أثر برس

بين الاحتراف والهواية أضعنا هوية الكرة السورية

by Athr Press M

خاص || أثر سبورت

(بين حانا ومانا ضيعنا لحانا) ينطبق هذا المثل على واقع الحال الذي وصلنا إليه عندما قررنا تطبيق الاحتراف في كرتنا، فأضعنا متعة الهواية وغرقنا في مستنقع الاحتراف ولم نعد قادرين على العودة لما قبل الاحتراف ولم نصل لما أردنا له من هذا الاحتراف، فانحرفت البوصلة عن المسار الصحيح ودخلنا في متاهة ويبدو أننا لن نعرف طريقة للخروج منها.

وكان المكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي العام (أعلى سلطة رياضية سورية) قد أعطى الضوء الأخضر للأندية بتنظيم عقود احتراف مع اللاعبين المحليين في لعبتي كرة القدم وكرة السلة، على أن يبدأ تنفيذ هذه العقود اعتباراً من الموسم 2002-2003.

وأقر المكتب التنفيذي حينها أن سقف الراتب الشهري مفتوح، شريطة ألا يقل حده الأدنى عن الراتب الشهري لخريجي الجامعات السورية.

وكانت القيادة السياسية في سوريا قد وافقت في السابع من شباط 2001 على إقرار نظام الاحتراف في الرياضة السورية، في الوقت الذي أصدرت فيه القيادة الرياضية جملة من القرارات سمحت بموجبها للاعبين واللاعبات العرب من غير السوريين المقيمين في سوريا بالانضمام واللعب في الأندية السورية ضمن البطولات المحلية والخارجية، كما سمح بالتعاقد مع لاعبين ولاعبات أجانب في مختلف الألعاب.

وقد ترجمت هذه القرارات عملياً، وشهد الدوري السوري لكرة القدم في موسمه 2002-2003 ولأول مرة في تاريخ البطولة مشاركة لاعبين محترفين من البرازيل ونيجيريا والكاميرون وزامبيا والمغرب والعراق.

الاحتراف حقيقة منقوصة:

قررنا الاحتراف ونفذناه مباشرة دون أن نؤسس له ودون أن نعد الأرضية المناسبة لبنائه، فلم تكن أساساته متينة ولم نستفد منه أي شيء فنياً ولا حتى إدارياً، والدليل أن كرتنا تراجعت كثيراً على مستوى الأداء والنتائج فخسرنا الهواية وأضعنا أنفسنا في الاحتراف، والمستفيد الوحيد منه هم اللاعبون والمدربون الذين يقبضون بالعشرات وأحياناً مئات الملايين من الليرات فيما باقي الكوادر ينتظرون رواتبهم بعشرات الآلاف وفي أحسنها بضع مئات من الألوف القليلة، وسعيد الحظ من يحظى بمهمة ما أو مراقبة مباراة ليضيفها فوق راتبه.

لم يخطر ببال القيادة الرياضية أن الاحتراف ليس دفع عقود فقط للاعبين والمدربين، ولم تفكر أن البنى التحتية أو الأساسية للاحتراف مفقودة عندنا فلا ملاعب جيدة موجودة ولا مرافق فيها ولا احتراف إداري ولا تحكيمي ولا تأسيس جيد للقواعد، وما زالت التعيينات تفرض فرضاً، حتى وإن كانت بطريقة الانتخاب فلا يصل إلا المدعوم أو الميسور لمركز القرار الكروي حتى وإن غابت عنه كل الكفاءات.

