على الرغم من التنسيق الدبلوماسي والتعاون الاقتصادي الرفيع بين روسيا وتركيا إلّا أن البلدين يشتبكان عسكرياً بصورة غير مباشرة في العديد من الصراعات العسكرية الدولية مثل ليبيا و قره باغ وسورية.
تلك الصراعات أدت إلى خلق عقدة ربطت بين مناطق الصراعات لتصبح التطورات العسكرية في أي منطقة منها مرتبطة بالمناطق الأخرى ما من شأنه تعقيد المشهد أكثر مما هو عليه، فقبل أيام أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اتصال هاتفي مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، عن قلقه إزاء انخراط إرهابيين من الشرق الأوسط في النزاع بمنطقة قره باغ، وبحث بوتين وأردوغان التعاون بين روسيا وتركيا في سورية، مع الإشارة إلى أهمية الجهود المشتركة من أجل تنفيذ التفاهمات بشأن إحلال الاستقرار في إدلب وشرقي الفرات، لكن تلك الاتصالات جاءت بالتوازي مع رسالة عسكرية روسية شديدة اللهجة لتركيا بعد مقتل أكثر 80 مسلّحاً من فصيل ما يسمى بـ “فيلق الشام” التابع لقوات الاحتلال التركي، من جرّاء غارات شنّتها طائرات روسية حربية على مركز تدريب لهم في ريف إدلب الشمالي الغربي، ويعدّ هذا التصعيد الأعنف منذ أشهر بعد دخول وقف إطلاق النار في إدلب حيّز التنفيذ.
صحيفة “الأخبار” اللبنانية نقلت عن مصادر عسكرية قولها بأن المسلحين الذين تم استهدافهم كان سيتمّ نقلهم بعد تخرّجهم من دورة عسكرية في إدلب إلى قره باغ للمشاركة في القتال هناك، إلى جانب الجيش الأذربيجاني، ما يشير بشكل مباشر إلى ارتباط تلك الغارات في إدلب بما يجري في قره باغ.
بالمقابل اكتفى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالتعليق على الضربة، في كلمة خلال اجتماع الكتلة النيابية لـ”حزب العدالة والتنمية” في أنقرة، بأن “استهداف روسيا مركزاً لتأهيل الجيش الوطني السوري في إدلب مؤشر على عدم دعمها للسلام الدائم والاستقرار في المنطقة”، في خطوة رأى فيها نشطاء المعارضة بأنها مخيبة للآمال وتؤكد الفكرة السائدة في الأوساط الشعبية بأن المسلحين التابعين لتركيا في المنطقة ليس لهم أي قيمة وأنهم مجرد أرقام وأدوات بالنسبة لها لا أكثر.
تلك الخطوة الروسية من شأنها أن تعقد المشهد المعقد أصلاً في إدلب وخصوصاً فيما يتعلق بالدوريات المشتركة الروسية – التركية، التي يبدو أنها ستتوقف بعد تلك الحادثة بسبب ازدياد حالة التوتر في المنطقة، بالمقابل قد تكون روسيا أقدمت على تلك الخطوة بعد تيقنها بأن تلك الدوريات لم يعد لها أي فائدة وكرسالة مباشرة للجانب التركي بأن روسيا قد سئمت المماطلة التركية بخصوص الاتفاقات المتعلقة بطريق “M4” وقد بدأت تستحضر الحل العسكري من جديد.
على الجهة المقابلة أرسلت قوات الاحتلال التركي المزيد من التعزيزات العسكرية إلى المجموعات المسلحة في إدلب في ظل إدراكها إلى إمكانية عودة الحل العسكري بالنسبة للروس في ظل كل الاستفزازات التركية لروسيا سواءً في قره باغ أو في ما يتعلق بالمحاولات التركية لعرقلة الحل السياسي في ليبيا.
قد يعتبر الروس أن ما قامت به تركيا في قره باغ له تأثير على الداخل الروسي كون منطقة القوقاز تقع بالقرب من حدود روسيا الجنوبية وبأن توتير الحالة الأمنية هناك قد يؤثر على الحالة الأمنية في الداخل الروسي خصوصاً وأن تركيا تستخدم مسلحين متطرفين معادين لروسيا في قتالها هناك.
في وقتٍ سابق أعلن الرئيس الروسي أنه لن يتدخل عسكرياً في الحرب القائمة بين أذربيجان وأرمينيا لكن ذلك لا يعني أنها لا تزعجه حيث يبدو أن الرئيس بوتين يحب التركيز على الجبهات العسكرية التي يعمل بها ولا يحبذ فتح العديد من الجبهات في آن واحد كما يفعل أردوغان، فهل سيضغط بوتين على أردوغان عسكرياً في ملف إدلب لإجباره على الموافقة على الحل السياسي في قره باغ، أم أن الغارات الروسية هي مجرد رسالة لتركيا لعدم توتير الأجواء بالقرب من الحدود الروسية؟
رضا توتنجي