زياد غصن || أثر برس على خلاف ما توقعه البعض، فإن الاعتداءات الإسرائيلية على المواقع المدنية والعسكرية السورية لم تتوقف بعد العدوان الحالي على قطاع غزة، وإنما زادت عما كانت عليه خلال الفترة السابقة للعدوان، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن الأسباب الجوهرية التي تدفع “إسرائيل” إلى الاستمرار باعتداءاتها، إذ إن ما يردده البعض على شاشات التلفزة والمواقع الإلكترونية حول ذلك لايزال كلاماً عاماً غير مقنع في حالات كثيرة.
دعونا نعود إلى العام 2006، وتحديداً إلى شهر تموز، آنذاك شنت القوات الإسرائيلية عدواناً واسع النطاق على لبنان استهدف الأبنية السكنية والبنى التحتية والمرافق الخدمية على امتداد الأراضي اللبنانية، وبشكل يكاد يكون مماثلاً للعدوان الحالي على قطاع غزة، والمستمر منذ السابع من تشرين الأول.
آنذاك لم تجرؤ “إسرائيل” على مهاجمة هدف واحد داخل الأراضي السورية رغم علمها ويقينها التام أن مستودعات الجيش السوري فتحت بالكامل لتزويد المقاومة اللبنانية بما يمكنها من الصمود ومواجهة آلة الحرب الصهيونية، فما الذي حدث بعد العام 2006؟ وألا تخاف واشنطن من إمكانية أن يقود العدوان الاسرائيلي المستمر على الأراضي السورية إلى تزايد الهجمات التي تستهدف القواعد الأمريكية الموجودة في سوريا؟
العرب والغرب:
بغض النظر عن المبررات التي تسوقها “إسرائيل” لتبرير اعتداءاتها المتكررة على الأراضي السورية، سواء المتعلقة بما تسميه مواجهة النفوذ الإيراني أو منع تمرير أسلحة متطورة إلى المقاومة الوطنية اللبنانية، فإن التحول الذي طرأ على السلوك الإسرائيلي بين عامي 2006 و2023 مرده إلى المتغيرات التالية:
– تتعدد الجبهات التي باتت تحكم عملية انتشار وتموضع وحدات الجيش السوري، من جبهة واحدة في العام 2006 هي جبهة المواجهة مع الكيان الصهيوني، إلى أربع أو خمس جبهات رئيسية في العام 2023، الأمر الذي أدى إلى تشتت قدرات الجيش السوري وإمكانياته، فضلاً عن الضرر الذي لحق بوحداته وتجهيزاته جراء تعرضها للتخريب والاستهداف من قبل الفصائل المسلحة بمختلف مرجعياتها وتسمياتها، وتالياً فإن كل ذلك شجع “إسرائيل” على الاعتداء على الأراضي السورية، وإن كان إسقاط الدفاعات السورية للطائرة الإسرائيلية في العام 2018 شكلت صدمة للكيان المحتل.
– المظلة السياسية التي وفرتها بعض الدول العربية بشكل مباشر أو غير مباشر للاعتداءات الإسرائيلية، فبعض الدول التي عملت منذ بداية الأزمة إلى إسقاط “النظام” لم تكن تمانع أن تقصف تل أبيب أهدافاً سورية، فهذه الاعتداءات بنظرها تسهم في تقويض القدرات العسكرية لـ”النظام”، وحتى تكشف الأيام خفايا مواقف بعض الدول العربية من الاعتداءات الإسرائيلية، فإن تخاذل وضعف الدور العربي يبقى حاضراً في تشجيع الكيان الصهيوني على المضي قدماً في اعتداءاته على سوريا.
– عجز مجلس الأمن الدولي عن القيام بمهامه في حفظ الأمن والسلم الدوليين جراء الموقف الأمريكي والبريطاني والفرنسي الداعم للاعتداءات الإسرائيلية والرافض لأي إدانة لها، وهذا ما حصل أيضاً مع العدوان الإسرائيلي على غزة وما ارتكبه من مجازر وجرائم تشكل جرائم حرب وإبادة جماعية بأبسط تعريف لها.
وفي ضوء ذلك، فقد كان من غير المتوقع أن تتخلى “إسرائيل” عن أحد أهم مكاسبها المتأتية من الأزمة السورية ما دامت تلقى تأييداً أمريكياً وغربياً وعربياً مباشراً لها، إذ حتى لو سحبت إيران خبرائها وعسكريها من سوريا، فإن الكيان الصهيوني سيجد حجة أخرى للاستمرار في اعتداءاته العسكرية، تماماً كما فعل على مدار السنوات التي أعقبت انسحابه من جنوب لبنان، ولاحقاً من قطاع غزة.
تغير قواعد الاشتباك
هل يمكن لتغير بعض قواعد الاشتباك في المنطقة، وتحديداً بعدما تعرضت القواعد الأمريكية في كل من العراق وسوريا لهجمات مباشرة من فصائل المقاومة، إضافة إلى استهداف المقاومة اللبنانية لجميع مواقع الاحتلال في شمال فلسطين المحتلة وفي المناطق اللبنانية المحتلة وتكبد القوات الإسرائيلية لخسائر بشرية ومادية كبيرة، أن يسهم في إجبار تل أبيب على مراجعة استراتيجية الاعتداء على الأراضي السورية؟
لا شك أن استمرار الهجمات على القواعد الأمريكية يمكن أن يشكل عامل ضغط هام، خاصة إذا ما تم ربط عمليات الاستهداف باستمرار الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، والتي لم تستثن أحياناً المناطق الحدودية السورية-العراقية، لكن حتى يكون لتلك الهجمات أثرها الفعال على الموقف الأمريكي، فإن ذلك يبقى متوقفاً على فعالية الهجمات وخطرها على تلك القواعد.
صحيح أن واشنطن قد تلجأ إلى الرد المباشر عبر استهداف ما تعتبره مقرات لفصائل المقاومة في العراق وسوريا، كما فعلت مؤخراً، إلا أنها لا يمكنها أن تستمر في ذلك لأسباب كثيرة، وتالياً فهي ستكون مضطرة في النهاية إلى البحث عن اتفاقات تفاهم لتحييد القواعد الأمريكية خوفاً من وقوع خسائر بشرية تستثير ردة فعل من قبل الرأي العام الأمريكي الداخلي، ومع ذلك فإن الموقف العربي يبقى له أثره الكبير، إذ إن تجميد المسار التطبيعي العربي ببعديه السياسي والاقتصادي مع الكيان الصهيوني، وربطه بتنفيذ الكيان الصهيوني لقرارات الشرعية الدولية ولمبدأ السلام مقابل الأرض والحقوق المشروعة سيكون كفيلاً بوقف تلك الاعتداءات.
هناك من سيقول: ولماذا لا ترد سوريا وتردع “إسرائيل”؟
يعلم الكثيرون أن دمشق بإمكانها اليوم الرد وإيلام الكيان الصهيوني، والكل يعلم أن الصواريخ السورية تغطي ومنذ سنوات طويلة كامل أراضي فلسطين المحتلةـ لكن هل هي مهيأة اليوم للدخول في حرب استنزاف أو حرب واسعة؟ الجواب بالتأكيد سيكون بعد 12 عاماً من حرب كارثية أتت على موارد البلاد وإمكانياتها وقدراتها.. هو لا.