بعد إعلان “قوات سوريا الديمقراطية- قسد” انتهاء المعارك في محافظة دير الزور بينهم وبين قوات العشائر العربية، بدأت تتجه الأنظار نحو الإجراءات التي يمكن أن تُقدم عليها الولايات المتحدة الأمريكية بعد ظهور مقاومة شعبية في مناطق انتشارها ضد القوة المحلية العسكرية التي تدعمها لوجستياً وعسكرياً وتزج بها في الصفوف الأمامية في أي تصعيد عسكري تتعرض له القوات الأمريكية.
ولدراسة خلفيات هذا التصعيد، برزت عوامل عدة منها ما يتعلق بموقع المنطقة وأخرى تتعلق بالطبيعة السكانية التي يشكل العرب غالبيتها.
وفي هذا الصدد، لفتت صحيفة “الشرق الأوسط” إلى أن “المناطق، التي شهدت اشتباكات دامية، تعد من أغنى المناطق النفطية شرقي سوريا، وتضم حقول العمر والتنك والورد وكونيكو للغاز الطبيعي، بينما ينتشر 900 جندي أمريكي وعشرات القوات الأجنبية”.
كما أشارت دراسة نشرها مركز “كارنيغي” للدراسات إلى أن “العشائر العربية ذات الغالبية السكانية في المنطقة، تسعى للوصول إلى الموارد الاقتصادية بما في ذلك النفط”، موضحاً أن أهالي دير الزور اشتكوا من عدم استفادتهم من ثروات محافظتهم، الأمر الذي يمكن أن يعزز إمكانية استقلالهم الذاتي.
أما فيما يتعلق بالطبيعة السكانية للمنطقة لفت “كارنيغي” إلى أن ” أبرز العوامل التي حفزت العشائر العربية للتمرد على قوات قسد الكردية، يتمثل بسعيها لتحقيق استقلال ذاتي أكبر شرقي سوريا”.
ونوّه مركز الدراسات الأمريكي بأن “تمرد العشائر العربية كشف قدرتها على شن حرب حقيقية ضد قسد، ما جعل الأخيرة، تواجه تحدياً خطراً لسلطتها” لافتاً إلى أن هذا التمرد لم يعد أمراً داخلياً وإنما بدأ يأخذ بعداً إقليمياً، في إشارة إلى الموقف التركي الذي انتقد السياسة الأمريكية الداعمة لـ”الوحدات الكردية” في سوريا.
وفي هذا السياق، نشر القيادي في الحزب الحاكم في تركيا “حزب العدالة والتنمية” ياسين أقطاي، مقالاً في صحيفة “يني شفق” التركية وترجمه موقع “ترك برس” أشار فيه إلى أن “الأحداث الأخيرة هي أكثر من مجرد نزاع، إنها ثورة من العشائر العربية ضد سلطة تنظيم YPG الإرهابي وذلك لأن الدور الذي تم منحه للعشائر العربية في تحالف مكافحة الإرهاب الذي تعمل الولايات المتحدة لتشكيله في المنطقة لم يكن سوى الخضوع لتنظيم YPG الإرهابي”، موضحاً أن “العرب يشكلون غالبية السكان بنسبة تقارب 90% في المناطق التي تسيطر عليها الولايات المتحدة، إلا أن السيطرة تُركت بالكامل بيد تنظيم YPG الإرهابي”.
وعن الإجراءات التي يمكن أن تُقدم عليها واشنطن في هذه المرحلة، لفت أقطاي، إلى أنه “يبدو أن هدف الولايات المتحدة هو إعادة إنشاء التوازن الديموغرافي في السلطة، بين تنظيم YPG الإرهابي والعشائر العربية”.
وأشار إلى أن الأحداث الأخيرة زادت من حالة التساؤل في الأوساط الأمريكية عن الدور الحقيقي الذي تؤدي واشنطن في سوريا، موضحاً أن “الأوساط الأمريكية تنظر إلى انتفاضة العشائر العربية بوصفها تحذيراً جاداً للولايات المتحدة وفرصة لمراجعة سياساتها”.
في هذا السياق تشير صحيفة “الأخبار” اللبنانية إلى الدور الذي أدته واشنطن لإنهاء هذا التصعيد، لافتة إلى أن “الدور الأمريكي، في إنهاء المعارك، ظهر بتجوّل دوريات أمريكية تجولاً مكثّفاً في الريف الذي سيطر عليه مقاتلو العشائر، وفتحهم الطرق أمام آليات قسد التي عادت للانتشار في غالبية القرى التي خرجت عن سيطرتها من دون قتال، وبإشراف أمريكي مباشر”.
وأضافت الصحيفة أن “التدخّل الأمريكي حدث بعد اتهامات عشائرية بانحياز واشنطن لصالح قسد، ودعمها عسكرياً بإلقاء قنابل مضيئة خلال المعارك التي دارت بين الطرفين، والتأكيد الأمريكي المتكرّر على استمرار دعم قسد بوصفها شريكاً موثوقاً في سوريا”.
ونقلت الصحيفة عن مصادر عشائرية ترجيحها أن “تعمل الولايات المتحدة للتقرّب من العشائر في الآونة المقبلة، لضمان عدم حصول هبّات عشائرية جديدة، تهدّد الاستقرار في منطقة نفوذها”.
يشار إلى أنه بعد إعلان القائد العام لـ”قسد” مظلوم عبدي، تعرضت “قسد” لعدد من الاستهدافات في قري وبلدات دير الزور سواء كان في الريف الشرقي للمحافظة الذي شهد التصعيد الأكبر أو في الريف الشمالي.