أثر برس

بعد ثلاثة اجتماعات علنية.. أيّ رهانات في مسار التقارب بين دمشق وأنقرة؟

by Athr Press A

خاص|| أثر برس تستضيف موسكو غداً الأربعاء الاجتماع الأول لوزراء خارجية روسيا وإيران وسوريا وتركيا، بعد ثلاثة اجتماعات علنية، اثنان منها تمّت على مستوى وزراء الدفاع، واجتماع على مستوى نوّاب وزراء الخارجية، على حين انضمت طهران إلى مسار التقارب بين دمشق وأنقرة رسمياً في شباط الفائت.

لم تشهد اجتماعات موسكو السابقة أيّ مخرجات معلنة للوصول إلى خطوات تنفيذية يمكن البناء عليها في المضي بمسار التطبيع السوري- التركي، فالبيانات الختاميّة للمجتمعين كانت مجرّد تأكيدات على الرغبة في تسوية الأزمة السوريّة، وعودة اللاجئين، والقضاء على الإرهاب، مع التشديد على وحدة الأراضي السورية.

وفي اجتماع وزراء دفاع الدول الأربع الأخير، لم تنتظر دمشق طويلاً حتى ترد على تصريحات أنقرة التي أكدت بأنها بحثت الخطوات الملموسة للتقارب بين البلدين في الاجتماع، إذ أعلن مصدر سوري حينها أنّ الاجتماع بحث موضوع انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، وكذلك تطبيق الاتفاق الخاص بالطريق الدولي المعروف باسم طريق “M4”.

وبالنظر إلى مسار المفاوضات بين البلدين، ولا سيما مع عدم تطبيق أي شروط طالبت الدولة السورية بها، فيما يخص انسحاب القوات التركية من شمالي البلاد، أو وقف دعم أنقرة لفصائلها المسلّحة، ما هي المؤشرات التي دفعت مسار التطبيع من مستوى وزيري دفاع واستخبارات البلدين إلى مستوى وزيري الخارجية؟، وكيف تتعامل روسيا وإيران من منطق تحالفهما مع سوريا وتركيا بالخروج من خصومتهما؟.

لقاء المقداد- أوغلو

عندما كشف وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في آب الفائت، للمرة الأولى عن محادثة قصيرة جمعته مع نظيره فيصل المقداد، على هامش اجتماع مؤتمر عدم الانحياز في بلغراد، أُصيبت الأوساط السياسية والإعلامية بالدهشة، ولو أنّه من البديهي أنّ لا عداوة دائمة في السياسة، إلاّ أنّ تصريحات أوغلو بعد 12عاماً على وقع الخصومة بين البلدين لم تكن حدثاً عادياً، وخاصةً أن الوزير التركي دعا إلى إعادة بناء دولة سوريّة قوية تمنع تقسيم البلاد”.

واليوم بعد 9 أشهر من لقائهما الأول سيلتقي أوغلو مع المقداد مجدداً؛ ولكن في ظروف مختلفة، ولا سيما بعد عودة سوريا إلى محيطها العربي واستعادة مقعدها في الجامعة العربية، مدفوعةً بعلاقات جديّة إقليمياً بعد زلزال شباط الفائت، وأهمّها مع الرياض، عُقب إعلان المصالحة السعودية- الإيرانية، وانعكاسها إيجابياً في المنطقة.

وعلى الرغم من أن الرئاسة التركية أعلنت في وقتٍ سابق عن تأجيل عقد اجتماع وزراء الخارجية إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية التركيّة، فإن وزير الخارجية التركي أكد عقد الاجتماع غدأ الأربعاء في مقابلة أجراها مع قناة تركيّة.

وتعليقاً على ذلك، يرى الصحفي السوري المتخصص في الشأن التركي سركيس قصارجيان في حديث لـ “أثر برس”، أنّ “التصريحات التركية كانت محاولة لتدارك الموقف الحرج بالداخل التركي في مواجهة المواقف السورية المتشددة بعد الحديث كلّ مرة عن موعد جديد للاجتماع، فالجميع يعلم أن هدف استعجال أنقرة من عقد الاجتماع هو الانتخابات التركية”.

ويُرجّح قصارجيان بأنّ “موافقة سوريا على حضورها اجتماع وزراء الخارجية في موسكو كان برغبة روسية- إيرانية بإبداء مرونة منها، وليس تنازلاً أو تراجعاً عن ثوابتها، نظراً لحساسية إعلان تركيا عن خروج قواتها من شمالي سوريا، وهي اليوم على أبواب انتخابات رئاسية وبحاجة إلى أصوات القوميين والمحافظين الأتراك الذين يرون في أردوغان قائداً، ومن ثمّ إنّ إعلان كهذا من شأنه كسر هذه الصورة، وذلك في مقابل حصول دمشق على ضمانة سريّة، أو عدم مضيّها في مسار التقارب بعد اجتماع وزراء الخارجية إلاّ في حال التوافق على نقاط معينة”.

وفي موازاة ذلك، يشير الكاتب والباحث الإيراني في شؤون غرب آسيا مصدّق بور في حديث لـ “أثر برس”، إلى أنّ “تركيا وسوريا دولتان مهمتان في المنطقة، وإيران لديها علاقات مهمّة مع كلا البلدين، وأن طهران تواصل مساعيها الدبلوماسية من أجل إيجاد التقارب وحل الأزمة القائمة بين البلدين في إطار احترام ورعاية مصالح الجانبين ومعالجة هواجسهما بشكل دقيق”.

