خاص || أثر برس أثار خبر توقيف الإعلامية السورية هالة الجرف منذ يوم السبت الماضي، جدلاً في أوساط الصحفيين، خاصة وأن وزير الإعلام عماد سارة سبق وأكد في أيلول 2020، أنه لن يتم توقيف أي صحفي قبل أن يتم اطلاع وزارة الإعلام على أسباب التوقيف.
الإعلامية هالة الجرف، هي إحدى مذيعات التلفزيون السوري الرسمي، وقدمت عدة برامج منها “معكم على الهواء، مجلة الأمل”، وبالإطلاع على صفحتها الشخصية في فيسبوك، يمكن لحظ العديد من المنشورات الناقدة للوضع في سوريا بشكل عام، حيث قالت في آخر منشور لها قبل توقيفها في فرع الأمن الجنائي بدمشق: “ليكن شعارك للمرحلة القادمة (خليك بالبيت) والتزم الصمت المطبق”.
ورغم أن أسباب توقيف “الجرف” لم تعلن إلى اليوم، إلا أن اسمها ورد في بيان وزارة الداخلية، الذي كشفت فيه أن إدارة الأمن الجنائي ألقت القبض على ثمانية أشخاص بجرم “التواصل والتعامل مع مواقع الكترونية مشبوهة، لإحداث بلبلة وتشويه الرأي العام”.
وأشار بيان الداخلية إلى أن الأمن الجنائي حقّق مع الموقوفين، و”اعترفوا بإقدامهم على التواصل مع تلك الصفحات وتزويدها بمعلومات ملفقة”.
وأعادت الحادثة الجدل حول توقيف الصحفيين مرة أخرى، واستذكر البعض تصريح وزير الإعلام، وتعميم وزارة العدل بهذا الخصوص.
فوفقا للمادة 101 من قانون الإعلام السوري، فإن تعميماً صدر عن وزير العدل بعدم جواز توقيف أو استجواب الإعلاميين إلا بعد إبلاغ المجلس الوطني للإعلام أو فرع اتحاد الصحفيين لتكليف من يراه مناسباً للحضور مع الإعلامي، وهنا طرح سؤال آخر هل تم مراعاة ذلك أثناء التوقيف والاستجواب؟
من يدافع عن الصحفيين؟ وزيرهم أم القانون؟
ويطرح سؤال حول الجهة المخولة الدفاع عن الصحفيين في حالات الإيقاف أو الطلب للمسائلة القانونية، وبعد تدخل وزير الإعلام شخصياً عدة مرات لإيقاف توقيف بعض الصحافيين، أو منع مساءلتهم، يتساءل البعض هل يكفي تدخل الوزير بشكل شخصي للحول دون إيقاف الصحفيين؟
رأت الإعلامية ديمة ناصيف في حديث مع “أثر”، أن هناك إشكالية بعدم وجود قانون يوضح تماماً ما هي حقوق وواجبات الصحفي، بمعنى إيضاح الحد الفاصل بأن يكون الصحفي ناقلاً لخبر أو وجهة نظر، وبين أن يتم اعتباره واحدة من الجهات، قد تجاوز أو اقترب من المحرمات والقوانين الناظمة لعملها، مضيفة: “ليس هناك وضوح بين هل نحن أمام صحافة حرة بالمطلق أم صحافة مقيدة! ليس هناك بروتوكول لعمل الصحفي.. أين يقترب وأين يبتعد، أين يتكلم وأين لا يتكلم”.
وأضافت مديرة مكتب قناة “الميادين” في سوريا: “لا أؤيد تدخل الوزير لمنع أو إخراج صحفي موقوف، بل يجب أن يكون قانون الإعلام هو من يحمي الصحفيين سواسية دون تمييز بينهم، ودون تمييز بين من يعمل بوسيلة سورية رسمية ووسيلة خاصة ووسيلة أجنبية، فلا يجب أن تخضع القضية لأمور ومشاعر شخصية، كما يجب أن يضمن القانون أحقية الصحفي بالوصول للمعلومة ونشرها، فالقانون ينظم العمل أكثر”.
أما الصحفي بلال سليطين فرأى أن جزءاً من المشكلة يكمن في الصحفيين أنفسهم، وحالة التضامن الضعيفة فيما بينهم والتي تجعلهم ضعفاء في مواجهة القيود التي تفرض عليهم، وهذا التضامن، حسب سليطين، لكي ينضج يحتاج نقابة قوية للصحفيين ترفع صوتها بالسر والعلن ولا تكتفي بالمخاطبات السرية غير المعلنة للمؤسسات الحكومية.
وهنا شدد سليطين، الذي يدير موقعاً إخبارياً، على أن قوة الصحافيين في المحصلة هي بتضامنهم، ومساندة بعضهم عند التعرض للتضييق، وهذا لا يعني أننا ضد محاسبة صحفي يخطئ، وإنما ضد الواقع الحالي الذي جعل الصحفيين من أصحاب السوابق يزورون السجون ويخضعون للتحقيق أكثر من المجرمين.
