خاص|| أثر برس يرتبط حلول شهر رمضان المبارك في الساحل السوري بطقوس خاصة لاستقبال الشهر الكريم من خلال الزينة التي تكتسي الشوارع والأزقة، والعادات والتقاليد الأصيلة، وإعداد الأكلات التراثية المشهورة في الساحل السوري.
اللافت أنه لا يوجد تقليد واحد للأكلة التي يتم إعدادها في أول يوم برمضان، إذ تختلف من بيت لآخر بحسب الأذواق والعادات والحالة المعيشية التي أرخت بثقلها على ما كان معتاداً، خاصة في ظل تعذر وجود اللحوم عن موائد أصحاب الدخل المحدود، لتصبح أول طبخة كما بقية الطبخات طيلة شهر رمضان المبارك عنوانها “جود بالموجود”.
في طرطوس، تقول أم راتب ربة منزل “خمسينية” لـ”أثر”: منذ أن كنت صغيرة كانت أمي تعد السمك في أول أيام رمضان، كتقليد سنوي، قالت إنه متوارث عن أهلها وأجدادها، فالسمك المتوفر أساساً في المدينة يعد وجبة رئيسية لنا يتمتع به من قيمة غذائية عالية بعد صيام يوم طويل، مبينة أن والدتها كانت تعد السمك بنوعيه المقلي والمشوي، مع وضع الثوم والليمون عليه.
وفي ذاكرة الطفولة لأم راتب، تختزن الكثير من تلك الأيام التي أوجزتها بالإشارة إلى روائح السمك التي كانت تفوح من معظم بيوت الحارة قبيل آذان المغرب بنصف ساعة، بالإضافة إلى إعداد بعض المقبلات وأصناف الأكل الخفيفة التي كانت ربّات المنازل تختلف في تحضيرها، ناهيك عن السلطات والشوربات.
وتابعت أم راتب: كبرت وتزوجت ونقلت هذه العادة المتوارثة إلى منزلي، حيث أحرص على إعداد السمك في أول يوم برمضان، وأعد سمكاً مقلياً بالحمض والثوم، وسمكاً حاراً بالفرن، إلى جانب الشوربة والسلطات والعصائر.
من جهتها، قالت ياسمين “موظفة”: أنا وزوجي لا نفضل السمك في أول رمضان، لذلك اعتدت على إعداد أكلات تراثية أخرى في أول يوم برمضان، وأهمها كبيبات بسلق، “لقاسات” وهي عبارة عن كرات البرغل الناعم المسلوقة والمعجونة مع الطحين والمضاف لها السماق، ويتم قليها بزيت الزيتون والبصل.
فيما أشارت جارتها غنى أنها ستطبخ اليوم أكلة تراثية وهي البرغل بحمص مع الدجاج، يضاف إليها الزيت البلدي الذي يمنح الأكلة مذاق طيب، مشيرة إلى أن البرغل والطحين والزيت هي من العناصر الغذائية الأساسية في الساحل والتراثية المتوارثة التي تمون خاصة في رمضان والأعياد والمناسبات الاجتماعية كافة.
اللاذقية:
إلى اللاذقية، تؤكد أم جابر، “سبعينية” أنها منذ يوم أمس بدأت بالتحضير لـ”سفرة” أول رمضان من خلال إعداد الأكلات التراثية كالكبيبات بسلق، زلابية، فطائر بسلق ومحمرة، حيث جهزت المواد وبدأت منذ الصباح بعجن الدقيق مع البرغل، وتقطيع السلق والبصل لإعداد الحشوة، بالإضافة لإعداد الصلصة الخاصة المؤلفة من زوم الكبيبات بعد سلقهم مضاف إليها الثوم والحامض والسماق، أو دبس الرمان، أو دبس الفليفلة.
فيما لفتت نجوى إلى أن الطبق الرئيسي سيكون برغل بحمص، إلى جانب اللبن، والشوربة، مشيرة إلى وجوب وجود العصائر التي تحرص على اعدادها بنفسها، مدللة بالخرنوب والتمر الهندي
بدوره، قال الباحث في التراث الشعبي حيدر نعيسة لـ”أثر” إن أهل الساحل يحرصون على إعداد الأكلات المكونة من البرغل والطحين والزيت والخضار الشتوية كالسلق، باعتبارها أساس المائدة وتمنح الطاقة وتعوّض الصائم عن ساعات الصوم الطويلة.
وبحسب نعيسة، المرأة في الريف تستمتع بإعداد الأكلات التراثية وتعليم بناتها طريقة تحضيرها “على أصولها”، مؤكداً أن ذلك من شأنه الحفاظ على توارث العادات التي هي نتاج المعتقدات بصورتها الحيّة الجماعية.
إلى جانب الأكلات التراثية، هناك أيضاً أنواع عصائر وحلويات متوارثة في الساحل، حيث أشار نعيسة إلى عصير الخرنوب، التمر الهندي وعرق السوس، وحلويات كالجزرية، الحلاوة المهروسة، الدبس، التلاج، الهريسة.
وتتفق جميع النسوة اللواتي التقاهن “أثر”، أنه لا يوجد تقليد واحد للأكلة التي يتم إعدادها في أول يوم برمضان، إذ تختلف من بيت لآخر بحسب الأذواق والعادات والوضع المادي للعائلات، مؤكدات أن لمّة العائلة حول مائدة رمضان والسهرات الجميلة، تعد أجمل طقوس الشهر الكريم بغض النظر عن أنواع أكلات رمضان وما تحتويه من قيم غذائية تقلصت بفعل غلاء المعيشة.
صفاء علي