رزق الله على أيام زمان:

قبل تطبيق ما يسمى بقانون الاحتراف أي في أيام الهواية أو الزمن الجميل الذي ما زال يتفق عليه كل من عايش الحقبتين (حقبة الهواية وحقبة الاحتراف)، كان الانتماء للنادي أو للمنتخب في أعلى درجاته وكان ارتداء قميصهما شرفاً كبيراً لأي لاعب، لذلك كنا نشاهد اللاعب يجتهد على نفسه ويعمل ويطبق الاحتراف قبل أن نعرف اسمه، فكان ينام باكراً ويأكل جيداً ويتمرن بانتظام ويحترم مدربه وزملاءه وجمهوره، وكانت المسابقات شبه مستقرة ولم تكن تتغير الروزنامة إلا لظروف قاهرة، وكان هناك بطولات غابت الآن كبطولة المحافظات، وكان الدوري يلعب لجميع الفئات ناشئين وشباب ورجال وأحياناً أشبال ورديف رجال، وكانت تقام هذه المباريات في ملعب واحد وبيوم واحد أغلب الأحيان، وكان اللاعب إذا خسر أو تعادل يبكي ويخفي وجهه عن جمهوره، وكان اللاعبون يتبادلون الحذاء والقمصان، وكانت الإصابة تُعالج بزجاجة ماء وكانت مكافأة الفوز بضع ليرات وكان كل شيء جميل، ومع نهاية المباريات تنتهي كل المشاكل إن وجدت.

للأسف الآن وفي زمن ما يسمى بالاحتراف تغير كل شيء، فاللاعب هو السيد في الملعب خاصة إذا كان مدعوم فيسبوكياً، والويل والثبور للمدرب إذا لم يشركه أو أخرجه دون إرادته لأنه أي المدرب سيصبح حديث الجميع وسيتم (نكش) تاريخ أسرته، وإن خسر الفريق فالويل للحكم والويل لمن يتجرأ من الجمهور بانتقاد، وكم من مشاهد شاهدناها واللاعب (يطحش) على الجمهور.

الآن هناك مشافٍ ومراكز علاج وتأهيل للاعب إن قال آه وقد يسافر لخارج البلد للعلاج، واللاعب يغير قميصه بين الشوطين وربما حذاؤه، والمدرب معه جيش من المساعدين ومحللي الأداء والشركات تدعم الإدارات، والملاعب على سوئها يكفي أنها معشبة وليست مغبرة كأيام زمان، ووسائل الإعلام تلاحق الجميع وتنشر صورهم وأحاديثهم وأنفاسهم، ومكافآت الفوز حدث ولا حرج وغير ذلك من رفاهية لم تكن موجودة في أحلام الجميع أيام الهواية.

الولاء للمال:

ومع ذلك كانت النتائج والأداء أيام الهواية أفضل وكنا نلعب مع منتخبات وأندية قوية ونجاريها ونتفوق عليها في أحيان كثيرة، وشاركت منتخباتنا بجميع البطولات، وكانت نداً قوياً، ولم نكن نشاهد أو نسمع عن شجار بين اللاعبين على شارة الكابتن أو المركز الذي سيلعب فيه اللاعب، وكان الولاء للشعار عكس ما نشاهده الآن حيث الولاء لمن يدفع أكثر ولا غرابة إن شهدنا تناحرات بين كوادر الأندية يكون أبطالها اللاعبون الذين يميلون لمن يدفع، وطبعاً ليس كل اللاعبين وإنما البعض، وقد نشاهد لاعبون يتهربون من اللعب مع المنتخبات لوجود استحقاق لناديهم في ذات الوقت وخاصة إن كان اللاعب محترف في دوري خارجي، وهذا الأمر حدث مع منتخبنا الوطني حيث اعتذر لاعبون عن اللعب بحجج مختلفة وفي نفس الوقت لعبوا مع أنديتهم.

الشمالي أيام الهواية أفضل وطبقنا الاحتراف حينها:

رئيس نادي جبلة ومدربه وعضو اتحاد الكرة السابق والمرشح الحالي له الكابتن رفعت الشمالي قال إن أيام زمان كانت أفضل وكانت الهواية أجمل وكانت الانتماء أكبر، وفي جبلة تعاقدنا مع لاعبين من خارجها قبل أن يكون هناك شيء اسمه احتراف واستفدنا منهم.

