خلال اليومين الفائتين انخفضت وتيرة التصعيد التركي ميدانياً وسياسياً، فعلى الصعيد الميداني اقتصرت الأحداث الميدانية في تلك الجبهات على اشتباكات محدودة بين “قوات سوريا الديمقراطية-قسد” من جهة وفصائل أنقرة من جهة أخرى، أما على الصعيد السياسي، فغابت التهديدات التركية عن الساحة الإعلامية، دون أن يشهد الموقف التركي أي تراجع عن التصريحات السابقة.
وفي هذا الصدد، نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن قائد “مجلس الباب العسكري” بريف حلب الشرقي، جمال أبو جمعة، التابع لـ”قسد” قوله: “إن المجلس أحبط يوم السبت 11 حزيران محاولة تسلل فصائل موالية لتركيا إلى إحدى نقاطه في قرية الحوتة غربي مدينة منبج المجاورة بعد اشتباكات دامت فترة من الوقت بين الطرفين”، موضحاً أن أجواء المنطقة شهدت تحليقاً للمقاتلات الروسية على علو منخفض، فوق قرى وخطوط الجبهة الواقعة على نقاط التماس مع الفصائل السورية والقوات التركية المنتشرة في الجهة المقابلة.
الموقف السياسي:
بالرغم من عدم الإدلاء بأي تصريحات جديدة، لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لم يتراجع عن تهديداته السابقة بشن عملية عسكرية شمال شرقي سوريا، بهدف تنفيذ مشروع “المنطقة الآمنة” على طول الحدود السورية-التركية بعمق 30 كم، محدداً المناطق التي ستستهدفها العملية، مؤكداً أنها ستبدأ من مدينتي تل رفعت ومنبج بريف حلب وبعدها الانتقال تدريجباً إلى باقي المناطق، فيما تصر كل من روسيا والولايات المتحدة وإيران على ضرورة عدم شن هذه العملية التركية.
أما الموقف السوري، فعبّر عنه الرئيس بشار الأسد، بشكل واضح ومباشر خلال اللقاء الذي أجراه مع قناة “روسيا اليوم” وتمت إذاعته يوم الخميس 9 حزيران الجاري، عندما شدد على أنه في حال حدث غزو فإن سوريا ستواجهه على الصعيدين الرسمي والشعبي، مذكّراً بالمواجهة التي جرت بين الجيشين السوري والتركي قبل عامين ونصف، قائلاً: “حصل صدام مباشر بين الجيشين السوري والتركي وتمكن الجيش السوري من تدمير بعض الأهداف التركية التي دخلت إلى الأراضي السورية”.
بخصوص الموقف الأمريكي، لفتت صحيفة “الشرق الأوسط” إلى أن “تركيا لا تهتم كثيراً بالموقف الأمريكي إزاء عمليتها العسكرية المحتملة في شمالي سوريا، لأن الصدام بينهما غير وارد، لعدم وجود قوات أمريكية في منبج وتل رفعت، إلا أن المعضلة الحقيقية لتركيا هي مع روسيا، التي تنشر قواتها غرب الفرات”.
وفيما يتعلق بالموقف الروسي، فإن اللقاء الذي جمع بين وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره التركي مولود جاويش أوغلو، بأنقرة في 8 حزيران الجاري، أكد خلاله لافروف، أن بلاده تجد أن أنقرة محقّة بمخاوفها بخصوص حدودها مع سوريا، مؤكداً في الوقت ذاته أن ذلك لا يعني تأييد روسيا للعملية التركية، كما أكد السفير الروسي لدى دمشق وممثل الرئيس الروسي في سوريا ألكسندر يفيموف، خلال لقاء أجراه مع صحيفة “الوطن” أن ضمان الأمن الثابت على الحدود السورية – التركية يكون فقط من خلال نشر القوات الحكومية السورية في المنطقة المجاورة لها، وسيكون هذا انعكاساً عملياً لتصريحات أنقرة الرسمية أكثر من مرة حول احترام سيادة سوريا وسلامتها الإقليمية”.
