خاص|| أثر برس في الوقت الذي تبددت فيه مصطلحات “الحرب السورية” أو “الثورة” من حياة السوريين لانشغالهم بتأمين حياة كانت من البديهيات قبل 11 عاماً، تجدد الدول الغربية التي سبق أن دعمت هذه “الثورة” خطاباتها وتأكيدها على أنه لم يطرأ على سياستها أي تغييرات، مع تراجع واضح في هيمنتها على مواقف دول أخرى، فلم تعد تكتفي بانتقاداتها لسياسة الحكومة السورية، بل باتت تطالب أيضاً الدول العربية بالتوقف عن انفتاحها على الدولة السورية واستئناف علاقاتها معها، أما بالنسبة للكيانات المعارضة بشقيها “السياسي والعسكري” التي سبق أن دعمتها هذه الدول الغربية، فباتت تطالب اليوم علناً بدعمها وإعادة هيكلتها من جديد دون تجاوب من قبل الغرب.
ومع دخولنا في العام الثاني عشر للحرب السورية، يهتم الإعلام الغربي بتفاصيل عديدة على الساحة السورية، الذي يتزامن مع خلق صراعات جديدة في العالم أجمع، أبرزها الحرب الأوكرانية والعملية العسكرية الروسية فيها التي تحضر سوريا فيها بشكل كبير على كافة الأصعدة، حيث نشرت صحيفة “فورين بوليسي” تقريراً أشارت فيه إلى سعي “الجيش الوطني” التابع لأنقرة شمالي سوريا إلى إرسال مسلحيه للقتال في أوكرانيا عبر تركيا، حيث قال الصحيفة في تقريرها إلى أن عقداً من الحرب خلق جيلاً من الشباب الذين يعرفون فقط كيف يقاتلون، آثار أقدامهم مرئية في مكان آخر، حيث قاتلت قوات الجيش الوطني برعاية تركية، لصالح أذربيجان ضد أرمينيا في حرب ناغورنو كاراباخ عام 2020 وغيرها من المناطق.
فيما تلفت “نيويورك تايمز” إلى تفصيل آخر مرتبط بحرب أوكرانيا حيث نشرت: “إن إرث الحرب السورية ودور روسيا فيها يلوح في الأفق بشكل كبير على أوكرانيا، ويقدم دروساً محتملة للسيد بوتين، كما قال المحللون: إن الخطوط الحمراء التي وضعها الغرب يمكن تجاوزها دون عواقب بعيدة المدى”.
وبما يتعلق بالملف السوري بالتحديد وبعيداً عن ارتباطه بملفات أخرى، فأصدرت أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا بياناً جددوا خلاله تأكيدهم على أنهم لن يرفعوا عقوباتهم عن سوريا ولن يدعموا إعادة الإعمار فيها، كما طالب كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور جيم ريش البلدان الساعية إلى التطبيع مع الدولة السورية بوقف جهودها، مشدداً على ضرورة وجود عواقب على أي بلد يسعى لإعادة الانفتاح على الدولة السورية، وذلك بالتوازي مع محاولات كيانات مثل “الائتلاف المعارض” بإعادة إحياء نفسه والمطالبة بإعادة الدعم إليه، فيما أكدت مصادر خاصة لـ “أثر” من “الائتلاف” أن الأخير فشل في الآونة الأخيرة في لفت الانتباه إليه مجدداً من خلال محاولات تصيد مواقف سياسية من الدول المعادية لسوريا بالاستفادة من الحرب الأوكرانية، حيث تلقت قيادة “الائتلاف” ردوداً رافضة لمسألة رفع مستوى التسليح وتقديم أسلحة نوعية للفصائل المندمجة تحت مسمى “الجيش الوطني”، كما أن مطالبته بتسليم كرسي سوريا في الأمم المتحدة أو الجامعة الغربية لم تلق أذناً صاغية من أي طرف رغم تمهيد الأجواء لذلك من قبل تركيا من جهة، والسعودية من جهة أخرى.
أما على الصعيد الميداني، فحاولت بعض الفصائل المسلحة التي تحافظ على وجودها في بعض المناطق على التذكير بوجودهم من خلال بعض التصرفات، وكان أبرزها الهجوم الذي نفذته مجموعات مسلحة أمس الثلاثاء في مدينة جاسم بريف درعا تسبب باندلاع هجوم بينها وبين الجيش السوري وانتهت بمفاوضات ووساطة روسية، إلى جانب إطلاق صاروخ محلي الصنع على طائرة روسية في أجواء إدلب من قبل الفصائل المسلحة دون أن يتمكنوا من إصابتها، وفي هذا الصدد نشرت قناة “بي بي سي” تقريراً أشارت خلاله إلى أن بعد هذه السنوات فالدولة السورية استعادت أجزاءً كبيرة من البلاد، فيما تبقى مساحات سيطرة فصائل مسلحة بما فيهم “قوات سوريا الديمقراطية-قسد” ومجموعات جهادية في إدلب وفصائل أنقرة في ريف حلب الشمالي، لافتاً إلى أن تلك المناطق تحوي على “ما يقارب 2.8 مليون نازح، من بينهم مليون طفل، يعيش الكثير منهم في ظروف مزرية في المخيمات”.
هذا الواقع الميداني ثابت منذ عامين ولم يطرأ عليه أي تغييرات، أما عن الوضع اليوم، فيبدو أنه لا يمكننا أن نجزم بأن الحرب انتهت، في هذا الصدد أفادت صحيفة “ناشيونال” بأنه “لا يزال الصراع مستمراً، والوضع لا يزال يمثل أزمة”، مشيرة إلى أنه من أحد الأسباب التي قد تكون السبب في تلاشي هذه الحرب هي أن “سوريا عادت إلى الوضع الراهن الذي عاشته قبل الربيع العربي”.
أمام الواقعين الميداني والسياسي الذي تم استعراضه الآن، نبقى أمام واقع اقتصادي سيئ جداً، ويبدو أنه بدأ ينتقل إلى باقي العالم في ظل الحرب الأوكرانية، وفي المقابل يؤكد الخبراء أن سوريا باتت جزءاً مهماً في معادلات استراتيجية ترسمها قوى عظمى في العالم قررت فرض نظام عالمي جديد يعيد توازن القوى في العالم.
زهراء سرحان