يبدو أن خطة الولايات المتحدة لزيادة الحصار الاقتصادي على الدول التي لا تخضع لسياستها لا تقتصر على العقوبات الحالية، حيث تتواصل المساعي لإغلاق كافة المنافذ الاقتصادية لتلك الدول عن طريق تغيير مسارات التجارة من أصلها.
حمل رئيس الحكومة العراقي مصطفى الكاظمي، إلى القمة الثلاثية التي عقدت في العاصمة الأردنية عمّان، أول أمس الثلاثاء، مشروعاً أطلق عليه “مشروع بلاد الشام الجديدة وفق النسق الأوروبي”، وركزت القمة الثالثة بين مصر والعراق والأردن، على توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدان الثلاثة، بحسب ما أفاد به بيان للديوان الملكي الأردني.
ويهدف المشروع لاستثمار ما يتوفر من إمكانات لدى هذه البلدان الثلاثة، فالعراق يمكن الاستفادة من إمكاناته النفطية، ومصر من الطاقات البشرية والمصانع، أما الأردن فيتوسط البلدين، بالإطار العام فإن المشروع يمثل حالة نهضة عربية وتعاون عربي لتبادل الطاقات وملئ نقاط الضعف بين الدول العربية وهو ما تتمنى كل الشعوب العربية حدوثه لكن من ناحية أخرى يبدو أن الاتفاق يخفي في طياته نوايا أخرى قد تؤثر على زيادة الضغط الاقتصادي على دول عربية أخرى.
مشروع “بلاد الشام” بدون الشام!
النقطة الأبرز التي تضع العديد من إشارات الاستفهام حول المشروع هو استثناء سورية التي هي قلب بلاد الشام تاريخياً وجغرافياً، والتي تحتل موقع مهم بين العراق والأردن من المشروع، ويأتي المشروع في الوقت الذي تعاني فيه سورية من حصار اقتصادي تشنه عليها الولايات المتحدة وفكرة رئيس وزراء العِراق الجديد مصطفى الكاظمي أعلنت بعد عودته من زيارة واشنطن، حيث لَقِي ترحيباً ملحوظاً من قبل الرئيس دونالد ترامب، ومايك بومبيو وزير الخارجيّة، ما يشير إلى أن الاتفاق يخدم الأجندات الأمريكية في زيادة الحصار على سورية.
من جهةً أخرى تسعى الولايات المتحدة إلى إرضاء الجانبين الأردني والعراقي بإيجاد بدائل لحركة الترانزيت التي تقوم على التبادل التجاري مع سورية عن طريق السوق المصرية وخلق طريق تجاري جديد من شأنه أن يشكل منعطف في الحركة التجارية القديمة.
أما من الناحية السياسية والعسكرية فقد يشكل الاتفاق نواة لتحالف جديد بالمنطقة، أي إذا كانت الإرادة موجودة لدى هذه الدولة فإن خطوات النجاح ستأتي بعد ذلك بوضع اتفاقيات عسكرية وأمنية وحتى سياسية، فالدول الثلاثة تجمعها أيديولوجية سياسية متقاربة متمثلة في التماهي مع المصالح الأمريكية في المنطقة وارتباط دولتين فيهما (الأردن ومصر) بمعاهدات سلام مع الكيان الإسرائيلي ما قد يكون تمهيداً لاجترار العراق إلى اتفاقيات مماثلة، والاتصال الجغرافي البري بين الدول الثلاثة لا يمكن أن يتم إلّا عبر الأراضي المحتلة فلا حدود جغرافية تربط مصر بالأردن ولا يمكن ربطها برياً إلّا عن طريق جنوب فلسطين المحتلة وهو ما يضع نقطة استفهام جديدة على الاتفاق.
لا يمكننا في هذا المشهد استبعاد إيران وتأثير تلك الاتفاقية عليها فالعراق يشكل من الناحية التجارية منفذاً لإيران واتمام الاتفاق قد يؤدي إلى استبدال الكثير من البضائع الإيرانية بأخرى مصرية، وبالتأكيد لا تهدف الولايات المتحدة من ذلك إلى إنعاش اقتصاد الدول العربية فالهدف من ذلك هو زيادة الحصار الاقتصادي على إيران كما هو الحال على سورية، ومن الناحية السياسية والعسكرية فإدخال العراق الذي تربطه بإيران حدود برية على طول أكثر من 1300 كلم بتحالف مع دولتين موقعتين على اتفاقيات سلام مع الكيان الإسرائيلي من شأنه أن يؤثر بالمستقبل على العلاقات الدبلوماسية بين العراق وإيران.
يبدو أن المشروع يأتي لإيجاد بديل للعراق عن الخط التجاري الذي يربط إيران بالعراق وسورية ولبنان ومحاولة لقطع الطريق أمام أي محاولة لإحياء مشروع الربط السككي بين إيران والعراق وسورية وإخراج كل من مرفأ طرطوس ومرفأ بيروت الذي شهد التفجير الأخير من أي معادلة اقتصادية مع العراق أو الأردن ومن غير المستبعد أن يتم الاستعاضة عنهم مستقبلاً بميناء حيفا في الأراضي المحتلة وإدخال الكيان الإسرائيلي في تلك الاتفاقية بشكل تدريجي خصوصاً بعد ظهور حالات التطبيع العلني من قبل الدول العربية مع الكيان الإسرائيلي.
كما ذكرنا سابقاً فإن المبادة بإطارها الظاهري أكثر من جيدة وكلنا نتمنى التعاون الاقتصادي والعسكري والسياسي بين الدول العربية كما نتمنى وحدتها، لكن اعتدنا في هذه المنطقة بأن لا خير بأي مبادرة تباركها الولايات المتحدة فلو كانت تلك المبادرة جيدة بالفعل للشعوب العربية ولا تستهدف شعب على حساب أخرى ولا تخدم المصالح الإسرائيلية لما وافقت الولايات المتحدة عليها ولكانت عرقلتها قبل الحديث بها.
رضا توتنجي