في خطاب ألقاه بعد رحيل آخر جندي أمريكي من كابول، شدد الرئيس الأمريكي جو بايدن على الأهمية الأوسع للانسحاب وقال: “هذا القرار حول أفغانستان لا يتعلق فقط بأفغانستان، يتعلق الأمر بإنهاء حقبة من العمليات العسكرية الكبرى لتغيير البلدان الأخرى”.
المقال نشره موقع “ruetir” وترجمه “أثر برس“
كانت الرسالة واضحة، بعد 20 عاماً من أحداث 11-أيلول، يريد بايدن إنهاء سياسة جورج بوش التدخلية، ولكن ما هي بالضبط “العمليات العسكرية الكبرى” الأخرى التي كان يشير إليها؟ هل كان بايدن يقترح أن الانسحاب من أفغانستان مقدمة لانسحابات من أماكن أخرى مثل سوريا؟
يصعب المقارنة بين أفغانستان وسوريا، لقد جنحت المهمة في أفغانستان بسبب محاولة بناء فاشلة، ولكن في سوريا الأمر مختلف، تدخل باراك أوباما ضد “داعش”، والآن يقوم 900 جندي أمريكي في سوريا بمراقبة أنشطة إيران الإقليمية جزئياً بإلحاح من “إسرائيل”.
في تشرين الأول من عام 2019، قام دونالد ترامب بمحاولة سحب القوات الأمريكية من سوريا، مما تسبب في حدوث فوضى. عبرت تركيا على الفور الحدود السورية وطردت قوات سوريا الديمقراطية الكردية، حليف أمريكا ضد “داعش”. واجه ترامب الكثير من الانتقادات بسبب ما وصف بـ”خيانته” لدرجة أنه ألغى الانسحاب في منتصف الطريق.
يريد بايدن تجنب تكرار هذا السيناريو، خاصة الآن بعد انسحابه الفوضوي من أفغانستان لا يزال صداه يتردد في الأرجاء. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي 900 جندي أمريكي في شمال شرق سوريا مهام تكتيكية ضرورية لـ”إسرائيل” مثل مراقبة أنشطة إيران، الحفاظ على حقول النفط وأراضي حبوب القمح بعيداً عن أيدي دمشق.
تتوقع “ساشا الألو”، وهي أكاديمية سورية في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، أن “بايدن يفضل أن يتم الانسحاب في ولايته الأولى”. عندما يعتمد ذلك بالضبط على المفاوضات مع الروس والأتراك وإمكانية التوصل لاتفاق نووي جديد مع إيران. “سيكون هذا انسحاباً من خلال سلسلة من الصفقات، وليس رحيلاً متسرعاً كما هو الحال في أفغانستان”.
بمجرد مغادرة الولايات المتحدة، ستواجه قوات سوريا الديمقراطية مشكلة كبيرة. وفقاً لعلو، من الممكن أن تتفكك الميليشيا الكردية أسرع من هروب المقاتلين في الجيش الأفغاني أمام تقدم طالبان. لأنه على الرغم من أن الأسلحة الأمريكية ومساعدات مالية بقيمة 2.2 مليار يورو مكّنت قوات سوريا الديمقراطية من محاربة “داعش “وغزو كل شمال شرق سوريا تقريباً، إلا أن الجماعة لا تتمتع بدعم كبير بين السكان المحليين.
كما أن ليس للولايات المتحدة أي مصلحة على الإطلاق في أي تدخل عسكري ضد الجيش السوري، علاوة على ذلك، كان المقصود من تعاونهم مع قوات سوريا الديمقراطية ضد تنظيم “داعش” أن يكون مؤقتاً للغاية وكان ذلك أيضاً الوعد للأتراك. إن “الخيانة” النهائية لقوات سوريا الديمقراطية مبرمجة مسبقاً منذ البداية.
تشرح “ساشا الألو” أسباباً لا حصر لها. تسيطر قوات سوريا الديمقراطية على العديد من المناطق التي لا يعيش فيها الأكراد ولكن العرب، وتضطهد المعارضين السياسيين، ويسيطر عليها من الأعلى حزب العمال الكردستاني (PKK) الذي تأسس في تركيا. ولهذه الأسباب يرى جزء كبير من السكان المحليين قوات سوريا الديمقراطية على أنها محتل أجنبي.
هذا النقص في الدعم المحلي يجعل قوات سوريا الديمقراطية أكثر عرضة للخطر عندما يغادر الأمريكيون. يأتي التهديد الأكبر من تركيا التي استولت بالفعل على مساحة من أراضي “قسد” السابقة بعد انسحاب ترامب الجزئي في عام 2019 وتبحث عن فرص لتوسيعها.
وبهذه الطريقة، لا تريد أنقرة طرد قوات سوريا الديمقراطية وحزب العمال الكردستاني فحسب، بل تريد أيضاً إنشاء قطاع من الأراضي السورية لترحيل اللاجئين السوريين.
وقالت “ألو”: “في مواجهة التهديد التركي، ستسعى قوات سوريا الديمقراطية الكردية للحصول على الحماية من موسكو ودمشق. وقد يعني هذا أن الميليشيا سيتم حلها جزئياً ودمجها في كيان الجيش السوري، على الأقل لم يعد على قوات سوريا الديمقراطية أن تأمل بالحكم الذاتي الكردي عند ذلك”.