أثر برس

بعد فوزه بولاية جديدة إردوغان يرسم سياسة بلاده من جديد.. ماذا عن التقارب مع سوريا؟

by Athr Press Z

خاص|| أثر برس بعد فوزه بولاية رئاسية جديدة فوِّض زعيم “حزب العدالة والتنمية” رجب طيب إردوغان، من جديد برسم سياسة بلاده الداخلية والخارجية وتحديد خريطة طريق لعدد من المسارات، ويبدو أن الملف السوري كان بصدارة هذه الملفات بوصفه كان حاضراً في “خطاب النصر” الذي ألقاه إردوغان بعد صدور النتائج النهائية للانتخابات.

إلى أين يتجه مسار التقارب السوري- التركي الآن؟
وجود أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري في تركيا، والحدود السورية- التركية التي يتجاوز طولها 900كم والتقارب الحاصل بين حلفاء دمشق مع أنقرة، يحتّم على إردوغان التركيز على الملف السوري، ورسم خريطة طريق واضحة لإنجاز مسار التقرّب من سوريا وفي هذا السياق يشير الصحافي السوري المختص بالشأن التركي سركيس قصارجيان، في حديث لـ”أثر” إلى أنه “في البداية سيكون هناك تشتت في السياسات التركية الخاصة بسوريا لأن إردوغان سيعتبر أنه فوّض باستكمال سياساته أو طريقة ممارسته للعمل السياسي وبالتالي سيكون أكثر تشدداً من الآونة الأخيرة”، لافتاً إلى الدول التي تؤدي دور الوساطة في هذا المسار حيث قال: “هناك العامل الروسي بالدرجة الأولى وبدرجة أقل العامل الإيراني، وحتى العامل الخليجي الذي يجب ألا نستهين به، فتأثيره سيكون قوياً جداً بينما مسار العلاقات السورية- التركية”.

وعن احتمال تحقيق تقدّم في هذا المسار في المدى المنظور، يستبعد سركيس هذا الأمر، وكذلك يؤكد عضو الأكاديمية الروسية للأزمات الجيوسياسية علي الأحمد، في حديث لـ”أثر” أن هذا المسار يواجه كثيراً من العراقيل، مشيراً إلى أنه لا يخفى على أحد محاولات تركية للموازنة بين هذا المسار والوساطة الروسية والإيرانية فيه وبين عضويتها في الحلف الأطلسي “الناتو”، لافتاً إلى أن “هذا الأمر مأخوذ بعين الاعتبار للديبلوماسية السورية والروسية”.

التقارب رغبة قائمة.. فماذا عن التناقضات؟

الحديث عن تعقّد المشهد بين سوريا وتركيا ووجود العراقيل، لا ينفي وجود رغبة بإنجاز هذا المسار سواء من الأطراف المعنية أم من الأطراف الوسيطة، وتبرز هذه الرغبة بتصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، التي أكد خلالها على رغبة بلاده بالتنسيق مع سوريا أمنياً وعسكرياً لإنجاز هذا المسار، لكن على طرف نقيض، أعلن إردوغان نيته باستكمال مشروع “المنطقة الآمنة” لإعادة اللاجئين السوريين إليها،في خطوة تتعارض مع المطالب السورية والمتعلقة بالانسحاب التركي وعودة الأراضي السورية كافة إلى سيطرة الدولة، وفيما يخص هذا التناقض يشير قصارجيان إلى أن “التضارب في التصريحات الصادرة عن أنقرة لا يتعلق فقط في مضمون التصريحات، بل حتى إننا نشهد تضارباً بين الشخصيات، وهذا التضارب هو جزء من التكتيك السياسي الذي يتبعه إردوغان في الداخل”.

أما فيما يتعلق بالموقف السوري، فيؤكد المسؤولون السوريون أنه من غير الممكن التقارب مع دولة تحتل أراضٍ سورية، الأمر الذي أشار إليه الرئيس بشار الأسد، في قمة الجامعة العربية بتاريخ 19 أيار، عندما شدد على ضرورة مواجهة “السياسة العثمانية التوسعية”، وعلّق حينها وزير الخارجية فيصل المقداد، على تصريحات الرئيس الأسد، بقوله: “إن التوصيف الذي قدمه الرئيس بشار الأسد في القمة العربية عن الفكر العثماني التوسعي كان توصيفاً دقيقاً وواقعياً لأنه يوجد الآن قوة محتلة للأراضي السورية وعندما يريد أي طرف الدفاع عن أرضه وسيادته يجب أن يدافع عن ذلك بإجراءات ضمن حدوده وليس ضمن أراضي الدول الأخرى”.

