يطل رجل سبعيني في الصباح الباكر متجعد الوجه بملامح مبتسمة نوعاً ما، ماسكاً علبة حلوى “الهريسة النبكية”، يوقف الباص عند أحد المواقف العامة في العاصمة دمشق لكي يصعد، ولكن يتردد.
حسن سنديان.. أثر برس
كنت جالساً بجانب الباب تماماً مددت يدي لكي أساعده على الصعود ولكن علبة الحلوى أربكته قليلاً، بدأ السائق يتذمر من تأخر الرجل السبعيني وقال: “خلصنا يلا طلاع شو عم تبيت استخارة”، لكنه لايعلم أن علبة الحلوى لها أهمية كبيرة لدى المسن، فرد عليه العم ” طول بالك معلش يا ابني تحملني قد أبوك أنا”، تنازل المسن وأعطاني علبة الحلوى لكي يصعد، وعندما جلس على أحد مقاعد الباص أخذ مني العلبة سريعاً بوجٍه مبتسم.
نظرت إلى العم وقلت له “صحتين عمو”، فعاد النظر إليّ وابتسم ابتسامة العارف في الحياة وكأنه يريد أن يقول لي ما مر عليه من الزمن ويذكرني في هذا الصباح ما رسخ في أذهاننا من مأسي الحرب، يرد العم “هي مو إلي هي لبنتي أنا ما باكول حلو”، بدأ التساؤل ينتابني ويجول في ذهني الكثير من الأسئلة، لماذا لــ ابنته أم هل هو مريض سكري؟.
سألت العم هل ابنتك تحب الحلوى ، فأجاب ابنتي عادت من السفر لترى منزلها الذي دمر بقذيفة صاروخية ولكن لا نعرف ممن ولا نعرف من نلوم لأن المنزل تهدم والطفل راح!، قلت له أي طفل، فقال: حفيدي صاحب العينين الزرقاويتين، الذي يحب حلوى “الهريسة”
بدأت عينا العم تلمع بالبكاء وأخدت ملامح الحزن تنال منه، ربما أعدت له الماضي دون أن أشعر، تابع العم حديثه وقال لي: “آمل أن أصل باكراً إلى ابنتي لكي أعطها الحلوى”، هذا الهم كان عند المسن أكبر من هم الحرب التي حلت على سوريا وهي إيصال علبة الحلوى قبل أن يشعر بالندم بعدم تلبية طلب ابنته الذي ربما يهدئ من حزنها على ابنها الذي كان يريد الحلوى قبل موعد الموت.