بدوره، الصحفي رضا الباشا، رأى أنه يجب أن تكون هناك جهة تدافع عن الصحفيين، وبطبيعة الحال اعتبر أن اتحاد الصحفيين هو من يجب أن يقوم بالمهمة، ولكن للأسف عدد الصحفيين السوريين المنتسبين للاتحاد قليل، وقد لا يتجاوز 5% من عدد الصحفيين في سوريا، وهنا يُكشف خلل جديد يجب أن إصلاحه حتى يتمكن كل من يعمل في مجال الصحافة أن ينتسب للاتحاد، وليس من الضرورة أن يحمل شهادة صحافة وإعلام.
فمن الناحية القانونية اتحاد الصحفيين موجود ليدافع عن الصحفي، لكن المعوقات للانتساب للاتحاد كبيرة، لذلك يكون الصحفي أمام مشهد لا يخوله الدفاع عن نفسه.
أما عن تدخل الوزير لمساعدة أي صحفي يقول الصحفي الباشا: “أنا ضد تدخل الوزير بل يجب أن يكون هناك قانون يحمي الصحفي والقانون يساعده وليس شخص الوزير مع الاحترام لشخصه، فالصحفي لا يجب أن يكون تحت رحمة أي مسؤول كان والقانون هو من يحميه ويدافع عنه أو اتحاد الصحفيين”.
قانون الجرائم الإلكترونية.. تقييد لحرية الصحافة؟
ومن جملة التساؤلات التي طرحها توقيف الإعلامية في التلفزيون الرسمي السوري هالة الجرف، هو مسألة شمول الصحفي بقانون العقوبات الالكترونية حاله حال بقية الناشطين أو مستخدمي وسائل التواصل الإجتماعي.
حيث طرحت الإعلامية ديمة ناصيف سؤالاً حول آلية عمل الصحفي بشكل عام: “هل لدى الصحفي الحق بأن يمارس عمله بدون شروط وبدون خطوط حمراء، أم أنه حتى في عمله الصحفي هو ما يزال مواطن يخضع للقانون السوري بكافة حيثياته؟”.
وعقبت بأنه مع ازدياد وسائل التواصل الاجتماعي بات هناك منبر جديد للصحفي وليس وسيلته العامل بها فقط، فأصبح ناشط أيضاً وهنا يجب توضيح ما الذي يدرج تحت مسمى جريمة الكترونية.
إلا أن مديرة مكتب قناة “الميادين” في دمشق علقت على منشورات “الجرف” على صفحتها الشخصية: “بوجهة نظر شخصية أرى أنه لا يجب أن يتعارض الصحفي، حتى في صفحته الخاصة، مع السياسية التحريرية للوسيلة التي يعمل بها، وإلا يكون متناقضاً وفاقداً لمصداقيته”.
أما الصحفي بلال سليطين، فاعتبر أن المشكلة الجوهرية تكمن في البيئة التشريعية، ونصوص القوانين التي تفتح باباً واسعاً للتأويل ولا يمكن قياسها بسهولة، خصوصاً تهم مثل إضعاف الشعور القومي ووهن نفسية الأمة، لأنها تهم لا يمكن التثبت منها، على سبيل المثال كيف يمكن أن نعرف أن نفسية الأمة قد وهنت بسبب صحفي؟
وأضاف: “المشكلة الثانية هي في الخلط بين القانون العام والقانون الخاص، الصحفيون يجب أن يحاكموا فقط بموجب القانون الخاص وليس القانون العام.
فيما علق الباشا الذي يعمل مراسلاً لقناة الميادين العربية: “لليوم لا يوجد فصل بين الناشط على وسائل التواصل الاجتماعي والصحفي، لذلك يحصل خلط وتتم محاسبة الجميع في إطار الجرائم الالكترونية، إذ لا يجب أن يكون الصحفي مشمول بعقوبات الجرائم الالكترونية كغيره، حتى لو كتب مادة تستند لوثائق ومعلومات موجودة على الأرض، ولكن للأسف قانون جرائم المعلومات يطبق على الصحفي وهذا الموضوع يجب أن يعدل ليستثنى الصحفي منه، وخاصة الصحفي الذي يحمل بطاقة رسمية معترف عليها، وإلا لن يتمكن الصحفي من متابعة أي ملف أو أية قضية لأنه قد يتم استهدافه تحت أي مسمى كالقدح والذم، فلا يجب أن يجرّم الصحفي بل يحاسب وفق قانون الإعلام والصحافة والذي يوفر حصانة للصحفيين”.
مشروع قانون “لتلافي الثغرات”
وكان وزير الإعلام عماد سارة قد كشف أن هناك مشروع قانون جديد للإعلام وهو حالياً في وزارة العدل ومن خلاله سيتم تلافي كل الثغرات في القانون الحالي بهدف الوصول لقانون عصري ومتطور وشامل.
يذكر أن مواقع التواصل نشرت مؤخراً أنباء عن إيقاف عدد من الأشخاص بتهم تتعلق بالنشر على صفحاتهم الشخصية، منهم الفلاح يونس سليمان، الذي ينشر قضايا عامة في صفحة “مواطنون مع وقف التنفيذ”، وانتقد محافظ المدينة، والمفتشة في الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش فريال جحجاح، وطالبة في السنة الثانية في كلية الصيدلة فرح خازم (20 عاماً).
غنوة المنجد