خاص || أثر برس لا يزال مدفع رمضان محفوظاً في ذاكرة أهالي اللاذقية كطقس من طقوس الشهر الكريم، قبل أن يتوقف مع بداية الحرب في سوريا.
ويعتبر المدفع الرمضاني وشكله وطريقة إطلاقه، ذكرى محفورة في ذاكرة أهالي المدينة ويأخذ حيزاً واسعاً في مخيلات الأطفال الذين كانوا ينتظرونه بفرح على الشرفات والأسطحة، يراقبون الدخان المنطلق من فوهته، كإعلان انتهاء الصيام والبدء بوجبة الإفطار.
وعلى عكس ما يعتقد البعض، فإن مدفع رمضان الذي يصدر ذلك الصوت هو عبارة عن أسطوانة حديدية يوضع بداخلها البارود المجهز المحضر، بأسلوب تقني وهو مرتبط بفتيل يتم إشعاله من قبل العامل المختص فيخرج البارود من الأسطوانة وينفجر في السماء معلناً حلول موعد الإفطار، أو السحور.
يقول الحاج أبو أحمد الذي تجاوز السبعين من عمره لـ”أثر”: “منذ كنا صغاراً اعتدنا أن ننتظر شهر رمضان حتى نجتمع مع أولاد الحي على سطح منزلنا في حي السجن لنسمع مدفع رمضان ونحتفل بقدومه ومع كل طلقة مدفع في الهواء نصرخ ونصيح “أعلى أعلى” وكنا نتساءل من أين يطلق هذا المدفع حتى قال لي والدي إنه يطلق من حي القلعة في اللاذقية”.
وأضاف: “وبعدها نجول في أزقة الحي ونصرخ بأعلى صوتنا “أجا رمضـان أجا رمضان”، وعند نهاية شهر رمضان وعند سماع مدفع العيد كنا نغني “بكرا العيد ومنعّيد.. و”ياستي حنيفة طعميني قطيفة”.
بينما تقول نغم الطالبة في المرحلة الثانوية: “أنا لا أعرف عن مدفع رمضان شيء ولم أراه أو أسمع صوته ولا أعرفه إلا من وسائل التواصل وحديث والدي عنه وكيف كانت تحتفل اللاذقية بقدوم رمضان”.
وعن مدفع رمضان يقول عضو في لجنة الدراسات التاريخية في مديرية أوقاف اللاذقية ومساهم في إعداد موسوعة عن تاريخ الساحل السوري الباحث سامر منى لـ”أثر”: “إن ظاهرة ضرب المدفع أو الطوب في العامية ليست مرتبطة فقط بالإعلان عن وقت الإفطار والإمساك طيلة الشهر الفضيل وإنما كان بمثابة إعلان عن بدء الشهر الكريم وأيضاً عند ثبوت العيد، حيث كان المدفع يضرب عشية رمضان 21 طلقة وفي عشية العيد وطيلة أيام الشهر عند موعد الإفطار 7 طلقات وعند الإمساك وقت السحور طلقة واحدة، و كان يعمل بهذا الطقس قبل ظهور الوسائل الإعلامية كالتلفاز والإذاعة”.
وأضاف منى: اختلفت الروايات حول نشأة هذا التقليد الرمضاني، ويتفق معظمها على أن مدينة “القاهرة” المصرية، تعتبر أولى المدن التي شهدت هذا التقليد، لينتقل بعدها إلى بلاد الشام كمدينة دمشق والقدس وغيرها من المدن.
وأردف منى: وفقاً للروايات فإن المرة الأولى التي تم فيها إطلاق المدفع، حدثت عن طريق الصدفة أو الخطأ، وعن الزمن الذي حدث فيه فبعضها يرجع الأمر لعام 856 هـ، في عهد السلطان المملوكي “خوشقدم” الذي أراد أن يجرب مدفعاً جديداً، وصادف إطلاق المدفع مع وقت المغرب في أول يوم من شهر رمضـان فظن الناس أن السلطان، أطلق المدفع لتنبيه الصائمين إلى أن موعد الإفطار قد حان.
وفي رواية أخرى، يعود إطلاق المدفع للصدفة البحتة عام 1805 خلال حكم محمد علي باشا لمصر عندما أراد تجربة أحد المدافع التي وصلت إليه من ألمانيا، ليصادف ذلك في وقت الغروب، في أول أيام شهر رمضان، فقرر الاستمرار في ذلك بعدما لاقى الأمر قبولاً عند المصريين.
أما الرواية الثالثة لا تختلف عن سابقتيها، باعتبار الصدفة هي من كانت وراء هذا التقليد، ولكنها في هذه الرواية، يعود الأمر لعهد الخديوي إسماعيل عندما كانت تتم صيانة أحد المدافع فانطلقت منه قذيفة دوت في سماء القاهرة، وصادف أن كان ذلك وقت آذان المغرب في أحد أيام رمضـان، فظن الناس أنه تقليد جديد للإعلان عن موعد الإفطار، فأصدرت الحاجة فاطمة ابنة الخديوي اسماعيل فرماناً يفيد باستخدام هذا المدفع عند الإفطار والإمساك والأعياد الرسمية.
وانتظر أهل اللاذقية هذا العام عودة مدفع رمضان حتى آخر يوم من شهر شعبان ولكن أمنيهم لم تتحقق، ومازال هذا الطقس متوقفاً لغاية الآن.
يذكر أن مدفع رمضان بقي تقليداً محبباً لدى الجميع وكان يطلق في اللاذقية من حي القلعة بالقرب من برج البث، لينتقل بعدها إلى الحدائق العامة وغيرها من الأماكن، وكان يعمد في اللاذقية لعامل في فوج إطفاء اللاذقية إطلاق مدفع رمضان من كل عام، كما كان يطلق في القلعة الأثرية بمدينة جبلة.
زياد سعيد – اللاذقية