نفّذ الرئيس الأمريكي جو بايدن، وعده بأنه لن يسلّم مهمة الانسحاب من أفغانستان إلى الرئيس الأمريكي الذي سيليه، معلناً عن بدء الانسحاب الأمريكي من البلاد، ليتم فيما بعد الحديث عن البديل الذي سيحل محل واشنطن في أفغانستان، حيث تم الإعلان عن توافق بين تركيا وحلف الناتو على أن تحل القوات التركية محل قوى “الناتو” بشكل عام، محققة مصالح عديدة من هذا الاتفاق، إلّا أن خبراء ومراقبون للشأن الدولي أشاروا إلى عمق ما يجري في أفغانستان وخلفياته وارتداداته على الشرق الأوسط، لا سيما سوريا.
صحيفة “الأخبار” اللبنانية أشارت إلى المخطط الذي تم رسمه للانتشار التركي في أفغانستان بحيث يضمن حماية للجنود الأتراك، لافتة في الوقت ذاته إلى طريقة تأثير هذا الوجود التركي على سوريا، حيث نشرت:
“حتى لا تبدو تركيا وكأنها تقوم بوظيفة الوكيل عن الأطلسي في كابول، تقرَّر سحب القوات التركية من أفغانستان ضمن خطّة الانسحاب المشتركة للقوات الأجنبية، على أن تتّفق أنقرة بعد ذلك، مع الحكومة الأفغانية، على إرسال قوات لحماية المطار وتدريب الشرطة الأفغانية، فيبدو الأمر كما لو أنه دور تركي خالص لا علاقة له بـ«الأطلسي» والولايات المتحدة. ولا يُعرف، حتى الآن، موقف حركة «طالبان» إزاء هذا الإخراج، وهي التي أبلغت الجميع رفضها بقاء أيّ جندي «أطلسي»، ومنهم الأتراك، على الأراضي الأفغانية. وإذا كان الانزعاج الروسي، كما الإيراني، من الدور التركي في كابول مفهوماً، فإن الصين ترى فيه أيضاً خطوةً لمحاصرتها، ولا سيما أن لأفغانستان حدوداً مع الدولة الآسيوية، على مقربة من مقاطعة تسينغ يانغ المسلمة، والتي يشكّل سكانها الأويغور أحد خزّانات تصدير الإرهابيين إلى سوريا عبر تركيا”.
وفي إطار الحديث عن موقع أفغانستان الاستراتيجي قالت “الشرق الأوسط” في مقال لها: “إحدى مشاكل أفغانستان الأساسية هي أنها دولة حبيسة، تقع في آسيا الوسطى وتحيط بها من الشمال طاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان ومن الغرب إيران ومن الشرق الصين ومن الجنوب باكستان ثم وهي ذات موقع جيواستراتيجي وحلقة وصل بين آسيا ولذلك فإنها بقيت تشكل هدفاً للعديد من الشعوب الغازية وللفاتحين وعلى مدى فترات طويلة من التاريخ” مشيرة إلى أن هذا البلد سيبقى محط اهتمام العديد من الدول وواشنطن لن توقف دعمها للحكومة الأفغانية بهدف الحفاظ على تبعيتها لها ومنعها من الميل إلى أعداء الولايات المتحدة الحلفاء مع سوريا (في إشارة إلى إيران).
أما صحيفة “العرب” فتحدثت بطريقة أكثر شمولية، مشيرة إلى تأثير هذا الانسحاب على الشرق الأوسط بشكل عام قائلة:
“لم يكن الهدف منذ البداية تحقيق النصر على طالبان واحتلال كابول، بل زرع الفوضى، وفي هذا نجحت الولايات المتحدة نجاحا يمكن وصفه بالمنقطع النظير.. تساؤلات كثيرة تطرح حول الشكل الذي سيكون عليه الشرق الأوسط، بعد تراجع سطوة الولايات المتحدة، وعن قدرة القوى والأقطاب الدولية المنافسة لواشنطن في لعب دور فاعل وملء فراغ القوى العالمية الأولى، يكاد المحللون والخبراء يجمعون على أن التغلغل الأميركي في الشرق الأوسط لم يكن في النهاية مفيدا للولايات المتحدة، وينتظرون من القوى الدولية الأخرى “أن تتعلم من التجربة الأميركية، أو تخاطر بتكرار التجربة على مسؤوليتها الخاصة”.
ومن هذه المعطيات وصلت الصحيفة إلى الحديث عن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط قائلة:
“هناك عوامل ثلاثة ستحدد السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط مستقبلاً، كتناقص أهمية النفط، والثاني، والعامل الذي تدركه روسيا والصين كما تدركه الولايات المتحدة، من يمتلك تكنولوجيا المعلومات يمتلك العالم”.
يبدو أن القرار الأمريكي الذي دخل حيّز التنفيذ على الفور مرتبط بمشهد إقليمي واسع، ويتعلق بمصالح متبادلة بين الولايات المتحدة وبعض حلفاءها، إلى جانب ارتباطه بأولويات جديدة تضعها واشنطن، واللافت أيضاً أن واشنطن أعلنت عن انسحاب قواتها وقوات “حلف الناتو” إلّا أن ما يتم نشره في التقارير الإعلامية يؤكد أن البلاد لا تزال تشهد حضور أمريكي خفي.