خاص || أثر برس لم تستثن الحرب في سوريا أي قطاع من القطاعات الاقتصادية من التراجع نتيجة الدمار والتخريب والسرقات، حيث تأثر قطاع الثروة الحيوانية بشكل كبير خلال السنوات الـ 12 الماضية ما انعكس على الإنتاج الحيواني، إذ تراجع عدد قطيع الحيوانات الحلوب خلال الفترة (2011- 2021) بنسب متفاوتة لكل نوع، فانخفض عدد رؤوس قطيع الأبقار بنسبة 25%، والماعز 17% والأغنام 7%، أمّا بالنسبة للتغيرات التي طرأت على رؤوس قطيع الحيوانات الزراعية كانت متفاوتة، حيث احتل قطيع الحمير النسبة الأكثر تراجعاً بنحو 48%، أمّا الخيول العربية الأصيلة تراجع عددها 36% لكن لم تخسر سوريا أيّ سلالة بالكامل منها.
كانت سوريا تمتلك قبل الحرب ثروة حيوانية كبيرة وتشكل مصدراً أساسياً داعماً للاقتصاد الوطني وتمثل إحدى أهم ركائز الأمن الغذائي في البلاد، ومنذ أنّ بدأت الحرب على سوريا عام 2011 تعرض القطاع لخسائر كبيرة، حيث تراجع عدد رؤوس قطيع الحيوانات الحلوب (الأغنام، والأبقار، والماعز) بشكل واضح متأثرة بعوامل عدّة منها طبيعة المواسم الزراعية والظروف الجوية والمناخية، أضف إلى ذلك تأثير الحرب وهجر مئات المربيين قطعانهم والتهريب وغيرها.
وتعتبر الأغنام في سوريا من أفضل سلالات الأغنام التي تُربّى في المنطقة (أغنام العواس) وتتميز بقدرتها الفائقة على تحمل الحرارة والجفاف والترحال وهي تقدم اللحم، والحليب، والصوف، حيث تراجع عدد القطيع في سوريا بحسب المكتب المركزي للإحصاء في سوريا، من 18.1 مليون رأس عام 2011، إلى 13.7 مليون رأس عام 2015 وذلك بنسبة بلغت 24%، نتيجة الحرب التي أدت إلى سرقة وموت وتهريب قسم كبير من القطيع إلى الدول المجاورة، إضافة إلى ذلك، لم تساعد الحرب العاملين في إحصاء القطاع في ضبط الأعداد بشكل دقيق بسبب انتشار الفصائل المسلحة وخاصة في الأرياف والبادية التي تعد المركز الرئيسي لتربية الأغنام.
وخلال عامي 2016، و2017 شهد قطيع الأغنام زيادة طفيفة ليصل إلى 13.8 مليون رأس لكل منهما، ثم ارتفع العدد إلى 14.5 مليون رأس في عام 2019، ثم إلى 16.8 مليون رأس في عام 2021، ويعود سبب ذلك الارتفاع إلى عودة الاستقرار الأمني وضبط الحدود في الكثير من الأرياف، وكذلك استقرار مناطق البادية في محافظات حماة وحمص وريف دمشق وحلب والتي تعد مناطق رئيسية لتربية الأغنام، إضافة إلى ذلك، عودة الإحصاءات الرسمية إلى المناطق التي تم تحريرها وبالتالي إحصاء العدد الحقيقي للقطيع.
وبالنسبة لقطيع الماعز، يُربّى في سوريا نوعين من الماعز (الجبلي، والشامي)، وكلاهما تأثر عدده في البلاد خلال الحرب، حيث تراجع عدد رؤوس الماعز من 2.3 مليون رأس تقريباً في عام 2011، إلى 1.8 مليون رأس في عام 2018، ثم حصلت زيادة طفيفة على عدد رؤوس القطيع في عام 2021 ليصل إلى 1.9 مليون رأس وذلك بسبب حالة الاستقرار الأمني وعودة الإحصاءات من جديد وضبط الحدود.
أمّا بالنسبة لقطيع الأبقار، يوجد في سوريا ثلاث سلالات رئيسية وهي (الشامية، والأجنبية، والمحلية)، ويُعد قطيع الأبقار من أكثر قطعان الثروة الحيوانية الحلّابة خسارة حيث تراجع عدد القطيع بشكل كبير خلال الحرب، فكان مسجل لدى سوريا عام 2011 أكثر من 1.15 مليون رأس، ثم انخفض العدد إلى 767 ألف رأس في عام 2018 وذلك بخسارة كبيرة بلغت نسبتها 33.7%.
ويعود سبب ذلك للسرقات والذبح العشوائي والتهريب للقطعان التي سيطرت عليها الفصائل المسلحة خلال الفترة 2013- 2017، وتدمير العديد من مؤسسات “المباقر” المنتشرة في العديد من المحافظات، أضف إلى ذلك أيضاً، عدم وجود إحصاءات دقيقة بسبب عدم قدرة الجهات الحكومية المعنية بتنفيذ الإحصاء الشامل الوصول خلال تلك الفترة إلى مناطق تربية القطيع، وفي عام 2021 ارتفع عدد قطيع الأبقار في البلاد ليصل إلى 872 ألف رأس.
