أثر برس

بين متطلبات أنقرة للتقرب من دمشق والتصعيد التركي شمالاً.. ما فرص نجاح خطوات تركيا تجاه سوريا؟

by Athr Press Z

خاص|| أثر برس تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي أكد خلالها على ضرورة اتخاذ خطوات متقدمة اتجاه دمشق، وأن الولايات المتحدة الأمريكية هي من يغذّي “الإرهاب” شمالي شرق سوريا، كانت الأكثر صراحة ومباشرة والأعلى مستوى بخصوص الحديث عن تقارب سوري-تركي، وأكدت وجود خطوات جدّيّة في هذا الملف، لكنها في الوقت ذاته تتعارض مع المجريات الميدانية التي يشهدها الشمال السوري، والمتمثلة بحالة تصعيد ميداني بين فصائل أنقرة و”قوات سوريا الديمقراطية-قسد”.

لم تعد هناك إمكانية لتفسير تغيّر اللهجة التركية إزاء سوريا بمنحى بعيد عن وجود رغبة لدى أنقرة بالتوجه نحو التطبيع مع دمشق، وفي هذا السياق نقل موقع “المونيتور” الأمريكي عن دبلوماسي تركي متقاعد متابع لهذا الملف قوله: “تركيا مقتنعة بأن الحوار مع دمشق أصبح حتمياً في عدة قضايا مثل المشكلة الأمنية في شمال سوريا وعودة اللاجئين”، مشيراً إلى أن “الخطوات التي يجب اتخاذها واضحة، لكن طريقة عمل أولئك الذين من المفترض أن يضعوها موضع التنفيذ تثير شكوكي”، كما أعرب زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجتي، الذي غالباً ما أثر في قرارات أردوغان، عن أمله “في التطبيع مع جميع الجيران بحلول عام 2023، عام الانتخابات الحاسمة في تركيا”.

رغبة أنقرة بالتقرب من دمشق دفعت بها مجموعة من العوامل منها الداخلية وأخرى خارجية، وبخصوص الداخل التركي، أكد الديبلوماسي التركي المطلع على مجريات الملف لـ “المونيتور”، أن هناك “فورة لفعل شيء قبل الانتخابات الرئاسية”، مشيراً إلى أن “رؤية أنقرة لحل القضايا معقدة للغاية، بما في ذلك مستقبل الفصائل المسلحة”، منوّهاً في الوقت ذاته إلى أنه ثمّة أطراف في الإدارة التركية ترفض هذا التقارب ومنهم وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، المقرب من واشنطن.

أما على الصعيد الخارجي، فتؤكد التحليلات أن المتغيرات الدولية التي شهدها العالم مؤخراً وخصوصاً بعد الحرب الأوكرانية، بدأت تُنذر بظهور نظام عالمي جديد، وتكتلات جديدة، لا سيما تلك التي بدأت تظهر بين روسيا والصين وإيران، على صعيد السياسة والاقتصاد والدفاع، ويقول في هذا الصدد الباحث في الشأن التركي أحمد الإبراهيم، في حديث لـ “أثر”: “إن أردوغان، سبق أن انتهج سياسية خارجية خاطئة جعلته معزولاً عن محيطه القريب والبعيد، الأمر الذي جعل قسم كبير من الرأي العام التركي مناهضاً لسياسته الخارجية، مشيراً إلى أن “أردوغان، وكلعبة انتخابية يحاول حل هذه المشكلة، فأقدم على التطبيع مع السعودية ومع الإمارات وإسرائيل، ومؤخراً تبقى بوابته الجنوبية والتي هي سوريا”، وفي وجهة نظر موافقه لـ “الإبراهيم” قال المحلل السياسي التركي باكير أتاجان، في لقاء متلفز على قناة “الحرة” الأمريكية: “إن هناك تغييرات كثيرة على المستوى الإقليمي والدولي دفعت تركيا لاتخاذ هذه الخطوة”، مشيراً إلى أنه “من بين هذه المتغيرات الحرب الأوكرانية وظهور نظام عالمي جديد”، موضحاً أن “تركيا لا تستطيع أن تعيش بعيداً عن هذه المتغيرات وخاصة مع الدول المجاورة، فأنقرة وجدت أن علاقاتها مع دول الجوار لم تكن بالمستوى المطلوب وأنها منغلقة على نفسها وبالتالي رأت ضرورة الانفتاح مع هذه الدول، سواء اليونان وروسيا وأوكرانيا والإمارات والسعودية والعراق وإسرائيل وسوريا بالتأكيد”.