لماذا تصر تركيا على مشروع “المنطقة الآمنة”؟
طرحت تركيا مشروع “المنطقة الآمنة” بذريعة تأمين عودة اللاجئين السوريين الطوعية إلى منطقة مستقرة وآمنة، وهو أمر يتعارض مع القوانين الدولية، الأمر الذي أكده كبير مستشاري الرئاسة التركية لشؤون الشرق الأوسط بين أعوام 2007-2014 أرشد بك هورموزلو، في لقاء تلفزيوني أجراه أمس الإثنين، حيث قال: “من دون أن تكون هناك علاقة طبيعية أو تفاهم مع الدولة السورية سيكون إرسال السوريين إلى سوريا بطريقة قسرية”، مشيراً إلى أن هذا الأمر سيكون مخالفاً لقواعد القانون الدولي ولحقوق الإنسان.

وعن الأهداف التركية الحقيقية من هذا المشروع، سبق وأن أشارت عدد من التحليلات إلى أن الهدف الأساسي من هذا المشروع هو الربط بين المناطق التي سيطرت عليها تركيا شمالي سوريا بـ3 عمليات عسكرية “نبع السلام- غصن الزيتون- درع الفرات” وبالتالي إنشاء منطقة تركية فكرياً وثقافياً وأيدولوجياً، ويقول الصحافي سركيس قصارجيان، في هذا الصدد: “ضمن رؤية تركيا لهذه المنطقة، فإن أنقرة ترغب أن تكون تلك المنطقة متأتركة وهذا واضح في الإجراءات التي تجريها تركيا وبالتالي هي أبعد من سياسة آنية لاحتضان اللاجئين، بل هي أقرب إلى سياسات تتريك لهذه المنطقة وبالتالي تأمين ثقل ونفوذ تركي في السياسة الداخلية السورية، وهذه المرة بالقوة الناعمة من المدخل التعليمي والسياسي والثقافي”.

كيف سينتهي مسار التقارب السوري- التركي؟

تؤكد التقديرات العربية والخليجية بالتحديد، أن منطقة الشرق الأوسط تتجه نحو الاستقرار، الأمر الذي برز في السياسة التركية عندما اتجهت مؤخراً نحو سياسة “صفر مشاكل” مع عدد من الدول العربية والغربية، وسوريا واحدة من هذه الدول، إذ سبق وأن أكدت التسريبات والتحليلات السياسية أن قرار التقارب من سوريا هو قرار محسوم في تركيا على الرغم من العراقيل التي يواجهها، في هذا السياق قال قصارجيان: “أظن أن التقارب السوري- التركي سيستمر وسيستكمل، ولكن لا أتوقع أن يحدث حدوثاً مفاجئاً أو بتغيرات كبيرة”.

أما فيما يتعلق بالفصائل التابعة لأنقرة ومصيرها بعد اكتمال هذا المسار، أكد قصارجيان أن “هذه الفصائل هي أوراق وليست مشكلة وبالتالي مصير الفصائل يتعلق بمصير التفاوض ومسار التطبيع بين سوريا وتركيا”، مشيراً إلى أن هذه الفصائل تخدم الآن المسار التفاوضي التركي، لكن لا يمكن الجزم بمصيرها.

وفي المحصلة يبقى مسار التقارب السوري- التركي رهن المفاوضات والمحادثات التي تجري بوساطة روسية- إيرانية، ويبدو أن هذه المفاوضات تمكنت حتى اللحظة من كسر الجليد القائم بين سوريا وتركيا باجتماع الجانبين إلى طاولة تفاوض واحدة، من دون أن يتمكن حتى اللحظة من تحقيق تقدم ميداني في الأرض نظراً إلى جملة العراقيل التي يواجهها هذا المسار والتي خلفها التدخل التركي في سوريا في سنوات الحرب.

زهراء سرحان 

اقرأ أيضاً