ويتضح مما سبق أنّ قطيع الأبقار كان من أكثر القطعان تأثراً خلال الحرب فقد بلغت نسبة تراجع القطيع خلال الفترة 2011 – 2021 نحو 25%، ثم تلاه قطيع الماعز وذلك بنسبة 17% تقريباً، وأخيراً كان قطيع الأغنام وذلك بنسبة 7%، من بين القطعان الحلّابة.
الحيوانات الزراعية (الخيول، الحمير والبغال)
أيضاً كانت سوريا تمتلك قبل الحرب ثروة كبيرة من قطيع الحيوانات الزراعية، حيث شهد عدد رؤوس الخيل في سورية ارتفاعاً ملحوظاً خلال السنوات الخمس الأولى من الحرب، حيث كان عدد رؤوس الخيل في سوريا قبل الحرب 14 ألف رأس في عام 2010، ثمر ارتفع إلى 16 ألف رأس في عام 2016 وذلك نتيجة الرعاية والاهتمام من قبل الجهات المعنية بتسجيل الخيول العربية الأصيلة والحفاظ عليها، كما بقيت أغلبية أماكن تربية الخيول تحت سيطرة الحكومة السورية وهذا ساهم في الحفاظ على هذا القطيع خلال تلك الفترة.
لكن الملاحظ على عكس غيرها من القطعان الأخرى، شهدت تربية الخيول في البلاد تراجعاً واضحاً خلال الفترة 2017- 2021 لتنخفض من 16 ألف عام 2016 إلى 9 آلاف رأس عام 2021، ويعود سبب ذلك إلى ارتفاع التكاليف التربية المحلية والتي تصل إلى 3 مليون شهرياً، والحظر على الخيول السورية نتيجة الادعاء بعدم وجود رعاية طبية لها خلال الحرب، والضغوطات الخارجية التي فرضت على الخيول وأدت إلى عزوف عدد من المربيين عن تربيتها وهجرة آخرين للخارج.
أضف إلى ذلك سرقة العديد من سلالات الخيول العربية الأصيلة خلال فترة الحرب من قبل الفصائل المسلحة، وبيعها إلى الخارج، وتوليد منها هناك سلالات جديد ما أدى إلى انخفاض بيع الخيول السورية إلى الخارج، إلا أنّ سوريا رغم الحرب، لم تخسر أيّة سلالة بالكامل ولا تزال تُربى محلياً.
وبالنسبة للحمير، فقد كانت سوريا تمتلك قبل الحرب 109 آلاف رأس في عام 2010 وخلال الحرب انخفض العدد بشكل كبير دون وجود زيادة في عددها منذ عام 2012 حيث بلغ إجمالي عدد رؤوس الحمير في البلاد 57 ألف رأس بحسب البيانات الواردة في المجموعة الإحصائية لعام 2022، ويعود سبب انخفاض تربية الحمير إلى زيادة تكلفة تربيتها في الأرياف واستبداله بالمركبات الحديثة.
أمّا البغال، حافظت على عددها خلال الفترة المدروسة فكان عدد رؤوس قطيع البغال 2000 رأس عام 2011 ثم ارتفع إلى 3000 رأس خلال السنوات 2011، و2012، و2013، إلا أنها عادت لتستقر عند 2000 رأس منذ عام 2014 إلى عام 2021.
ويلاحظ مما سبق، أنّ نسبة تراجع عدد رؤوس قطيع الخيل في البلاد خلال الفترة 2011- 2021 بلغ 36% بينما بلغت نسبة تراجع قطيع الحمير 48% وحافظت البغال على عددها.
قطعان أخرى (الإبل، والجوامس)
وبالنسبة لقطعان الجواميس والإبل، تأثرت هي أيضاً خلال فترة الحرب حيث تراجع عدد قطيع الإبل في سوريا من 55 ألف رأس في عام 2011 إلى 36 ألف رأس في عام 2021، واللافت أنّ قطيع الإبل في سوريا لا يزال يشهد تراجعاً مستمراً منذ بداية الحرب وبلغت نسبة الانخفاض 28% في عام 2021 مقارنة بعام 2011.
أمّا بالنسبة للجواميس، فقد تراجع عددها خلال الحرب حيث بلغ عدد القطيع في عام 2011 نحو 7 آلاف رأس، ثم شهد ارتفاعاً ملحوظاً حتى عام 2015 ليرتفع إلى 8 آلاف رأس إلّا أنّه بعد عام 2017 شهد تراجعاً ملحوظاً إلى أن وصل إلى 6.4 ألف رأس، كما وبلغت نسبة تراجع القطيع بين عام 2011 و2021 نحو 8.11%.
بناء على ما سبق ذكره يمكن القول، إنّ قطاع الثروة الحيوانية هو من أهم القطاعات في سوريا، وتسهم قطعان الأغنام والأبقار والماعز، بدور رئيسي في توفير الإنتاج الحيواني بمختلف أصنافه سواء من جهة المواد الغذائية الألبان والأجبان، أو اللحوم، وهذا يتطلب وضع سياسات حكومية لحماية القطاع وتطويره وتعويض الخسائر التي لحقت بهذه القطعان نتيجة الحرب سواء من جهة تأمين مستلزمات تربيتها، وتوفير القروض اللازمة لإعادة تشكيل هذه القطعان بما يلبي حاجات البلاد ورفع سقوف القروض اللازمة لشراء الأبقار من الخارج وكذلك دعم صندوق التأمين على الماشية ما يشكل ضمان وصمام أمان للمربيين.
قصي المحمد