يبدو أن المسؤولين والخبراء الأتراك على وجه التحديد يتفقون على فكرة أن التطبيع مع دمشق بات ضرورة وأن غالبية المسؤولين الأتراك بمن فيهم الرئيس التركي مقتنعون بهذه الحقيقية، إلا أن الحديث عن هذا التقارب يتعارض إلى حد كبير بالأحداث التي شهدها الميدان السوري في الشمال، حيث ارتفعت وتيرة القصف التركي هناك، ويفسّر عضو الأكاديمية الروسية للأزمات الجيوساسية علي الأحمد، في حديث لـ “أثر” هذا التصعيد بقوله: “إن هذا التصعيد قد يكون واحدة من أدوات التفاوض بين الجانبين التركي والسوري”، فيما رجّح مقال تحليلي نشره موقع “ستراتفور” الأمريكي للدراسات الأمنية والاستراتيجية أنه تنحصر هذه الاستهدافات التركية على طول خطوط التماس بين تركيا و”قوات سوريا الديمقراطية”.

وفي هذا الصدد أشار موقع “ميدل إيست أون لاين” في مقال تحليلي إلى أن “الأهداف الحقيقية التركية هي القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، ولكن بعد محاولات لا حصر لها لحل مشكلة شمال شرقي سوريا، يجب على الرئيس رجب طيب أردوغان أن يدرك أنه لا يستطيع شق طريقه للخروج من هذا المأزق”، مضيفاً أن “الوقت لدى أردوغان لحل عقدة سوريا بدأ ينفد مع اقتراب الانتخابات الرئاسية التركية”، مشيراً إلى أنه بعد فشل أردوغان في شمال شرقي سوريا سيحتاج إلى الحكومة السورية أكثر من السابق، بالرغم من هذه المتطلبات التركية للتقارب مع دمشق، يشير الخبراء إلى أنه لا يمكن أن تبني الدولة السورية على فكرة أن أنقرة جاهزة للتقارب مع دمشق قبل أن تلحظ إجراءات عملية على الأرض، حيث قال الباحث المختص في الشأن التركي أحمد الإبراهيم: “عندما نقول تقارب بين سوريا وتركيا،

يأتي على أذهاننا إغلاق كافة معسكرات التدريب الموجودة على النقطة صفر بين الحدود السورية-التركية، وطرد الإرهابيين الموجودين في تركيا والذين يتدربون في المعسكرات التركية، قطع العلاقات وقطع الدعم عن هذه الكتل المسلحة الموجودة في شمال سوريا، وبالتالي إنهاء الحرب”، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن التصريحات التركية تسببت بقسم تركيا على نفسها حيث قال: “تركيا انقسمت اليوم على بعضها بسبب هذه التصريحات، فالخبر الأول اليوم تقريباً في أغلب الصحف التركية هو التقارب السوري – التركي ولكن لا نجد هذا الانعكاس في الصحف السورية أو في الموقف الرسمي في سوريا”.

أمام كافة المعطيات الموجودة لدى أنقرة فإن التحليلات تؤكد أنه لا يمكن الوثوق بالتصريحات التركية ما لم يتم اتخاذ إجراء على الأرض، فالولايات المتحدة الأمريكية لم يظهر موقفها بعد من هذا التقارب إن حصل، وأنقرة لا تزال تحافظ على علاقاتها مع واشنطن.

زهراء سرحان 

اقرأ أيضاً