وفي هذا الصدد، أشارت “الشرق الأوسط” إلى أن تركيا تأمل أن تحظى بتأييد روسي مقابل مواقفها في الحرب الأوكرانية، وخاصة عدم تأييد العقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا.
أنقرة لن تتخلى عن العملية:
في الوقت الذي تؤكد فيه التقارير على أن أنقرة ترغب بالحصول على موافقة روسية في عمليتها العسكرية شمالي شرق سوريا، أكد مسؤول تركي لوكالة “رويترز”، أن بلاده ستنفذ هذه العملية بطريقة أو بأخرى، وفي هذا الصدد، نقل موقع “العربي الجديد” عن مصادر وصفها بـ”المطلعة” أن الشرط الروسي والأمريكي يتمثل بأن تكون العملية العسكرية التركية محدودة بموجب ما يتم التفاهم عليه، مشيرة إلى أن حرب أوكرانيا هي ورقة رابحة بيد أنقرة لكسب رضا واشنطن وموسكو بهذه العملية.
الأمر ذاته الذي أكدته صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية التي نشرت تقريراً اعتبرت خلاله أن أردوغان يحسب الأمور بشكل دقيق، مشيرة إلى أن الحرب في أوكرانيا توفر له فرصة استثنائية، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن أنقرة التي تشن هجومها الرابع في سوريا خلال 6 سنوات، تستهدف موقعين استراتيجيين: تل رفعت جنوب أعزاز ومنبج شرقاً.
بدورها نقلت صحيفة ” فزغلياد” الروسية عن المستشرق يشار نيازبايف، قوله: “إن روسيا مستمرة في دعم الاستقرار في هذه المنطقة، لذلك فإن تركيا، رغم أنها تخطط لإجراء عملية عسكرية هناك، فلا يمكنها القيام بذلك من دون التنسيق مع موسكو، ربما، كجزء من المفاوضات، ستكون هناك مساومة حول هذا الموضوع”، منوّهاً إلى أن “تركيا أعلنت أنها ستجري عملية في منطقتي تل رفعت ومنبج، ولكن هناك قوات روسية في هاتين المنطقتين أيضاً، لذلك فمن المهم للغاية الآن بالنسبة لتركيا أن تسحب روسيا عسكرييها من هناك، لكن مقابل ماذا تريد تركيا ذلك؟ لا يمكن لأحد أن يقول على وجه اليقين حتى الآن”، مضيفاً أنه “لدى روسيا التزامات تجاه دمشق، لذلك فالمناقشات لا مفر منها على أي حال، يتعلق الأمر باتفاقيات على بعض الخطوط والحدود التي ستسمح روسيا لتركيا بتنفيذ عمليتها ضمنها”.
يبدو أن “قسد” تتصرف على أن العملية قائمة، فعلى الصعيد السياسي أعلنت عن استعدادها للتنسيق مع الجيش السوري، كما دعا سابقاً الرئيس العام لـ.”قسد” الدولة السورية لحماية حدودها الشمالية، إلى جانب حديث مسؤولين في “قسد” عن تحضيرات وتعزيزات عسكرية.
وكذلك، نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن مصادرها أن “قسد” نقلت نحو 500 معتقل من سجونها بمدينة منبج، إلى مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا، تزامناً مع إجلاء عوائل قادة في صفوفها، باتجاه مدينة حلب، استباقاً للهجوم الذي تعتزم تركيا شنه على المدينة، كما يبدو.
يعتقد الخبراء أن العملية التركية شمال شرقي سوريا باتت رهن المباحثات والمفاوضات التي تجري بين الأطراف الفاعلة في تلك المناطق، للتوصل إلى اتفاقات تحدد حجم العملية وباقي تفاصيلها.