في ظل التنافس السياسي والعسكري بين روسيا والولايات المتحدة في مناطق شرق الفرات السوري والذي عكسه التوتر المتزايد بين الدوريات الروسية ونظيراتها الأمريكية في الحسكة خلال الأسابيع الفائتة يبدو أن الولايات المتحدة تسعى إلى التأكيد بشكل أكثر جدية على وجودها غير الشرعي هناك.
حيث زار المبعوث الأمريكي الخاص في سورية جيمس جيفري، يوم الإثنين مناطق شرق الفرات السوري في زيارة حملت في طياتها مسارين أساسيين الأول سياسي والآخر عسكري، ففي الشق السياسي تسعى الإدارة الأمريكية إلى توحيد المكونات السياسية الكردية تحت مظلة واحدة لتتمكن من إدخالها بشكل أكثر فاعلية في التسوية السياسة السورية والتي تهدف من خلالها الولايات المتحدة إلى إجبار الدولة السورية على القبول بالإدارة الذاتية في شمال شرق البلاد حيث تتركز آبار النفط.
أما من الناحية العسكرية فقد رافق جفري عدد من الضباط الأمريكيين في تأكيد على استمرار الوجود العسكري الأمريكي في مناطق شرق الفرات السوري.
تلك الزيارة المفاجئة جاءت بعد أيام من زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى دمشق في زيارة قال العديد من الخبراء بأنها تعد بداية لعمليات إعادة الإعمار في سورية، وكسر الحصار الاقتصادي الأمريكي، لإعادة بناء ما دمرته الحرب، وهو الأمر الذي لا يروق للإدارة الأمريكية.
تحسن الأوضاع الاقتصادية في سورية لا يمكن فصله عن استعادة مناطق شرق الفرات السوري إلى سلطة الدولة السورية حيث تتركز حقول النفط والقمح التي تعتبر أهم موردين لاستقرار البلاد اقتصادياً في ظل العقوبات الجائرة التي تفرضها واشنطن على دمشق، وهو ما يفسر ما ركز عليه جيفري في اجتماعاته مع القيادات الكردية بضرورة التزام الإدارة الذاتية بعدم إرسال القمح والنفط إلى مناطق الحكومة السورية التزاماً بقانون قيصر، وللضغط على الحكومة لتقديم تنازلات في ملفّ التسوية السياسية للأزمة في البلاد.
وسبق زيارةَ جيفري لسوريا إعلان أميركيٌ عن نشر معدّات قتالية جديدة، وآليّات من نوع برادلي، في شمال شرق سورية، بحجة محاربة تنظيم “داعش”، وذلك في سياق توسيع الحضور العسكري الأميركي في المنطقة، وترافق الإعلان الأميركي مع تحرّكات روسية مشابهة في كلّ من الحسكة والقامشلي، تَمثّلت في إرسال تعزيزات عسكرية وجنود إضافيين إلى القواعد الروسية في كلّ من القامشلي وعين عيسى. كما أرسلت موسكو تعزيزات مماثلة إلى دير الزور والميادين، بالقرب من نقاط تماس مع القوات الأمريكية المنتشرة في المنطقة، وهو ما تعتبره واشنطن تهديداً لوجودها العسكري هناك، وخاصة في ظلّ التصعيد العشائري الأخير ضدّ “قسد” ومن خلفها قوات الاحتلال الأمريكي حيث يبدو من الواضح بأن ما يقلق واشنطن من زيارة لافروف هو استغلال روسيا للاحتجاجات العشائرية للتصعيد ضد الوجود الأمريكي وهو ما يفسر اجتماع جيفري قبل يومين مع بعض شيوخ العشائر العربية بعد اجتماعه مع قادات “قسد”.
وعليه يبدو بأن زيارة جيفري الأخيرة لم تهدف إلى القيام بخطوات عملية تجاه ملف الأكراد بقدر ما كانت تهدف إلى إيصال رسالة سياسية بأن الولايات المتحدة لا تزال تحتل آبار النفط شرق سورية وبأن أهداف زيارة لافروف في كسر الحصار الأمريكي لن تتم دون أخذ مصالحها بعين الاعتبار.
قد تكون رسالة جيفري وصلت إلى الروس لكن لا يبدو أنها وصلت إلى أبناء العشائر العربية المنتفضين على “قسد” وقوات الاحتلال الأمريكي الذين في حال توسيع نطاق عملياتهم فسيجبرون قوات جيفري وجيش بلاده على الخروج من سورية.
رضا توتنجي