ويشرح بور، بأنّه “عندما علمت إیران باحتمال قيام القوات العسكرية التركية بشن هجوم عسكري على شمال سوريا، دخلت في معادلة جدیدة للحل من دون نشوب حرب جديدة وهجوم عسكري”.

ويضيف: “تسعى إيران إلى التمهيد للقاء الرئيس بشار الأسد وأردوغان، استكمالاً لمشروع المصالحة بين دمشق وسائر العواصم العربية من خلال الاستفادة من التقارب مع الریاض“.

رهانات التقارب بين طهران وموسكو

على الرغم من أن سوريا تُدرك بأن التطبيع مع تركيا آتٍ لا محالة، على اختلاف من سيفوز في الانتخابات التركيّة المقبلة، غير أنّ المسار سيختلف في وقتٍ تُبدي فيه المعارضة التركية ليونةً أكبر مقابل أردوغان، الذي يتميز بعلاقته الراسخة مع روسيا وإيران.

وإنّ من منطق الواقعية السياسيّة والتحالف، أن سوريا أخذت في عين الاعتبار مزاج حليفها وهذا لا ينتقص منها، ولا سيما مع وجود ضمانة موسكو وطهران في أي اتفاقات قادمة مع أنقرة، إذ إنّ السياسة الرصينة ستمنع سوريا من إبداء تأييد أو معارضة أردوغان في الشأن الداخلي التركي، فإن دمشق تريدُ انسحاب القوات التركية واستعادة سيطرتها على أراضيها في المحصّلة.

ويرى قصارجيان، أنّه “هناك رغبة روسيّة- إيرانية في المواصلة بالتعامل مع أردوغان أكثر من الدخول في مخاطر إعادة بناء العلاقات مع طرف آخر في تركيا، وخاصة أننا نتحدث عن تغيّر جذري مرتقب في السياسة التركية في حال فوز المعارضة التركية”.

ويضيف: “ما يميز الانتخابات التركية أن تركيا تذهب للمرة الأولى إلى خيارات سياسية متناقضة في حال فوز أحد الطرفين بما يخص الملفات الكبرى، من مثل تعريف الأصدقاء، والحلفاء، والأعداء، إنّ مثل هذه الااستراتيجيات لا تتأثر عادةً بالتجاذبات السياسية الداخلية للبلدان”.

وعن رهانات التقارب بين دمشق وأنقرة، اعتبر الباحث الإيراني مصدّق بور، أنّه من دون استبیان التحدیات أمام إنجاز مشروع المصالحة التركية- السورية، فإنّه لا يمكن الحديث عن الفرص والرهانات على إنجاز هذه المصالحة.

ويرى بور، أنّ “واشنطن تحاول عزل تركيا من المعادلة السورية وخاصة بعد نجاح عملية “آستانة” في التعامل مع الأزمة السورية؛ لأن الولايات المتحدة تعتبر تعاون تركيا مع روسيا وإيران في القضايا الإقليمية، بما في ذلك سوريا، خطراً على مصالحها”.

ويضيف: إنّ “زیارة مارك ميلي رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة إلی سوريا مؤخراً وزيارته لقاعدة “التنف” العسكرية ومنطقة الجزيرة في سوريا، يُظهر بوضوح أن الأمريكيين ليس لديهم نية بإنهاء وجودهم العسكري في سوريا، ويرون أنه من الضروري الحفاظ على مصالحهم ونفوذهم في المنطقة”.

وعن حسم ملف التقارب التركي- السوري، أكد بور، أنّ تركيا أبلغت إيران بالهواجس التي يشعرون بها والمتعلقة بانعدام الأمن على الحدود التركية- السورية، متابعاً: إنّ “طهران اقترحت عليهم بأن تفرض الحكومة السورية سيادتها على كامل أراضيها، وبعد ذلك سيستتب الأمن ولن نشهد انعداماً للأمن هناك، فالطريق للحل من دون انعدام الأمن ليس أن يسيطر الأتراك على بعض الأراضي السورية، بل العكس تماماً، وترون كيف سيعود الأمن إلى هذه المناطق”.

لم يخفِ المسؤولون الروس في مناسبات عدّة صعوبة إنجاز التقارب بين تركيا وسوريا، ولا سيما أن الرئيس بشار الأسد أكد أثناء زيارته الأخيرة إلى موسكو في مقابلة أجراها مع قناة “روسا اليوم”، أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يعطهِ ضمانات بشأن أردوغان، مشيراً إلى أنه لا أحد يستطيع أن يأخذ ضمانات من الرئيس التركي لأيام عدة؛ لأنه يبدل سياساته باستمرار ويدور في حلقة مفرغة، وهذا يفسّر الخطوات السوريّة المتأنية في التعامل مع تركيا، وهذا يشير أيضاً إلى أهمية مشاركة طهران في مسار المفاوضات لإيجاد توازنٍ مع روسيا في هذا الشأن، ويبدو أن بيان اجتماع وزراء خارجية الدول الأربع المقبل سيكون متوازناً بما يصب في مصلحة أنقرة ودمشق، وربما نشهد وقائع مختلفة بعد انتهاء الانتخابات التركية الرئاسية.

علي أصفهاني

اقرأ أيضاً