهو ما تحدثت عنه وزارة الدفاع الألمانية أمس الأربعاء عندما صرحت وزيرة الدفاع الألمانية، أنيغريت كرامب كارينباور، بأن الوضع في الولايات المتحدة بعد الانتخابات “قابل للاشتعال”، قائلةً: “هذا وضع قابل للاشتعال بشدة، وإنه وضع يمكن أن يؤدي إلى أزمة دستورية في الولايات المتحدة، مثلما يقول الخبراء، وهذا أمر يثير قلقناً البالغ بالطبع”.
وفي سياق ذلك نقل موقع “ذي هيل”، تأكيده أن المركز المشترك للأمن القومي المسؤول عن تخطيط مكافحة الإرهاب في سلطة الهجرة الأمريكية، حذر في الآونة الأخيرة من إمكانية وقوع مظاهرات في منطقة العاصمة، حيث تم نصب جدار عال وحواجز حول البيت الأبيض، كما سدت مصالح تجارية عديدة في واشنطن في نيويورك وفي مدن أخرى نوافذ عروضها بألواح من الخشب منعا للسلب والنهب، مثلما حصل في الاضطرابات العنصرية بعد مقتل جورج فلويد.
لماذا هذه الانتخابات تحديداً أدت إلى ذلك؟
المختلف في هذه الانتخابات عن سابقاتها بأن الرئيس الأمريكي الموجود في السلطة (دونالد ترامب) قد بدأ بتطبيق السياسات الأمريكية الخارجية داخل بلاده فحالة التميز التي قام بها الرؤساء السابقين تجاه الدول الأخرى بدأ ترامب بتطبيقها داخلياً وبصورة مباشرة للحفاظ على السلطة وذلك من خلال دعم فئة على حساب أخرى والتي نتج عنها تسلط أكبر للفئات التي يدعمها وتمثلت بمظاهرات جورج فلويد وعودة الحديث عن العنصرية في الداخل الأمريكي.
وبالتوازي مع ذلك قام ترامب بتعزيز فكرة لدى الفئات التي يدعمها بأنه إذا فشل في الانتخابات فإن ذلك سيكون بسبب “الغش” عندما رفض خلال الستة أشهر الماضية مراراً الالتزام بعملية انتقال سلمي للسلطة عندما سئل عن ذلك، وزعم أنه لن يخسر الانتخابات إلا إذا تم تزويرها، قبل أن يقوم مؤخراً وخلال الانتخابات بإعلان الانتصار قبل صدور نتائج الانتخابات، وإرجاعه أصل المشكلة إلى طريقة التصويت والفرز ومواعيدهما، في موازاة تهديده باللجوء إلى المحكمة العليا لوقف عدّ الأصوات في بعض الولايات التي خسرها، مثل ويسكونسن وميشيغان، بسبب تقارب النتائج، وغرد على موقع “تويتر” يوم الثلاثاء قائلاً: “كنت متقدماً في كثير من الولايات الرئيسية، بعد ذلك، بدأت الواحدة تلو الأخرى تختفي بطريقة سحرية مع ظهور بطاقات انتخابية مفاجئة واحتسابها”، ليحدث بذلك حالة من زعزعة الثقة لدى المواطنين الأمريكيين بديموقراطية بلادهم، وإيعازاً مباشراً لمناصريه للنزول إلى الشوارع في حال عدم فوزه وهو ما يبدو أنه سيحدث بعد تقدم منافسه “جو بايدن”.
وما ساعد ترامب على القيام بتلك الألاعيب هو ظروف إجراء الانتخابات في ظل جائحة كورونا وتغيير وسائل التصويت التي سهلت عليه التقدم باتهامات لا أساس لها من الصحة تتعلق بتزوير الانتخابات كما أن النتائج المتقاربة إلى حد الآن تجعل الانقسام أكبر بين المواطنين الأمريكيين.
وعليه يبدو بأن خطوط المواجهة في الداخل الأمريكي قد رسمت، بصرف النظر عن اسم الفائز، والسم الذي كانت تطبخه الولايات المتحدة للشعوب المظلومة في كافة أرجاء العالم ستذوقه، فترامب الذي أنهك دول العالم بالعقوبات يبدو أنه سيكون سبب في انهيار بلاده التي يرتبط انهيارها بنهوض كل دول العالم الثالث.
رضا توتنجي