الاحتراف الآن غير كامل، يقول الشمالي، وتنقصه أمور كثيرة واللاعب في بعض الأحيان مظلوم وقد لا يحصل على حقه كاملاً، وتقوم بعض الأندية بعدم دفع كامل مستحقاته عند نهاية الموسم فيضطر لتقديم شكوى لدى اتحاد الكرة قد يطول البت فيها لفترة طويلة، وأقترح عدم السماح لأي ناد بالتعاقد مع أي لاعب للموسم الجديد ما لم يعطي لاعبيه كامل حقوقهم، وفي هذا عدل وإنصاف للجميع.

العثمان..الاحتراف في بداياته كان أفضل:

أمين سر لجنة المسابقات في اتحاد الكرة الكابتن جمال عثمان قال إن الاحتراف عندما طبق في بداياته كان أفضل وأقوى وأجمل، وشاهدنا نخبة كبيرة من اللاعبين المحترفين الذين هم على مستوى عالٍ في صفوف أنديتنا جعلوا التنافس أقوى واستفاد منهم لاعبونا بشكل كبير، وكذلك كان هناك عدد من المدربين العرب والأجانب الذين دربوا أنديتنا وكان أيضاً لوجودهم فائدة كبيرة للاعبينا حيث كانت المدارس البرازيلية والإيرانية والرومانية والعراقية والأرجنتينية وغيرها تبدع في ملاعبنا، التي شهدت هي الأخرى نهضة كبيرة في ذلك الوقت حيث تمت صيانتها وتعشيبها بشكل كامل وكانت تضاهي أفضل الملاعب في المنطقة حينها.

ويتابع العثمان أن الفائدة من الاحتراف بدأت تخبو رويداً رويداً خاصة بعد غياب المحترفين الأجانب وسوء أرضية الملاعب وما تلاها في السنوات الأخيرة من الحرب على وطننا، ويجب إعادة النظر من جديد في موضوع الاحتراف ووضع أسس صحية وسليمة وصحيحة حتى يكون الاحتراف كاملاً ويعود بالفائدة على كرتنا.

إنجازات الكرة السورية قبل الاحتراف وبعده:

مع أنها ليست ببطولات من تلك التي يمكن تصنيفها ببطولات الصف الأول أو حتى الثاني، إلا أن إنجازات الكرة السورية كانت قبل الاحتراف أفضل مما هي بعهده.

قبل الاحتراف:

دورة الألعاب العربية في مصر 1953: الوصيف.

دورة الألعاب العربية في لبنان 1957: البطل.

كأس العرب في لبنان 1963: الوصيف.

كأس العرب في العراق 1966: الوصيف.

دورة الألعاب العربية في سوريا 1976: المركز الثالث.

ألعاب البحر الأبيض المتوسط في سوريا 1987: البطل.

كأس العرب في الأردن 1988: الوصيف.

كأس العرب في سوريا 1992: المركز الرابع.

دورة الألعاب العربية في سوريا 1992: المركز الرابع.

دورة الألعاب العربية في لبنان 1997: الوصيف.

بطولة غرب آسيا في الأردن 2000: الوصيف.

بطولة غرب آسيا في سوريا 2002: المركز الرابع.

 

بعد الاحتراف:

بطولة غرب آسيا في إيران 2004: الوصيف.

بطولة غرب آسيا في الأردن 2007: نصف النهائي.

بطولة غرب آسيا في ايران 2008: نصف النهائي.

بطولة غرب آسيا في الكويت 2012: البطل.

 

إذاً كان بالإمكان تطبيق الاحتراف على مراحل وفق أسس علمية وإدارية ووضع خطط مناسبة لا أن يتم حرق المراحل بسرعة، ولو فعلنا ذلك بروية لربما كنا في الصفوف الأولى عربياً على الأقل بدلاً من الغرق بهذه الطريقة، حيث تُهنا وسط المحيط فلا استطعنا إكمال المشوار ولم يعد بالإمكان العودة، وما زلنا نعمل بفكر متخلف فتراجعنا أشواطاً عمن كنا نسبقهم بمراحل، والأمل بأن يعيد اتحاد الكرة القادم الحسابات من جديد فيضع خططاً قد تدفع بنا لنقترب من شاطئ آمن في المحيط الذي نسبح به بلا عنوان.

محسن عمران

اقرأ أيضاً